فيلم تسجيلى مدته ثلاث ساعات عن الملائكة التى تسكن الأرض .. جعلونى سلفيًا الشاب السلفى يدفع عن السلفيين تهمة العمالة للأمن.. ويتهم «صراحة» الشيخين أسامة القوصى ومحمود عامر بأنهما كانا من عملاء أمن الدولة
ثلاث ساعات كاملة يستغرقها الأخ أبو عمار - شاب سلفى خفيف الظل إلى حد ما - فى الدفاع عن التيار الذى ينتمى إليه، من خلال الفيلم التسجيلى الذى رفعه على «اليوتيوب».. ووضع له عنوانا ظريفا ودالا وكاشفا لعدم وعيه وهو «جعلونى سلفيا».. فى مقاربة لفيلم فريد شوقى الشهير «جعلونى مجرما».. وكأن المجرم والسلفى نتاج ظروف قاهرة وخارجة عن إرادته، هى التى جعلته يختار طريقه.. الذى لولا إجباره عليه ما اختاره أبدا.
الفيلم - الذى أنتجه شاب سلفى اسمه أبوعمار- ولا توجد أى معلومات أخرى عنه - محاولة لصنع عمل تسجيلى يتم فيه تصوير وتصدير السلفيين على أنهم ملائكة الله الذين يعيشون على الأرض، فهم لم يرتكبوا أى خطأ على الإطلاق.. كل ما ينسب إليهم كذب وإفتراء من العلمانيين الكفرة الذين يريدون تشويههم.
فطبقا للفيلم وبشكل منحاز للغاية، فإن السلفيين لم يحرقوا بيت امرأة المنوفية التى كانت تمارس الدعارة، بل إن البلطجية هم من فعلوا ذلك، وقد حماها السلفيون وساعدوها حتى أنعم الله عليها بالتوبة.. وبالفعل ظهرت سيدة متنقبة - لا نعرف بالطبع من هى - فى الفيلم تقول إن السلفيين لم يحرقوا بيتها.. بل هم الذين أنقذوها.
السلفيون أيضا لم يقطعوا أذن أيمن مترى فى الأقصر، رغم أنه كان يمارس أعمالاً منافية للآداب.. كما أنهم لم يحرقوا كنيسة إمبابة.. ولم يهدموا الأضرحة.. ولم يهددوا السيدات غير المحجبات بتشويههن بماء النار.. ولم يعلنوا أنهم سيفرضون الجزية على الأقباط بالقوة.
يدافع الشاب السلفى الذى يربط بين فقرات الفيلم بحماس شديد عن تياره.. الذى حاول الإيحاء بأنه منتشر ومتوغل بين الشباب الذين جاء بعدد منهم فى أول الفيلم ليقولوا كلمة واحدة هى :أنا سلفى، بل إنه استعان بطفل صغير لا يتجاوز عمره الثلاث سنوات ليردد أركان الإسلام الخمسة،وبعد ذلك يسأله: أنت أيه يا محمد؟ فيرد الطفل ببراءة شديدة: أنا سلفى، فيعيد عليه السؤال: بتقول أيه، فيؤكد الطفل الصغير:أنا سلفي.
يستعين الشاب السلفى بمقاطع من أحاديث شيوخه للرد على كل الاتهامات التى وجهت إلى السلفيين، وقد ركز على اتهامهم بأنهم كانوا عملاء لأمن الدولة.. وبظرف لا يخفى استخفافا وخفة يقول الشاب السلفي:إنت لو سألت أى حد أمن الدولة ده كان تخصص أيه؟ هيقول لك :كانوا بياخدوا أمهات الدقون، وبعدين أمن الدولة مكنش إلا للدقون والسلفيين.
وحتى يبدو الشاب مقنعا يستشهد بكلام للشيخ محمد حسين يعقوب، الذى يقول بقى احنا عملاء أمن الدولة.. احنا اللى أخدوا مساجدنا وضموها للأوقاف.. واتمنعنا من الخطب والدروس 15 سنة.. احنا اللى اتقفلت قنواتنا واتمنعنا من الكلام.
لكن ولأن اتهام السلفية بالعمالة كان مزعجا للغاية، فإن الشاب السلفى حاول أن يزيح الاتهام عن تياره.. وبخبث شديد ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد.. فقد اتهم الصوفيين صراحة أنهم عملاء لمبارك، وجاء بمقطع فيديو للشيخ حسن الشناوى شيخ مشايخ الطرق الصوفية السابق يقول فيه:أعلن باسم 8 ملايين صوفى مصرى عاقل مدرك رغبة الصوفية فى رفع رجاء إلى فخامة الرئيس محمد حسنى مبارك رئيس الجمهورية بإعادة ترشيح نفسه لفترة رئاسة قادمة.
