يحلو للجماعة السلفية أن تخدع المصريين بأن أبناءها جميعاً على قلب رجل واحد.. تحملوا وعانوا من الاضطهاد وصبروا حتى أتاهم نصر الله، فخرجوا من أجل نصرة الإسلام، لكن ما تخفيه الجماعة أنها تتمزق من داخلها.. وأن هناك من يعترض على مسلك شيوخها الكبار.. فالصف السلفى ليس صفا واحدا.. لكنه أربعة صفوف مختلفة ومتنافرة ومتناحرة أيضا.
تصنيف السلفيين إلى أربعة صفوف ليس تصنيفي، لكنه تصنيف وضعه محمود بكير، الذى أصدر الأسبوع الماضى كتابا موجزا ومهماً للغاية، هو «ماذا لو حكم الإسلاميون» عن دار روافد التى يديرها الشاعر إسلام عبد المعطي.
دراسة بكير تنطلق من أن هناك مقولة شهيرة تقول:» حيث تكون مصالح الناس فثم وجه الله».. ومقولة أخرى تقول :» الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها»، كما أن هناك حديثاً للرسول صلى الله عليه وسلم يخص تأبير النخل: «أنتم أعلم بشئون دنياكم»، وفى رواية أخرى قال الرسول: «إن كان من أمر دنياكم فشأنكم، وإن كان من أمور دينكم فإلي».. لكن هناك العديد من التيارات الإسلامية التى تعطى لنفسها الحق فى التأويل والتفسير وخلط الدين بالسياسة وبذلك فهى تحتكر الحديث عن شرع الله لنفسها.
حاول بكير أن يرسم خريطة للتيارات الإسلامية فى مصر - وأعتقد أنها الخريطة الأصح حتى الآن، وقد استعنا بما كتبه الإنفو جراف الذى تراه الآن - وما لفت انتباهى أنه توقف قليلا أمام التيار السلفى الذى يتكون من العديد من الاتجاهات الدينية التى لم يكن لها أى علاقة بالسياسة من قريب أو بعيد، وكان لهم موقف سلبى أثناء الثورة، كما كانت مباحث أمن الدولة قبل الثورة تستخدمهم فى تنفيذ أغراضها.
بعد ثورة يناير أسست الدعوة السلفية جمعية الدعاة التى أصبح لها 85 فرعا على مستوى الجمهورية، وتسعى لضم العديد من الجمعيات الأهلية، كما تخطط لدمج كل من جماعة أنصار السنة المحمدية التى تأسست فى العام 1929 ولها أكثر من 200 فرع على مستوى الجمهورية وجمعية دعوة الحق لها ما يزيد على 100 مقر على مستوى الجمهورية إلى جمعية الدعاة.
يجزم السلفيون - رغم أنهم لا يمتلكون إحصائية دقيقة عن أعدادهم - أنهم يصلون إلى عشرة ملايين سلفى على مستوى الجمهورية، وقد يكون هذا تحديدا سر تهافت مرشحى الرئاسة عليهم، فهم يلجأون إليهم لخطب ودهم وكسب تأييدهم وأصواتهم.
ولو فرضنا أنهم عشرة ملايين بالفعل.. فإنهم - كما يرى محمود بكير - ينقسمون إلى أربعة أقسام.. كل قسم له قلبه وعقله وصلاته إلى الله، التى يرى بالطبع أنها الصلاة الأصح والأطهر والأكثر قبولا.
القسم الأول يؤيد عمل السلفيين بالسياسة، بل يسعى بكل قوة إلى الانصهار فى العمل السياسي، ويغلب المصالح على المفاسد.. وتأتى على قمته الدعوة السلفية بالإسكندرية التى يتحدث باسمها المهندس عبد المنعم الشحات، ويقف الدكتور ياسر برهامى ظهيرا شرعياً لها.
برهامى حاول من خلال رحلات مكوكية بين المحافظات التقى خلالها جمهوره من السلفيين، أن يبرر نزولهم إلى العمل السياسى الذى كان يحرمه قبل ذلك، وقد جاءت كثير من تبريراته منافية للمنطق ومخالفة لما سبق وقاله، لذلك فالتعامل معه الآن يتم على أنه رجل سياسة، وليس رجل دين.. ورجل السياسة من الطبيعى أن يكذب.. أما رجل الدين فلا ينبغى له ذلك.
