«الهنيدي» يستعرض تقرير مشروع قانون تقسيم الدوائر الانتخابية    انطلاق احتفالية الأزهر لتكريم طلابه الأوائل في «تحدي القراءة العربي»    استقرار أسعار العملات العربية في بداية تعاملات الأحد 25 مايو    مدبولى: شبابنا يمثل أحد أهم مواردنا في التزامهم بالتحول الرقمي    أسعار مواد البناء اليوم الأحد 25 مايو 2025    تفاصيل افتتاح كامل الوزير مشروعات كبرى بسوهاج    مميزات القطارات الجديدة المقرر تشغيلها بالخط الأول للمترو    وزير الري: 10 أيام مهلة لتطهير الترع والمصارف بالبحيرة    صفارات الإنذار تدوي في القدس وجنوب إسرائيل ومستوطنات الضفة الغربية    مسؤول أوكراني: مقتل ثلاثة أشخاص بضربات روسية في منطقة كييف    «جوتيريش» يدعو إلى بناء مستقبل مستدام لشعوب إفريقيا    مبعوث ترامب: الحكومة السورية توافق على التعاون لكشف مصير المفقودين الأمريكيين    وزير الخارجية والهجرة يتوجه إلى مدريد للمشاركة في الاجتماع الوزاري الموسع لمجموعة مدريد بشأن القضية الفلسطينية    برشلونة ضيفًا على بلباو في ختام الدوري الإسباني    سحر ميسي ينقذ إنتر ميامي من مواصلة السقوط    تشكيل تشيلسي المتوقع أمام نوتينجهام فورست بالبريميرليج    بعثة بيراميدز تعود من جنوب إفريقيا بعد التعادل مع صن داونز    إياب نهائي الكونفدرالية| نهضة بركان يقترب من المجد وسيمبا يسعى للريمونتادا    «التعليم»: تصحيح كراسات إجابات امتحانات صفوف النقل يتم بشكل مستمر    «خدعوا المواطنين وسرقوا بياناتهم».. ضبط تشكيل عصابي انتحل صفة موظفي بنوك بالمنيا    إنفوجراف| «الأرصاد» تعلن حالة الطقس غدًا الإثنين 26 مايو 2025    2 يونيو.. أولى جلسات محاكمة المتهمين بالاتجار بالأسلحة بالمرج    بسبب بقرة .. مقتل سيدة على يد جيرانها بكفر الشيخ    مصرع ربة منزل بتسمم بعد تناولها "صبغة شعر" بطريق الخطأ فى البلينا سوهاج    قرار جمهوري بالعفو عن عدد من المحبوسين بمناسبة عيد الأضحى    تامر حسني يحتفل بالعرض الخاص لفيلم «ريستارت».. اليوم    بسبب «المشروع x».. كريم عبدالعزيز على قمة شباك تذاكر السينما    «يوم بحس فيه أني محظوظة».. رسالة وفاء عامر لجمهورها بعيد ميلادها    الكشف عن مبني أثري بمنطقة منقباد بأسيوط    توترات وضغوط ل 9 أبراج في شهر يونيو 2025 (احذر حياتك هتتقلب)    فضل العشر الأوائل من ذي الحجة 2025.. متى تبدأ وما الأعمال المستحبة خلال هذه الأيام المباركة؟    