كيف يمكن كتابة الدستور الجديد قبل انتخاب رئيس الجمهورية؟ وهل يكفي الوقت المحدد للانتهاء من وضع المواد الدستورية والاستفتاء عليها في تلك الفترة الزمنية؟ وألم يكن من الممكن تأجيل الانتخابات الرئاسية حتي تأخذ اللجنة التأسيسية وقتها ولا تقع تحت تأثير أي ضغوط؟ أم أن الالتزام بخارطة الطريق يستوجب ذلك؟ كما يبدو فإنه كان من الضروري أن يكون الدستور أولا قبل انتخاب رئيس الجمهورية حتي يكون طريق الشرعية الدستورية محددا.. فليس من المعقول ان يتولي الرئيس الجديد وهو لا يعرف اختصاصاته ومدي مسئولياته وواجباته.. وكذا لا يعرف شكل النظام الذي يحكم به: نظام رئاسي أم برلماني أم رئاسي برلماني مشترك وحدود الفصل بين السلطات! وليس المهم من يتولي منصب الرئيس القادم من خلال انتخابات حرة ونزيهة.. وإنما الأهم ان يجئ الرئيس بمسئوليات محددة في الدستور وفي اطار نظام ديمقراطي سليم.. ولذلك أقول: ما كان من الأول وبدلا من الوقت الضائع وبحيث كان يتم وضع الدستور قبل الانتخابات البرلمانية، ولكن المجلس العسكري ارتأي غير ذلك بناء علي مشورة مستشارين ودخلت البلاد في متاهة الإعلان الدستوري والمادة 60 وغيرها.. وهكذا تجئ محاولة وضع الأمور في مسارها الصحيح حتي لا تتعرض الانتخابات الرئاسية للطعون واللجوء الي القضاء الإداري والمحكمة الدستورية! نعم.. الدستور قبل الرئيس لأنه يضع الركائز - في الجمهورية الثالثة - ويمنع التلاعب والانحراف في سلطة الرئيس- وحتي لا تكون مطلقة- ويحدد كوابح لها في نصوص ومواد دستورية واضحة ودائمة باعتبار أنها باقية لعقود طويلة وأجيال قادمة.. ومن هنا يتضح حجم المسئولية التي تقوم بها اللجنة التأسيسية لوضع وكتابة الدستور لأنها تحدد قواعد الحكم وحدود السلطات الثلاث - التشريعية والتنفيذية والقضائية - وقد يبدو المشهد السياسي ملتبسا بسبب الجدل العقيم بين القوي والاحزاب السياسية حول تفسيرات خاطئة تتلاءم مع مصالحها - كما حدث عند تشكيل اللجنة التأسيسية بواسطة الأغلبية في مجلسي الشعب والشوري - لولا اعتراض الشعب.. وهناك من يري ان الفترة الزمنية المتاحة لوضع الدستور ليست كافية مع تحديد موعد الانتخابات الرئاسية، ويصير السؤال: ما العمل إذا لم تتمكن اللجنة التأسيسية من وضع الدستور خلال تلك الفترة؟ وكيف يمكن في هذه الحالة إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد من قبل بحيث يقوم المجلس العسكري بتسليم السلطة إلي نظام مدني في 30 يونيو عندما تنتهي الفترة الانتقالية؟ في هذه الحالة قد نجد أنفسنا في مواجهة مخاوف حقيقية من »سلق الدستور« وبما لا يليق بمصر بعد ثورة يناير.. وبما يفتح الباب أمام حالة من عدم الاستقرار الدستوري خصوصا في ظل عدم التوافق بين القوي السياسية والدخول في متاهات الرؤي والتفسيرات القانونية المختلفة حول مادة أو أخري. وهناك من يري ان اللجنة التأسيسية لن تحتاج إلي وقت طويل في مهمتها ولديها المرجعية في الدساتير السابقة في مصر وأهمها دستور 1923 الذي يشيد به الفقهاء الدستوريون - والذي أوقف إسماعيل صدقي باشا العمل به ولذلك ثار الشعب علي حكومته وعاد الدستور.. وكذا دستور 1954 الذي تم وضعه بعد ثورة يوليو وإشترك في وضعه نخبة من الفقهاء ورجال القانون وعلي رأسهم الدكتور عبدالرزاق السنهوري باشا، بينما يعتبر الكثيرون أن دستور 1971 من أفضل الدساتير وهو مأخوذ من الدستور الفرنسي في مواد مهمة والذي يمثل نموذجا في الأنظمة الديمقراطية العريقة، ولا يحتاج دستور 71 إلا لتعديدلات في بعض أبوابه وخصوصا بما يتصل بصلاحيات رئيس الجمهورية المطلقة..! والسؤال المطروح: كيف يمكن التوافق بين مائة من الفقهاء الدستوريين والقوي السياسية وممثلي طوائف الشعب علي مواد الدستور في أقل من شهر وبينما المناقشات لابد أن تأخذ وقتها حتي تخرج المواد سليمة من العوار ومحصنة من الطعون.. وبعدها لابد من وقت للاستفتاء الشعبي علي الدستور بعد حوار مجتمعي تشارك فيه جميع الأطياف، مع ملاحظة ان هناك ما يستوجب النقاش مثل: إلغاء مجلس الشوري أو بقاؤه ومثل إلغاء نسبة العمال والفلاحين. إن انتخابات رئيس الجمهورية في 23 مايو المقبل - أي بعد قرابة شهر من الآن - وهي المدة التي ينبغي استغلالها في وضع الدستور وبحيث يكون هناك دستور جديد ورئيس جديد عند انتهاء الفترة الانتقالية، ويبدو التوافق بين غالبية التيارات السياسية علي ضرورة إعداد الدستور الجديد بالتزامن مع إجراء الانتخابات الرئاسية، بمعني ألا يجيء الرئيس الجديد في ظل فراغ دستوري، ولأن ذلك قد يؤدي إلي أن يحكم بموجب الإعلان الدستوري، وهو ما يعطي الفرصة للرئيس القادم ليكون ديكتاتورا بصلاحيات مطلقة حتي يتم وضع الدستور الجديد.. والمشكلة في ظل هذا الوضع هي تلك الفترة المحددة للانتهاء من ذلك الدستور.. وهل تكفي؟ سؤال يمكن الإجابة عليه لو حدث التوافق بين أعضاء اللجنة التأسيسية »المائة« علي المواد الحاكمة في الدستور واستشعرت التيارات السياسية - بالذات تيار الاسلام السياسي - مسئوليتها التاريخية في صياغة دستور يرضي جميع أطياف الشعب.. وقد عبر المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة عن هذا التوجه عندما قال إن القوات المسلحة أخذت علي عاتقها العبور بمصر إلي بر الامان وستسلم البلاد لنظام مدني وصياغة دستور يرضي عنه جميع ابناء الشعب.. وجاء تأكيد المشير طنطاوي: لن نسمح بخضوع مصر لمجموعة أو قوي بعينها..! نقلا عن الأخبار