القسم الثانى هو الذى يمسك العصا من المنتصف.. فهو لا يرفض أن يشارك غيره من السلفيين فى العمل السياسي، بل يمكن أن يوجههم إليه ويحضهم عليه، أما هو فيعتصم بما سبق وأعلنه، فلا يدخل بقدميه إلى ساحة العمل السياسي، وهو اتجاه تقف على قمته جماعة أنصار السنة المحمدية، ويتبوأ محمد حسان مكان الصدارة فيه.
علماء هذا الاتجاه أسسوا مجلس شورى العلماء من أجل دعم العمل السياسى للسلفيين دون التورط فيه، ويعمل فيه إلى جوار الشيخ محمد حسان الشيح محمد حسين يعقوب.. ومن بين آرائهم التأسيسية فى هذا السياق، أنه لا مانع شرعا من المشاركة السياسية لأنها وسيلة من وسائل التمكين للدعوة ونشرها بين فئات المجتمع.
هذا القسم هو الأكثر ذكاءً.. فهو يعتصم برفضه خوض العمل السياسى بنفسه، فإذا ما نجح من شاركوا أعلن أنه كان يدعمهم.. أما لو خسروا فيكون هو بعيدا عن الخسارة معتصما بما حققه لنفسه ولتياره ولتابعيه.
القسم الثالث يمكن أن نطلق عليه «قسم الصامتين».. ويقف على قمته الشيخ أبو اسحاق الحويني، والرجل له ملايين التابعين والمريدين والمؤيدين لكل ما يقوله بإحسان إلى يوم الدين، وهو ما بدا واضحاً فى دعمه أثناء معركته الأخيرة مع مفتى الجمهورية، عندما اتهمه الدكتور على جمعة بالسب والقذف فى حقه ووقف معه وجها لوجه أمام المحاكم.
الشيخ الحوينى ولأنه يعرف تأثيره، فلم يرفض المشاركة فى العمل السياسى ولم يؤيدها، التزم الصمت، ربما باعتبار أن ما يجرى فى الوطن الآن ليس إلا فتنة على الجماعة التى ينتمى إليها، والأصوب فى أيام الفتن أن يلزم الإنسان الصمت حتى لا يتورط فيما لايحبه ولا يرضاه.
القسم الرابع وهو الأخطر الذى أعتقد أنه يمكن أن يمثل خطراً على الحركة السلفية كلها هو القسم الذى يطلق على نفسه «الممانعون».. ويمكن أن نتعامل معهم على أنهم خوارج الحركة السلفية الحديثة، فهؤلاء طيف كبير من التيار يرفض المشاركة فى العمل السياسي.
يستند هذا القسم إلى أن الإيدلوجيا السلفية بشكل عام ترى أن الديمقراطية كفر بالله تعالي، وذلك لأن تطبيق الشريعة فى النظام الديمقراطى يتطلب التصويت البرلمانى حتى يتم إقراره، لأن الديمقراطية هى حكم الأغلبية من خلال ممثلى الشعب، وعليه فإن الديمقراطية كفر بهذه الصورة، وأن ما يترتب عليها من انتخابات تشريعية وغيرها أمور محرمة، ولا يجوز المشاركة فيها.
لم يضع محمود بكير يده على رأس الحربة فى هذا القسم، وهو الشيخ محمد سعيد رسلان داعية المنوفية السلفى الشهير، وهو سلفى تقليدى جدا بمعايير ما بعد الثورة، هذا الرجل يقف بقوة أمام عمل السلفيين بالسياسة، بل له كتيب صغير عنوانه «هذه دعوتنا» يشن فيه هجوما على السلفيين الذين ذهبوا لتأسيس الأحزاب وأشاعوا التحزب فى الأمة، وأشار رسلان إلى أنهم يأتون بإجماعات ينسبونها إلى السلف، وما هى إلا من كيس المتخلفين الخالفين المخالفين.
رسلان لن يقف صامتا.. فهو لا يوقر أحدا.. ويفتقد إلى اللياقة فى كلامه، وليس بعيدا أن يقود الرجل حملة لتكفير شيوخه وزملائه ممن أسلموا أنفسهم لشيطان السياسة.
محمد الباز
الجماعة على أربعة قلوب:
المشاركون فى العمل السياسى بمنطق تغليب
المصلحة على المفسدة.. يقودهم ياسر برهامى
1
فريق العصا من المنتصف ينتظرون النتيجة حتى يعلنوا موقفهم.. يقودهم محمد حسان
2
الصامتون الذين رفضوا التعليق على نزول السلفيين من عزلتهم.. يقودهم الحوينى
3
الممانعون الذين يكفِّرون من يعمل بالسياسة من أهل السلف.. يقودهم محمد سعيد رسلان