جاءت قائمة المرشحين الرئاسيين النهائية معبرة عن الوضع السياسى الذى وصلنا إليه، الذى أعادنا، بعد ما يقرب من سنة ونصف السنة على قيام الثورة، إلى ما كنا فيه قبل قيامها، وأصبح الخيار الذى نواجهه الآن فى الانتخابات الرئاسية هو الخيار نفسه الذى كنا نواجهه فى ظل النظام القديم، وهو إما استمرار الدولة العسكرية أو القبول بالدولة الدينية، أما الخيار الثالث، الذى نادت به الثورة وهو الدولة المدنية، فمازالت دونه الأهوال. ولقد جاءت مفاجأة ترشح اللواء عمر سليمان لتمثل استمرار الدولة العسكرية التى دامت ستين عاماً، شهدت السنوات الأولى منها مداً ثورياً وقومياً كان له بالغ الأثر، ليس على مصر وحدها، وإنما على المنطقة العربية كلها، لكنها انحرفت بعد ذلك عن المسار الثورى فصارت دولة الاستبداد والقمع التى وصلت إلى ذروتها فى السنوات الأخيرة. أما على الجانب الآخر، فنجد اتجاهاً آخر اكتشفنا أخيراً فقط، وبعد الثورة، أنه لا يقل قمعاً ولا استبداداً عن الدولة العسكرية، وهو الاتجاه الدينى الذى يتبع وسائل وسياسات الدولة العسكرية نفسها التى يفترض أن تكون قد أسقطتها الثورة، فى محاولة منه للاستحواذ على كل شىء بلا حياء ولا خجل، فبعد أن حصل على أغلبية البرلمان حاول جاهداً إسقاط الحكومة وتشكيل أخرى برئاسته واستمات فى الانفراد بكتابة الدستور، ثم ها هو الآن يسعى بكل الطرق للوصول إلى مقعد رئاسة الجمهورية، الذى سبق أن أعلن أنه لن يرشح له أحداً، كما سبق أن أعلن أنه لن يرشح أحداً من أتباعه إلا فى 35٪ من مقاعد البرلمان، لكن انتهى به الأمر إلى أن رشح أتباعه فى جميع الدوائر بلا استثناء. ومن استعراض أسماء المرشحين ال23 للرئاسة، نجد أن كلاً من هذين الاتجاهين كان أكثر ذكاءً من الاتجاه الثالث المطالب بالدولة المدنية التى رفعت الثورة لواءها عالياً فى ميدان التحرير، ذلك أن مرشحى كل منهما يعدون على أصابع اليد الواحدة، وعلى كل جانب تجد مرشحاً أو اثنين على الأكثر قويين، بينما الباقى لن يحققوا نجاحاً يذكر، وقد ينتهى بهم الأمر بالانسحاب لصالح المرشح القوى. أما أتباع الدولة المدنية فبسم الله ما شاء الله، إنهم الغالبية العظمى من المرشحين، حيث يزيد عددهم على 15 مرشحاً نزل كل منهم لينتقص من فرصة الآخر، ولنا أن ننظر، على سبيل المثال، ماذا فعل اليسار فى نفسه، فقد نزل كل من خالد على وأبوالعز الحريرى وهشام البسطويسى ليتنافسوا جميعاً على الأصوات التى جمعها المرشح الناصرى حمدين صباحى، فهل هذا معقول؟ وهل يعقل ألا يترك حزب التجمع الفرصة تمر دون أن يساهم فى ضرب اليسار بإضافة «البسطويسى»؟.. ألم تكن المهمة الوطنية والأخلاقية تفرض على ذلك الحزب الذى وصفه البعض بأنه خرج من التاريخ، أن يجمع اليسار الذى يمثله وراء مرشح واحد بدلاً من أن يفرق قواه بهذا الشكل الهزلى؟! وما يقال عن اليسار يقال أيضاً عن اليمين والوسط ومن يدعون أنهم ليبراليون يؤمنون بالدولة المدنية ثم يعلنون تأييدهم لمرشح إسلامى بلا خجل ولا حياء، بحجة أنه معتدل قليلاً عن الإخوان أو السلفيين، وهو نوع آخر من أنواع العته لا يقل هزلاً عما أتى به اليسار، فلست أعرف أين الاعتدال فى مرشح لم يترك الإخوان ولا اختلف معهم فكرياً وإنما هم الذين فصلوه لأنه رشح نفسه ضد رغبتهم، ولست أعرف أين الاعتدال فى مرشح يعلن رسمياً أن فوائد البنوك حرام وأنه سيقوم بإلغائها بمجرد توليه الحكم؟!، بينما الفوائد موجودة فى السعودية وفى إيران. إن الدولة المدنية التى نادت بها الثورة لن تتحقق ما لم يعد أتباعها من اليمين واليسار إلى رشدهم فيتناسوا تلك المنافسة الرخيصة التى لن تفيد أياً منهم، ويتحدوا جميعاً وراء من يملك النسبة الكبرى من الأصوات فى استطلاعات الرأى، وإلا فإن دولة مبارك العسكرية مستمرة، أو سيأتى بديلها الدينى الذى لا يقل عنها شراسة.. اللهم قد أبلغت، اللهم فاشهد. نقلا عن جريدة المصرى اليوم