وكيل صحة سيناء يفاجئ مستشفى العريش العام بزيارة منتصف ليل اليوم الأحد    هيئة الرعاية الصحية تطلق حملة "اطمن على ابنك" للفحص الطبي لطلاب المدارس    «الرقابة الصحة»: اعتماد 495 منشأة وفقا لمعايير الجودة وسلامة المرضى    وزير الصحة يبحث الالتحاق بمسارات التعليم التخصصي والدراسات العليا للأطباء    مدبولي: مصر لها تاريخ طويل من الشراكات المثمرة مع أمريكا    بيسيرو: حاولت إقناع زيزو بالتجديد.. والأهلي سمعه أفضل من الزمالك    شركة السويس للأكياس توقع اتفاقية مع نقابة العاملين في صناعات البناء والأخشاب    "أُحد".. الجبل الذي أحبه النبي الكريم في المدينة المنورة    بعد قليل.. بدء أولى جلسات محاكمة "سفاح المعمورة" أمام جنايات الإسكندرية    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم عدة قرى وبلدات في محافظة رام الله والبيرة    محافظ أسيوط: طرح لحوم طازجة ومجمدة بأسعار مخفضة استعدادًا لعيد الأضحى المبارك    بكاء كيت بلانشيت وجعفر بناهي لحظة فوزه بالسعفة الذهبية في مهرجان كان (فيديو)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 25-5-2025 في محافظة قنا    جامعة القاهرة تنظم ملتقى التوظيف 2025    نموذج امتحان الأحياء الثانوية الأزهرية 2025 بنظام البوكليت (كل ما تريد معرفته عن الامتحانات)    ما هو ثواب ذبح الأضحية والطريقة المثلى لتوزيعها.. دار الإفتاء توضح    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم.. مرتضى منصور يعلن توليه قضية الطفل أدهم.. عمرو أديب يستعرض مكالمة مزعجة على الهواء    قانون العمل الجديد من أجل الاستدامة| مؤتمر عمالي يرسم ملامح المستقبل بمصر.. اليوم    إلغوا مكالمات التسويق العقاري.. عمرو أديب لمسؤولي تنظيم الاتصالات:«انتو مش علشان تخدوا قرشين تنكدوا علينا» (فيديو)    هل يجوز شراء الأضحية بالتقسيط.. دار الإفتاء توضح    هل يتنازل "مستقبل وطن" عن الأغلبية لصالح "الجبهة الوطنية" في البرلمان المقبل؟.. الخولي يجيب    نسرين طافش بإطلالة صيفية وجوري بكر جريئة.. لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    الليلة.. محمد صلاح يتحدث حصريا ل"أون سبورت" بعد إنجازه التاريخى فى الدورى الإنجليزى    نائب رئيس الوزراء الأسبق: العدالة لا تعني استخدام «مسطرة واحدة» مع كل حالات الإيجار القديم    الأردن وجرينادا يوقعان بيانا مشتركا لإقامة علاقات دبلوماسية بين الجانبين    ميدو: الزمالك يمر بمرحلة تاريخية.. وسنعيد هيكلة قطاع كرة القدم    للحفاظ على كفاءته ومظهره العام.. خطوات بسيطة لتنظيف البوتجاز بأقل تكلفة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الباز يكتب : الله فى بيت نجيب محفوظ
نشر في الفجر يوم 14 - 12 - 2011