لكن الضربة الكبرى جاءت لسلفيين يخالفون التيار السلفى فى قناعاتهم وسلوكهم، فالشاب السلفى يتهم كل من الشيخ أسامة القوصى والشيخ محمود عامر رئيس جمعية أنصار السنة المحمدية فى البحيرة، بأنهما كانا عملاء للأمن.. وأنهما كانا مناصرين لمبارك ونظامه، وأن من يتهمون السلفيين بالعمالة لأمن الدولة يختلط عليهم الأمر.
لا يدافع الشاب السلفى عن شيوخه بالمنطق والمعلومات.. لكنه يكتفى باتهام خصومه فقط، فالدكتور على جمعة مثلا ولأنه انتقد تهديدات السلفيين بهدم ضريح الحسين، فإنه عندهم كاذب.. وكل من يختلف معهم فإنه يحارب التيار الإسلامي.. وهناك قائمة طويلة من الصحفيين والمفكرين والصحف وضعها منتج الفيلم فى نهاية عمله.. وكأنها قائمة سوداء فى تجريح صريح وتحريض واضح ضدهم.. فهؤلاء أعداء الله ورسوله والإسلام.
أكثر ما يلفت الانتباه فى فيلم «جعلونى سلفياً»، أن الشاب السلفى يقارن بين شعبية بعض العلمانيين وشعبية شيوخ السلفية الكبار، يعرض بعض اللقطات للمهندس ممدوح حمزة مثلا وهو يتحدث فى ندوة لا يحضرها إلا بعض الأفراد، وفى المقابل يعرض لقطات لاستقبال أو وداع الشيخ محمد حسان أثناء صلوات الجمعة أو فى الندوات والآلآف يلتفون من حوله.. وهو ما يتكرر أيضا مع الشيخ محمد حسين يعقوب الذى خاطب جمهوره فى سوهاج من أجل أن يمكنوه من الخروج من المسجد، فقد وقفوا بالآلآف فى انتظار طلته وإشارة من يديه.
وهنا منطق فاسد يتعامل به السلفيون فى مجموعهم فيما يطرحونه ويقدمونه من أفكار، فلا يمكن أن تقاس الشعبية بعدد الذين يذهبون للصلاة خلف محمد حسان، ولا من يحضرون الندوات المجانية التى يقيمها المشايخ، فهم يضعون شيوخهم - فى هذه الحالة- فى مقارنة لن تكون فى صالحهم مع نجوم الغناء والطلاب.. فإذا كان عشرات الآلاف يحضرون ندوات محمد حسين يعقوب ولقاءات محمد حسان،فإن عشرات الآلاف يحضرون حفلات عمرو دياب وتامر حسنى، وهى حفلات مدفوعة، يكون فيها تزاحم وتدافع حول المطربين ربما أكثر من الزحام الذى يحيط بمحمد حسان،فهل يقبل السلفيون أن يقول أحد إن عمرو دياب جماهيريته وشعبيته أكبر من جماهيرية وشعبية محمد حسان.. وأن جماهيرية تامر حسان أكبر من جماهيرية محمد حسين يعقوب.
قد تكون قضية السلفية قضية عادلة.. لكن من يدافعون عنها ويقدمونها للمجتمع محامون فاشلون تماما، ويجلبون على شيوخ التيار هجوما قد لا يستحقونه، فالشاب السلفى مثلا يستعين بتصريحات للراقصة دينا لإدانة محمود سعد الذى يرونه محاربا عنيدا للسلفيين.. وهو منطق غريب فالسلفى الذى لا يعجبه محمود سعد، جلس وبحث عن فيديوهات الراقصة دينا ليدين بها محمود سعد.. الآن أصبحت دينا بالنسبة لهم دليلا ووثيقة يستدلون بها على ما يرونه فسادا لدى محمود سعد.
يحاول الشاب السلفى أن يبدو - كما تياره - متسامحا.. لكن هذه المحاولة خابت وخارت تماما، عندما جاء إلى منطقة الأقباط، يقول عنهم: «النصارى صوتهم علا فى الفترة الأخيرة.. أصبح أعلى من صوت الدولة.. وآخر حاجة وصلنا لها أن المسيحيين ينكرون على المسلمين أنهم يقولوا عليهم كفار.. أمال انتم أيه.. هو أنتم مسلمون يا كفار».. ويوجه الشاب السلفى حديثه إلى القس فلوباتير - أحد النشطاء الأقباط- قائلا:إنت زعلان إنك كافر.. خلاص يا سيدى إنت كافر كفر أصلي.
