إن من أسوء ما تعانيه المجتمعات على مر الدهور والعصور هو خطاب التكفير الظالم الجائر، الذي يقوم على الجهل والهوى المتبع والعصبية المقيتة؛ مما يؤدي إلى استباحة الآخرين في أموالهم وممتلكاتهم وأنفسهم؛ حتى تضيق الأوطان بساكنيها والدنيا بأهلها؛ فلا يجد المظلوم من ينصفه ولا يجد المسكين وكل من وقع عليه هذا الخطاب الجائر من ناصر ينصره ويأخذ بيده. فأحد أخطر العوامل المسببة لخطاب التكفير الظالم هو الجهل، حيث يجهل من يقوم بالتكفير الأدلة اليقينية الصحيحة التي متى تعلمها؛ أقلع عن هذا التكفير المقيت. فنراه مثلاً يتبع من يجعله قدوة له، وفي الوقت الذي يقول فيه قدوته بخطاب التكفير يقوم هو على الفور بتنزيله على أرض الواقع، وهو غير معني أو مهتم بالبحث عن الأدلة الصحيحة القطعية، ولكنه يكتفي فقط باتباع من نصبه مثلاً أعلى ممن يعايشهم ويحيى بينهم. والعجب في أمثاله أنهم يغلقون عقولهم عن كل فهم سليم مما فطر عليه البشر؛ ليعيشوا عالة على عقول الآخرين وعلى رجيع ما تخرجه اجتهاداتهم الضالة المضلة، دون الرجوع إلى الصواب والحق. وكذلك الشأن في الهوى المتبع فهو من أدهى الأسباب والحيل التي تقود إلى إنتاج وإفراز خطاب التكفير المقيت. فهذا الهوى المتبع هو الذي يسيطر على صاحبه ويملك زمام عقله وقلبه ولبه؛ فلا يرى إلا برؤيته ولا ينفذ إلا ما يمليه عليه هواه، وقد عكف ليل نهار على اتباع هواه؛ فلا يقرر ولا يعمل ولا ينفذ ولا يفعل أي فعل إلا بأمر هواه الذي يعكف على طاعته وتلبية أمره في جميع أوقاته؛ فيقوم بإنزال خطاب التكفير على الآخرين لا لشيء إلا لاتباع هواه الضال المضل الذي جعل نفسه عبداً له لا يطيع سواه؛ فهو الذي يأمره وهو الذي ينهاه، في أذل صورة وأقبح منظر وأشنع رؤية يمكن أن ترى في عالم البشر. كما أن العصبية المقيتة هي كذلك من أخطر العوامل المفرخة لخطاب التكفير؛ حيث تغذي العصبيةُ الكرهَ والبغضَ والحقدَ والحسدَ في نفوس أتباعها؛ فلا تبرحهم إلا وهم أسرى لخطاب التكفير الذي يجدون فيه الوسيلة السهلة بالنسبة إليهم للانقضاض على خصومهم والنيل منهم والفتك بهم دون وجه حق. وهم بذلك يخالفون الفطرة النقية الخالصة وقد تحولت قلوبهم إلى بركان لا يلقي إلا بحمم سوداء مظلمة في أحط ما تكون عليه قلوب البشر؛ فما هم إلا عبيد هذه العصبية العمياء الهوجاء التي يأتمرون بأمرها وينتهون بنهيها؛ فيتجردون من ثياب الإنسانية الفاضلة ليكشفوا عن أسوأ ما يمكن رؤيته في تاريخ المجتمعات والأوطان. فالحذر الحذر من الجهل وعدم التعلم مهما تقدم العمر بالإنسان، وكذلك الحذر الحذر من اتباع الهوى الذي يتخذه المرء الغافل إلهاً له فيرديه في أسفل سافلين، والحذر الحذر من العصبية العمياء التي تفتك بالجميع على حد سواء. فالأوطان تسع الجميع ليعيشوا في أمان وسلام ووئام.