الشحات الذى نبش قبره افتقد الأدب وهو يتحدث عن راهب الأدب

كان عبد المنعم الشحات فظا غليظ القلب وهو يتحدث عن الأستاذ نجيب محفوظ فى برنامج «آخر النهار» مع محمود سعد، قال الشحات بفجاجة لا يمكن لأحد أن يحسده عليها، إن أدب نجيب يحض على الرذيلة ويدور حول الدعارة وأوكار المخدرات وبه نزعة إلحادية.

لم يكن ما قاله الشحات جديدا على مسامع من يتابعونه جيدا - وأنا منهم - فقد طعن فى نجيب محفوظ أكثر من مرة، قال فى إحدى خطبه: وصل الانهيار أن الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح يزور نجيب محفوظ قبل أن يهلك، ويطالبه بإعادة طباعة «أولاد حارتنا».. وكلمة «قبل أن يهلك» هذه مقصودة تماما، فلا يقولها أمثال الشحات إلا على من يرونه كافرا خارجا عن الملة.

الشحات نفسه قال على قناة الجزيرة مباشر مصر أنه يرى نجيب محفوظ أحد المسئولين عن الانحراف فى المجتمع المصري، وأن رواياته تتحدث عن الغرز والحشيش، ومن يقرأه يجد أنه يصور مصر كماخور كبير، ويتساءل الشحات: هل معقول أن الحركة الوطنية فى مصر عبارة عن عوامات وراقصات فقط كما يصور نجيب محفوظ؟

قل ما شئت عن الرجل.. اطلق عليه ما ترغب من توصيفات.. لكن إن أردت النصيحة.. فلا تلتفت لمن هو مثله.. فهو الجاهل الذى يتحدث فى محراب العلماء.. وفاقد الأدب يتبجح فى مواطن الأدباء.. فمن الذى يجعل رجلا مثله يخاصم الحياة ولا يرى شيئا من جمالها يتحدث عن أدب نجيب محفوظ.. لو قرأ الشحات شيئا مما كتبه نجيب لصفت نفسه وحلقت روحه، لكن أنى لمثله أن يفعل ذلك.. وأنى له أن يحدث له ذلك؟

لقد قالوا إن ما تحدث به الشحات عن محفوظ تخلف وردة إلى الخلف.. لكننى أراه جهالة غارقة فى الظلامية.. فإسهام نجيب محفوظ فى الحياة أروع وأهم من أن يستوعبه أمثال الشحات.. فهو رجل تطارده رغباته وملذاته وشهواته ولا يرى فيما أبدعه الكاتب العالمى الكبير إلا حشيشًا وغرزًا ودعارة ومخدرات ورذيلة.

لو فعلها الشحات وقرأ نجيب محفوظ لعرف أى قامة وصل إليها الرجل.. وأى فتوحات إلهية نالها.. فالله كان فى بيت نجيب محفوظ لم يغادره أبدا.. منحه من روحه قدرة على الإبداع والخلق والتكوين.. رعاه فى سنوات عمره كلها.. ربت بيده الحانية على ظهره.. ووقف فى وجه من أرادوا أن يذبحوه وهو بين بناته وزوجته.

كان نجيب محفوظ رجلا محبا للحياة.. أمثال الشحات لا يعرفون شيئا عمن يحبون الحياة.. منحها روحه فمنحته أسرارها.. ولأنه كان يعرف أن هناك من سينبش قبره بعد موته، فقد ترك وراءه ما يدافع عنه ويرد سخافات من سيتجرأون عليه.

بعد أن يموت عبد المنعم الشحات - وهو حتما سيموت فلا أحد مخلد - لن يذكره أحد بالخير، لأنه لن يترك خيرا خلفه، سيترك فقط كثيرا من الشتائم واللعنات التى وزعها على خلق الله بلا سبب.

ما فعله عبد المنعم الشحات بنجيب محفوظ لا أخلاق فيه ولا أدب.. إنه تحرش صريح وواضح بالموتي.. لكن ولأن نجيب محفوظ ليس ميتا، كان طبيعيا أن تفتح النار على الشيخ السلفى الذى كان أسوأ دعاية للسلفيين بعد الثورة.. فلا الشكل مناسب ولا المضمون مناسب.. وتخيل أن رجلا يفزع منه من يراه حتى قبل أن يتحدث.. هل يمكن أن يكون صورة لشيء جيد أو محترم؟.

لقد سخر مصريون بسطاء عندما انتشرت أخبار عن سقوط عبد المنعم الشحات فى جولة الإعادة بدائرة المنتزه بالإسكندرية.. وقالوا إن روح نجيب محفوظ طاردته.. لعنت خطواته.. جندت كل أولياء التكية ليقفوا فى طريقه.. فمن يأتى على الأستاذ نجيب لا يرى خيرا لا فى الدنيا ولا فى الآخرة.

لم يدرك من سخروا من الشحات أن الموقف من نجيب محفوظ كاشف حتى بالنسبة للبسطاء.. الذين لن يرضوا لرجل منح حياته من أجل إسعادهم أن يتجرأ عليه شخص مغمور مثل عبد المنعم الشحات.. ويسبه ويلعنه دون أن تكون لديه أى وسيلة للرد أو الدفاع عن نفسه.

قد يرى عبد المنعم الشحات نفسه - وهو هنا ليس مجرد شخص بل منهج وطريقة تفكير - أنه رجل متدين يرضى الله لأنه يطبق شرعه ويسعى إلى فرض هذا الشرع على الناس، لكن من خدع الشحات وقال له إن ما يقوله ويردده هو شرع الله.

