طالما كان الاقتصاد المصري من أهم القضايا التي أهتم بها المحللون الغربيون لأن مصر تعتبر من أكبر الدول في المنطق العربية وأكثرها انفتاحاً اقتصادياً مع الدول الغربية وزاد اهتمام الدول الغربية بالاقتصاد المصري بعد اندلاع ثورة 25 يناير وسقوط نظام مبارك وفي هذا الصدد كتب المحلل الاقتصادي بن هينمان في صحيفة "The Atlantic" قائلاً
أن الاقتصاد كان أمراً مهماً للغاية بالنسبة للرئيس المصري السابق حسني مبارك ولكن نظامه فشل تماماً في التعامل مع الفقر الذي وصل إلى نسبة 20% من عدد السكان والبطالة التي وصلت نسبتها إلى أكثر من 10% من عدد السكان وعدم القدرة على استغلال طاقات الشباب حيث أن 90% من العاطلين في مصر تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً وكذلك فشل في التعامل مع مشكلة التضخم الذي وصل إلى 12% وفي النهاية فشل في حل مشكلة تفشي الفساد في الجهاز الإداري للدولة.
ومنذ تنحي مبارك في فبراير الماضي وسقوط نظامه شهد الاقتصاد المصري هبوطاً وتدهوراً شديداً مع فشل القادة العسكريين في التعامل مع القضايا الاقتصادية الناشئة بعد الثورة.
ويوضح الكاتب أن نمو إجمالي الناتج المحلى في مصر عادة ما كان يصل إلى 5% خلال العقد الأخير ولكنه من المتوقع أن يتدني إلى 1% في نهاية عام 2011، وكذلك هناك أزمة النقد الأجنبي التي تلوح في الأفق بعد أن أنخفض الاحتياطي الأجنبي من 36 مليار دولار في بداية العام إلى 22 مليار دولار في أكتوبر الماضي مع إسقاط 15 مليار دولار في يناير المقبل.
ومن جانب أخر، انخفض دخل السياحة بنسبة 35% هذا العام، أما بالنسبة لرجال الأعمال المصريين فقد خرجوا من البلاد بأموالهم ونفس الحال بالنسبة للمستثمرين الأجانب الذين تجنبوا الدخول إلى السوق المصري بأي حال من الأحوال، في حين انخفض مؤشر البورصة المصرية أكثر من 40%.
والآن نسبة الفقر والتضخم والبطالة أكثر بكثير من مثيلاتها وقت أن كان مبارك في السلطة حيث أن 44% من الشعب المصري تم وضعهم تحت خط الفقر وفقاً للإحصائيات.
وذكر الكاتب ما قاله جوزيف توربيه رئيس الاتحاد العالمي للمصارف العربية خلال المؤتمر الذي عقد مؤخراً للمؤسسات المالية الرائدة في العالم العربي حيث لخص الوضع في مصر بالتحذير قائلاً "أن الربيع العربي سيتحول إلى شتاء قاسي اقتصادياً".
ويقول هينمان أنه سيكون على المؤرخون النظر بعين الاعتبار إلى العلاقة ما بين القضايا السياسية والاقتصادية في الانتفاضة المصرية لأنه بينما ينظر الجميع إلى الثورة على أساس أنها أسقطت نظاماً كان يقوده حاكماً ديكتاتورياً يشمل هيئة تشريعية ضعيفة وقبضة أمنية قوية قيدت حقوق الأفراد ومارست أشكالاً من الاعتقال والتعذيب بحق الكثير من معارضي النظام وكذلك قضت الثورة على سيطرة الحزب الواحد على السلطة من خلال تزوير الانتخابات، ولكن الاهتمام الشديد بوضع دستور جديد وشرعية سياسية جديدة لابد أن يكون مرتبطاً بشكل كبير بشرعية اقتصادية جديدة أيضاً.
ويوضح الكاتب أن الحقائق القاسية التي شهدتها الفترة التي تلت الثورة بينت التنوع السياسي في مصر والصراع بين الجماعات المختلفة والنقص الحالي في الآراء بشأن الأسئلة الحرجة حول توزيع السلطات بين المؤسسات الحكومية والتوازن بين الأغلبية والأقلية وحقوق الإنسان وتأثير تطبيق الشريعة الإسلامية ودور الجيش في الحكومة، والآن في هذه الفترة الانتقالية وبعد الصعود القوي للإخوان المسلمين والسلفيين في الانتخابات البرلمانية يبدو أنه من غير المعروف كيف ستحل القوي المتصارعة في المجتمع القضايا الدستورية والسياسية المثارة مثل: العلمانية مقابل الدين والعسكرية مقابل المدنية، والمسحيين مقابل المسلمين، أو الإخوان المسلمين مقابل السلفيين والفقراء والعاطلين مقابل النخبة والكبار مقابل الشباب حيث أن 45 مليون من أصل 85 مليون مواطن مصري يقل عمرهم عن 35 عاماً.