إن هناك اتهاما واضحا للسلفيين بأنهم لم يكونوا موجودين فى الشارع.. ولم تكن لهم أى علاقة بالمصريين ولا بمشكلاتهم.. وبظرف شديد يعرض الشاب السلفى فى فيلمه لقطات للسلفيين وهم يرسلون المساعدات إلى ثوار ليبيا ويجاهدون فيها، وهم يقومون برد المسروقات من الممتلكات العامة والخاصة إلى الجيش، وهم يساهمون فى حل مشكلات الأنابيب، وهم يتعاملون برفق مع النصارى، وهم ينظفون حى بولاق الدكرور وهم يصلحون إشارات المرور.. ثم لقطات لهم فى الصومال وهم يوزعون الزيت والسكر والصابون.. وكأن كل هذا دليل على أنهم كانوا متواجدين فى الشارع.. وواجهوا النظام رغم أنهم استكانوا وضعفوا وقبعوا فى مساجدهم وتركوا من يقولون عليهم علمانيين وليبراليين يواجهون استبداد الداخلية وتعنتها.
لقد تقاعس السلفيون عن نصرة دينهم ووطنهم.. لن أقول إنهم كانوا عملاءً لأمن الدولة - فهذا حديث آخر - لكنهم داهنوا أمن الدولة وتحولوا إلى لعبة فى أيدى ضباطه.. فى الوقت الذى كان العلمانيون فيه يواجهون أمن الدولة فى الشوارع.
وبعيدا عن استظراف الشاب السلفى، الذى أكد أن أمن الدولة كان يكهرب السلفيين مجانًا دون أن يحصل منهم فواتير الاستهلاك.. فإننى أهدى له واقعة قد يعرفها - وإن لم يكن سمع بها فيمكن أن يسأل عنها شيوخه - ففى أحد اللقاءات الفضائية كان الناشط السياسى جورج إسحاق يتحدث مع قيادى سلفي.. وإذا به يطلب منه ألا يضع رجلا على رجل وهو يتحدث أمامه.. لم يرد جورج على القيادى السلفى على الهواء لفرط أدبه.
وفى الاستراحة قال جورج اسحاق للقيادى السلفي: فى الوقت الذى كنت أنت وأمثالك حذاء فى قدم أمن الدولة، كنت أنا أواجه جحافل أمن الدولة فى الشوارع.. وهو أمر مسجل وموثق.. فلم يستطع أن يرد عليه القيادى السلفى وابتلع الإهانة ومضي.
ليس من المهنى أن نحاكم فيلم «جعلونى سلفيًا» من الناحية الأخلاقية، فمن المفروض أن يكون التقييم فنيا بالأساس.. لكن مافعله الشاب السلفى يؤكد أن شيوخه لم يحسنوا تأديب تلاميذهم.. فعندما كان يستشهد ببعض ما قالته الإعلامية رولا خرسا قال عنها :الآنسة أو المدام رولا خرسا.. وإن كانت هذه الأشياء لا تفرق اليومين دول.. وهو كلام يمكن أن يحاسب عليه إذا ما ذهبت رولا خرسا إلى الجهات القضائية تطالب بحقها ممن أساء إليها.
ثم إن ما فعله منتج الفيلم مع الإعلاميات كان مسفا وغير محترم على الإطلاق.. فقد تم حجب وجوههن وتشويه صورتهن، لأنه -من وجهة نظر صناع الفيلم- لايجب أن يظهر وجه المرأة لأنه عورة، وقد برر الخطاب السلفى ذلك بأنهم يمكن أن يذهبوا إلى مذيعات غير محجبات لكن عندما يعرض أعمالهن، فلابد أن يخفى وجوههن، وهى حيلة رخيصة.. فالغاية عندهم تبرر الوسيلة.. وهو سلوك ميكافيلى ممجوج.. لكنهم لا يترددون فى الإقدام عليه لأنه يحقق لهم فى النهاية مصالحهم.
إننا أمام حالة من التنطع الفكري.. شاب يتحدث وكأنه يمتلك الحق المطلق.. يشوه الآخرين بلا دليل.. يعتبر نفسه حامى حمى الإسلام.. الجميع يحاربه وهو يذود عنه.. الجميع يهدمه وهو يبنيه.
كان من الأفضل أن يقدم لنا هذا الشاب السلفى نفسه.. حتى نعرف من يتحدث.. وما قيمة من يحاكم من عملوا فى ظروف صعبة من أجل أن يخرجوا بهذا البلد من ورطته.. بينما هذا الشاب كان يجلس تحت قدمى شيخه ويقبل يديه لمجرد أنه يسمع منه كلاما يكفر به المسلمين ويتهمهم بما ليس فيهم.
لقد أراد أبو عمار السلفى أن يدافع عن تياره.. أن يجعل من شيوخه ملائكة.. لكنه ودون أن يدرى وضعهم فى ورطة.. فأسلوبه وكلامه ومنطقه يضع أيدينا على أن شيوخ السلفية لم يحسنوا تربية شبابهم.. لم يحسنوا تكوينهم.. لم يقولوا له تواضعوا.. فهم مغرورون.. غرور الجهلاء.. وهو ما يسقطهم فى عيون من يستمعون لهم.. وهو أمر لن يكون بعيدا على أى حال