إن شرع الله تسامح والشحات لا يعرف شيئا عن التسامح.. شرع الله رحمة والشحات لا يعرف معنى للرحمة.. شرع الله حسن معاملة وأدب.. والشحات لا يقترب من هذه المعانى على الإطلاق.. شرع الله عقل.. وما قاله الشحات عن نجيب محفوظ وأدبه ورواياته يفتقد إلى أى عقل أو منطق أو حتى إحساس.

لو أراد عبد المنعم الشحات أن يتعلم التدين الصحيح فليس عليه إلا أن يقرأ أدب نجيب محفوظ.. ليس عليه إلا أن يتأمل ولا قليلا رواياته الغارقة فى البحث عن قيم العدل والحرية «أولاد حارتنا - الحرافيش - رحلة ابن فطومة - الطريق».

لو أراد أن يعرف كيف يبحث إنسان فى حقيقة الكون.. وحقيقة الإيمان.. وعمق العقيدة لسار مع شخصيات نجيب محفوظ فى مصائرهم التى تحكمها الأقدار وحدها.

لكن ولأن كل إنسان يبحث عما ينقصه ويفتقده ويريده.. فلم ير الشحات فى أدب نجيب محفوظ إلا الرذيلة والدعارة والعهر والغرز والحشيش والدخان الأزرق.. لم يتوقف عند أى معانٍ سامية فى أدب الرجل الكبير.. لم تستوقفه جميلة تضعه وجها لوجه أمام عظمة الله.. لم يبك مع من بكوا وهم يبحثون عن يقينهم المفقود.. ولم يضحك مع من يضحكون لأنهم عرفوا سر الوصول.. وقف الشحات على شاطئ نجيب محفوظ فلم ير إلا ما يريده.. لم يجرب السباحة فى بحر الصوفى الكبير ليتعلم كيف يعبد الله.. وكيف يتقرب إلى الله.. وكيف يكون عبدا ربانيا يأخذ من سمات الله.. فيهب الحياة للموتى دون أن يدعى أنه إله.

لو اطلع نجيب محفوظ على ما قاله عنه عبد المنعم الشحات لحزن من قلبه عليه.. لقال له من نافذته السماوية: كم أنت مسكين أيها الشقي.. لقد أرهقت نفسك بالعناد مع الدنيا كلها.. فليس لك إلا أن تسلم رحالك على باب الله.. وتدخل إليه داعيا أن يرحمك من شقائك وعذابك.. إننى أشفق عليك وأعفو عن حماقاتك.. فمثلك غرته حياته فظن أنه من رجال الله.. وهم أبعد ما يكونون عن طريق الله.

لقد كشف الله حجبه لنجيب محفوظ.. أما عبد المنعم الشحات فلا يزال يسبح فى ضلالاته.. وهى الضلالات التى تحجب رحمة الله عنه.. فلم أر رجلا مكروها مثلما رأيته.. ولم أر رجلا مبغوضا مثلما رأيته.. ولم أر رجلا فرح الناس فيه لمجرد أن هناك أخبارًا عن سقوطه فى الانتخابات مثلما فرحوا فيه.

لن يراجع الشحات نفسه.. لن يقف أمام مرآة ضميره.. سيظل فى غيه.. وستظل شقوته تطارده حتى يلقى ربه بلا رصيد.. يعتقد أنه سيقف بين يدى الله راضيا مرضيا.. دون أن يعرف أن الله لا يفتح أبوابه أبدا أمام من يروعون عباده.. من يحتكرون رحمته ويعتقدون أنهم سيحصلون عليها وحدهم.

يوم القيامة سيقف نجيب محفوظ بين يدى الله وهو يحمل ما كتبه.. يقول له: هذا كتابى يارب.. أما عبد المنعم الشحات فلن يجد ما يقوله.. لأنه لم يفعل شيئا من أجل الناس.. ضيق عليهم.. أهانهم.. وهددهم بالله وأرهبهم بكلماته.. والله لا يرضى لعباده ذلك.

إننى أيضا أشفق على عبد المنعم الشحات.. فكم أنت مسكين أيها الشقي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.