الحرام لذاته أن تكون عميلاً مباشرًا للكيان الصهيوني في احتلاله الأرض والقدس والتهويد والاستيطان والتهجير والقتل والسفك والنهب لخيرات الأرض المباركة.. والحرام لغيره أن تقوم بعمل يصب في النهاية لصالح الكيان الصهيوني في كل جرائمه. الحرام بنفسه كأن تشرب أو تبيع خمرًا.. والحرام لغيره أن تبيع العنب لمن تعلم أنه يتخذه خمرًا، أو أن تبيع السلاح لمن توقن أنه سيقتل به الأبرياء. الحرام لذاته هو ما قام به الخونة في مصر من بيع الغاز للصهاينة يقتلون به أبناءنا ونساءنا ويحفرون به الأنفاق تحت مسجدنا الأقصى، ولم يستجيبوا لأحكام قضائية عديدة بوقف تصدير الغاز.. والحرام لغيره أن يكون إنهاء التصدير الآن بسبب تجاري، وليس لسبب شرعي وقومي وإنساني، أو وسيلة لتحسين صورة المجلس العسكري والحكومة بعد أن هتف الملايين في الميادين في جمعة 20 أبريل 2012م بسقوطهم ووجوب خروجهم من الهيمنة السياسية ضد مصالح مصر والمصريين. ومن هذا الباب نعد زيارة مفتي الديار المصرية من الحرام لغيره؛ لأنها تصبُّ في سياسة التطبيع مع الكيان الصهيوني، والاعتراف بالاحتلال، وقد صدرت فتاوى العلماء في المجامع الفقهية بما فيها مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف الذي هو عضو فيه بحرمة زيارة الأرض المقدسة تحت ظلال وحماية وحراسة الكيان الصهيوني؛ فالزيارة تمت دون استشارة مشيخة الأزهر بشكل مريب؛ حيث فوجئت الأمة بأنه موجود في القدس، ولو كانت هذه الزيارة بريئة لتمَّ التمهيد لها إعلاميًّا بما يتناسب مع مقام منصب مفتي الديار المصرية، ولعلنا نذكِّر هنا بالحديث: "الإثم ما حاك في صدرك وخفت أن يطلع عليه الناس" (رواه مسلم). ثم إن المفتي الذي خلع عمامة الأزهر ولبس طاقية سوداء ولا أدري هل هي إرضاء للحاخامات اليهود الذي لا يلبسون إلا الأسود؟!! ولم يدخل الشيخ من الأبواب التسعة التي يدخل منها المسلمون المرابطون في أرض القدس، وإنما دخل من باب المغاربة الذين سيطر عليه الصهاينة يوم 9/6/1967م بعد النكسة بأربعة أيام، ومن يومها لا يدخل من هذا الباب إلا السياح التابعون للسلطة الصهيونية كما يدخل منه قطعان الحاخامات والمستوطنين ليدنِّسوا المسجد الأقصى المبارك، ويُمنع الشيخ صبري عكرمة من السلطة الصهيونية من الدخول إلى المسجد الأٌقصى وهو الإمام والخطيب للمسجد الأقصى والمفتي للقدس، كما يُمنع الشيخ رائد صلاح بالقدس، لكن هذه السلطات ذاتها هي التي ذلَّلت وحرست وروَّجت لهذه الزيارة المريبة، وفرح بها الصهاينة وحزن لها المسلمون؛ بما يؤكد أنها فعلاً من الحرام لغيره. ويكفي الشيخ أنه ركن إلى الذين ظلموا من أمثال عباس والهباش الذين بدءوا من شهرين هذه الحملة على فتاوى علماء المسلمين وقادة النصارى بتحريم وتجريم الزيارة تحت ظلال الاحتلال؛ لأنها تكريس لهيمنتهم وتطبيع مع عدوهم، فركن إلى الذين ظلموا وآذى الذي آمنوا حتى اضطر أن يأتي مباشرة من زيارته الآثمة إلى مشيخة الأزهر ليقف أمام العلماء في مجمع البحوث الإسلامية ليقدم تبريرات واهية لم تقنع أحدًا وأصدروا القرار برفض الزيارة، ولا أرى زيارة القدس بالنسبة لنا إلا