وبالتالي فإن كل هذه القضايا تؤدي إلى قلق متصاعد بشأن الاقتصاد المصري في المستقبل، والأهم الآن هو الوصول إلى حل السؤال بشأن ما هو الخليط السياسي المناسب لتحقيق التوازن بين العدالة والكفاءة؟ وكيف يمكن إيجاد حلول للفقر وتطوير التعليم والرعاية الصحية وخلق فرص عمل جديدة والحصول على غذاء وطاقة مناسبين، وهل يمكن هذا من خلال تقليل الدعم الحكومي الحالي؟ وكيف ستتمكن مصر من قطع الشريط الأحمر وبدء تشجيع عودة الاستثمار وخلق مؤشر قوي للنمو الاقتصادي؟.
ويذكر الكاتب أن هناك عدد من العقبات الكبيرة التي تواجه المهام المطروحة على الساحة لاقتصادية في مصر وأهمها ردود الفعل المناهضة لأفكار السوق الحر مثل خصخصة المؤسسات المملوكة للدولة والوقوف ضد القطاع الخاص، حيث يُنظر إلى موجات الإصلاحات الليبرالية للاقتصاد على أنها تقف في صف الأغنياء على حساب الفقراء وتعمل على دفع المال إلى القلة الفاسدة في مقابل زيادة البطالة ودفع الكفاءات جانباً.
أما العقبة الثانية التي يراها الكاتب تقف في وجه النمو الاقتصادي المصري فهي ضرورة معالجة العناصر المتهالكة لسيطرة الدولة على الاقتصاد الأمر الذي سيوفر الدعم الحكومي والوظائف الحكومية الغير ضرورية في الكثير من الأحيان، وكذلك الثروة الخفية للجيش والعمل على رفه ميزانية الحكومية.
وأيضاً هناك ذلك الفساد المستشري في إطار السوق الحر والعناصر المؤيدة لسيطرة الدولة على الاقتصاد وهو الأمر الذي يشوه وينزع الشرعية عن النشاط التجاري اليومي في مصر ويضع صعوبات غير عادية أمام إنشاء قاعدة دائمة وثابتة لتطبيق القانون.
ويتحدث الكاتب أيضاُ عن الاقتصاد الإسلامي الذي اختارت الإخوان المسلمين أن تطبقه حال وصولها للسلطة حيث يري أن هذا النظام لن يفضل الكفاءة على حساب العناصر الأخرى في حين أن مصر تحتاج إلى نمو اقتصادي يمكنه خلق 700 ألف فرصة عمل لإبقاء معدلات البطالة في مستوي معقول فتركيا على سبيل المثال تمكنت من التحقيق ذلك بعد أن كانت دولة علمانية قوية طوال القرن الماضي قبل أن تتولي حكومة إسلامية السلطة هناك.
ويستمر الاقتصاد المصري في الغوص مع تساؤلات حول استعداد الولاياتالمتحدة وأوربا وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتقديم قروض مادية للمساعدة على استقرار الاقتصاد المصري من خلال معايير مثل اتفاقيات التجارة الحرة وضمانات استثمارية وتخفيف عبء الديون والقروض الميسرة أو منح مالية مباشرة.
وفي النهاية يقول هينمان أن المسائل السياسية والدستورية يمكن أن تستمر لشهور أو سنين حتي يتم حلها بينما الأوضاع الاقتصادية المتدهورة تنتقل من سيء إلى أسوأ، وهذا بدوره سيؤدي إلى تفاقم الصراعات الاجتماعية والسياسية الخطيرة التي تكمن خلف الإصلاح الدستوري واتجاهات السياسة العامة الجديدة.
وكثيراً ما قيل أن مستقبل العالم العربي الجديد سيتم تشكيله ربما على نحو ملموس من خلال ما يحدث في مصر، ومن خلال الاعتراف بالتنوع في مصر ينبغي علينا جميعاً المشاهدة بقدر كبير انتباهنا واهتمامنا ليس فقط الصراع من أجل نظام أكثر تمثيلاً وانفتاحاً وشرعية للحكومة وهو الأمر الذي تلقي الجزء الأكبر من اهتمام وسائل الإعلام هناك ولكن هناك أيضاً الصراع من أجل تحقيق اقتصاد أكثر عدلاً وكفاءةً ويمكن أن ينحسر هذا الهدف في المستقبل البعيد إذا ازدادت الأوضاع الاقتصادية الحالية سوءاً وإذا لم تتمكن القوي السياسية الحالية من الاتفاق على مسار للعمل.