حقول مهجورة وطرقات مقفرة ومنازل بالية وحدائق تغطيها الأعشاب تستقبل الزوار القلائل الذين يمرون في شمال غرب بلغاريا أي المنطقة الأكثر فقرا في الاتحاد الأوروبي. وقد باتت الكنائس والمدارس القديمة والمزارع الجماعية الضخمة في عهد الشيوعية مهجورة وخالية.
ويقول نيكولا غيورغييف البالغ من العمر 77 عاما وهو من سكان إقليم ياكيموفو الواقع في قلب المنطقة الشمالية الغربية على بعد مئة كيلومتر من العاصمة صوفيا "كانت البلدة تضم تسعة آلاف نسمة لكنهم رحلوا جميعا... آمل أن يعود أطفالنا في يوم من الأيام فقد هاجرت حفيدتي إلى إيطاليا ويشتد بي الغم عندما أرى وضع القرية ووضع بلغاريا".
وسجلت البطالة في أيلول/سبتمبر نسبة قياسية طالت حوالى 55% من القوى العاملة في إقليم ياكيموفو الذي لم يعد يضم إلا 4300 نسمة.
وليس الوضع أفضل في مدينتي مونتانا وفراستا المجاورتين ولا حتى في فيدين على ضفة الدانوب حيث تشكل مداخن المصانع المتداعية الدليل الوحيد على أن المنطقة كانت صناعية في عهد الشيوعية.
ولم تعد هذه المصانع هي التي تلوث الهواء اليوم بل سحابات الدخان الكثيفة التي تصدر من مدافئ المنازل حيث اختارت الأسر وسيلة التدفئة الأقل كلفة.
وتراوحت البطالة في هذه المدن الثلاث ما بين 17,6% و20% خلال الربع الأول من العام 2011 أي ضعف المعدل الوطني (10,3%).
ويقول نيكولاي نانكوف نائب وزير التنمية الإقليمية إن "المنطقة تحتل المرتبة الأخيرة من حيث غالبية المؤشرات الاجتماعية الاقتصادية أكان في بلغاريا أو في الاتحاد الأوروبي برمته".
ويعزى تدهور المنطقة جزئيا إلى التصنيع الكثيف في السبعينيات والثمانينيات. فكانت مصانعها تعمل حصريا من أجل السوق المشتركة بين البلدان الشيوعية التي اندثرت مع اندثار النظام.
وتعتبر الزراعة مصدر الرزق بشكل أساسي في هذه المنطقة الواقعة في سهل الدانوب لكنها زراعة انتشارية منخفضة الكلفة.
ولم تساهم المنطقة الشمالية الغربية إلا بقرابة 7,42% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2009 مقابل 48,29% للمنطقة الجنوبية الغربية الأغنى في البلاد ولم تستقطب إلا 2,4% من الاستثمارات الأجنبية.
وقد انخفض عدد السكان بنسبة 18,3% ما بين العامين 2001 و 2011 بشكل وصفه نيكولاي نانكوف "بالمرعب".
وتقول إحدى البائعات في متجر محلي تفضل عدم الكشف عن اسمها "لم يعد يقطن هنا سوى متقاعدين وعاطلين عن العمل يشترون الطعام بالدين".
ويعتبر الوضع أسوأ في أقصى الغرب على طول الحدود البلغارية الصربية.
وتشرح ناديجدا بيشيفا (70 عاما) من بلدة تشيتشيل "ما من متجر هنا. يأتي اولادنا من وقت إلى آخر ليطمئنوا علينا ويحضروا لنا الطعام ويمر الباص من هنا كل ثلاثاء وخميس وعند الحاجة نطلب من السائق أن يتصل بالطبيب".
وعندما يصيبنا المرض، "ننتقل إلى رحمة الله"، تضيف هذه العجوز وهي تشير بيدها إلى المقبرة.
ويتجلى التباين بين المحافظات المتقدمة نسبيا والبلدات الواقعة في الفقر المدقع بشكل خاص في شمال غرب بلغاريا، على حد قول نيكولاي نانكوف.
وينبغي أن يستثمر الاتحاد الأوروبي والحكومات المزيد من الاموال في البنى التحتية لبناء جسر مثلا على الدانوب يؤدي إلى رومانيا كان من المفترض بناؤه منذ 15 عاما.
ومن شأن تربية المواشي المكثفة والسياحة البيئية والريفية ومشاريع أخرى مع صربيا ورومانيا أن تنتشل المنطقة من دوامة البؤس.