أعزاء مجاهدين، وليس أذلاء زائرين؛ استجابةً لأمر رب العالمين في قوله تعالى: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ) (التوبة: 14 ومن الآية 15)، وليس كما قال الله تعالى: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) (المائدة: 52)، كما فعل فضيلة الشيخ عندما آثر أن يتحدى فتاوى كل العلماء، وعلى رأسهم العلامة الشيخ القرضاوي، وأن يستجيب لدعوة أبي مازن والهباش والنظام الأردني الذي سبق مصر بخطوات في التنطبيع مع الكيان الصهيوني بموجب اتفاقية وادي عربة؛ لتضمَّ إلى اتفاقات الخزي والعار لاتفاقية أوسلو وكامب ديفيد التي حولت المناضلين إلى خونة وعملاء وأعوان للكيان الصهيوني وقدم النظام المصري والفلسطيني والأردني للكيان الصهيوني أكثر مما يطمحون إليه أو يرغبون فيه، وبخاصةٍ في ملف الجاسوسية على المقاومين، فقد تبارت الأنظمة الثلاثة في تقديم المعلومات، بل والخدمات المادية لقتل وإنهاك المقاومين الشرفاء. ولقد كان ضرب غزة في عملية "الرصاص المصبوب" بتنسيق كامل بين الحكومات الأربع في الكيان الصهيوني ومصر والأردن والسلطة الفلسطينية، وفي هذا الإطار لم نسمع فتوى صريحة قوية في مواجهة النظام الخائن بمصر من مفتي الديار المصرية، بل زاد الأمر سوءًا بموافقته الفتوى المسلوقة التي صدرت بمجمع البحوث الإسلامية بجواز بناء الجدار العازل بيننا وبين أهلنا في غزة، ولو أن الشيخ عنده بقية من توفيق ورشاد لأعلن عن زيارة لغزة ليغسل جزءًا من العار الذي لحقه بفتاواه هذه، وسكوته المريب عن حق أبلج، ولعنة الثورة والثوار بقوله نصًّا: "الخروج على الشرعية- أي مبارك وحزبه- حرام حرام حرام، والفتنة نائمة ملعون من أيقظها"، بل دعا فيما يفهم صراحة إلى قتل الثوار عندما قال: "إن الشعب مع مبارك" والخروج عليه حرام"، واستدل بالحديث: "من أتاكم، وأمركم جميع، على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم، فاقتلوه" (رواه مسلم). وأحسب أن الشيخ علي جمعة بهذه الفتوى يتحمَّل مع مبارك ونظامه قتل الثوار وجراحاتهم الغائرة، وفتواه هذه ليست من الحرام لغيره بل من الحرام لذاته، مثل فتواه أيضًا بجواز بيع الخمور والخنازير والتعامل بالربا والقمار في بلاد الغرب في الفتوى (رقم 4189) الصادرة عن دار الإفتاء المصرية وعلى موقعها الالكتروني (www.dar-alifta.org)، كما أفتى أنه لا ربا في النقود الورقية. والشخ جمعة فوق هذا هو الوحيد من بين علمائنا الذي اعتاد أن يقيم حفل عيد ميلاد لنفسه بحضور الفنانين في نوادي الليونز التابعة للمنظمات الصهيونية مما يقيم شبهة في ربط احتفالاته بأعياد الميلاد بأول مفتٍ في العالم العربي والإسلامي يقوم بزيارة القدس تحت الرعاية الصهيونية. أقول للمفتي: إذا قلت: زيارتي شخصية لا رسمية، فقدم استقالتك وعش حياتك الشخصية، وإن كانت ولا بد تسيء إلى مقام دار الإفتاء المصرية، فيجب على من عيَّنه استثناء أن يعزله فورًا استجابةً لنداء الشعب في الميادين، هذا إن كنتم تحترمون ثورة الشعب المصري ضد النظام كله، والفلول خاصة. باختصار.. نريد مفتيًا للديار المصرية وليس للحكومة المصرية.