اعربت باكستان الاحد للولايات المتحدة عن "سخطها الشديد" ازاء ضربات جوية تتهم الحلف الاطلسي بتنفيذها عبر الحدود ما اسفر عن مقتل 24 جنديا، في الوقت الذي امرت اسلام اباد بمراجعة شاملة لعلاقتها المتوترة اصلا مع الولاياتالمتحدة والحلف الاطلسي. وتعتمد الولاياتالمتحدة على باكستان كشريان اساسي لامداد قواتها التي يناهز عددها 130 الفا في افغانستان المجاورة، وقد سارعت واشنطن الاحد للاعراب عن تعازيها والحديث عن تحقيق شامل في الحادث.
وما زالت تساؤلات اساسية بانتظار الرد حول ملابسات ما حدث في الساعات الاولى من صباح السبت في مقاطعة مهمند في المناطق القبلية الحدودية بين باكستانوافغانستان حيث تقول باكستان ان الحلف الاطلسي استهدف موقعين حدوديين "دون مبرر".
ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤولين افغان وغربيين ان نيرانا مصدرها موقع عسكري باكستاني تقف وراء الغارة الجوية. وقالت الصحيفة الاميركية ان المروحيات والمقاتلات تدخلت لحماية القوات الافغانية وقوة الحلف الاطلسي (ايساف) التي اعتقدت انها تتعرض لنيران متمردي طالبان.
وقال مسؤول افغاني في كابول رفض كشف هويته "تعرض جنود في الجيش الافغاني لاطلاق نار وطلبوا اسنادا (جويا) وهذا ما حصل". واضاف ان الحكومة الافغانية تعتقد ان النيران مصدرها قاعدة عسكرية باكستانية وليس متمردين موجودين في منطقة القبائل التي تفصل بين البلدين والتي تعتبر واشنطن انها معقل للقاعدة.
ونفى الجيش الباكستاني الاثنين ان يكون عناصره بادروا الى اطلاق النار وتسببوا تاليا بغارة الحلف الاطلسي. وصرح الجنرال عباس لوكالة فرانس برس "هذا ليس صحيحا. انهم يختلقون الاعذار". واضاف ساخرا "وعلى اي حال اين هي خسائرهم لو حصل اطلاق نار من الجانب الباكستاني".
صرح الامين العام لحلف شمال الاطلسي اندرس فوغ راسموسن الاحد انه وجه رسالة مكتوبة الى رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني يعرب فيها عن اسفه لمقتل 24 جنديا باكستانيا في ضربة جوية، وهو الحادث الذي وصفه ب"المأساوي وغير المقصود".
وقال راسموسن في بيان "كتبت الى رئيس الوزراء الباكستاني لاوضح ان مقتل افراد من القوات الباكستانية هو امر غير مقبول وواجب الشجب شأنه شأن مقتل قوات افغانية ودولية".
واضاف "لقد كان حادثا مأساويا غير مقصود".
ومن المتوقع ان تنظر التحقيقات فيما اذا كانت القوات الافغانية والاميركية التي تعمل على الجانب الافغاني من الحدود تعرضت لاطلاق النار اولا -- سواء من جانب مسلحين او من جانب الجيش الباكستاني.
وفي تلك الاثناء اتصلت وزيرة الخارجية الباكستانية هينا رباني خار بنظيرتها الاميركية هيلاري كلينتون للاعراب عن "مشاعر السخط الشديد" لدى باكستان في الوقت الذي نظم الجيش الباكستاني مراسم دفن جماعية للجنود القتلى.
وقالت خار ان الهجمات على مراكز عسكرية "غير مقبولة البتة" إذ تخالف القانون الدولي وتنتهك السيادة الباكستانية -- ما يزيد العلاقات الاميركية الباكستانية توترا وهي متوترة اصلا منذ قتلت قوات اميركية خاصة اسامة بن لادن داخل باكستان في عملية خاصة في ايار/مايو الماضي.
وتحدثت الوزيرة الباكستانية مع كلينتون في وقت مبكر الاحد لابلاغها بالقرارات التي اتخذت خلال اجتماع طارئ بين وزارء في الحكومة وقادة عسكريين وتتضمن اغلاق طريق امدادات حلف شمال الاطلسي الى افغانستان فضلا عن اجراء مراجعة شاملة للعلاقات.
وقال البيان ان "وزيرة الخارجية نقلت الى نظيرتها الاميركية مشاعر السخط الشديد التي تسود عموم باكستان بسبب خسارة 24 جنديا في ضربة الحلف الاطلسي التي استهدفت الموقع الباكستاني".
واضافت خار ان "مثل هذه الهجمات غير مقبولة البتة. انها تعبر عن ازدراء تام بالقانون الدولي وحياة البشر وتشكل انتهاكا فاضحا للسيادة الباكستانية".
وتابعت "هذا يتناقض مع التقدم الذي احرزه البلدان في تحسين علاقاتهما ويدفع باكستان الى اعادة النظر" فيها.
وفي تلك الاثناء اصدر وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا وكلينتون بيانا مشتركا من واشنطن اعربا فيه عن "اصدق تعازيهما" ودعمهما "لنية الحلف الاطلسي التحقيق فورا".
واكد الوزيران الاميركيان اهمية الشراكة الاميركية-الباكستانية متعهدين بإبقاء التواصل عن كثب مع باكستان "في هذا الوقت المليء بالتحديات".
من جهته، دعا السناتور الاميركي جون كايل الاحد باكستان الى التعاون بشكل اكبر مع الولاياتالمتحدة بعد الغارة الجوية التي شنها الحلف الاطلسي، محذرا من ان المساعدات الاميركية لاسلام اباد مرتبطة بشروط معينة.
كما قالت باكستان ان تركيا العضو في حلف شمال الاطلسي ستطلب اجراء تحقيق محايد في الهجمات.
وقد جرت مراسم تشييع الاحد للقتلى وسط اجراءات امنية استثنائية مشددة في مدينة بيشاور بشمال غرب باكستان، حسبما شهد مصور لفرانس برس.
وأم رئيس الجيش الباكستاني الجنرال اشفق كياني المصلين خلال صلاة الجنازة في مقر الجيش بالمنطقة الشمالية الغربية. وكان كياني استقبل القائد الاميركي في افغانستان على خلفية محادثات حول التنسيق على الحدود قبل يوم من وقوع الحادث.
وغطيت نعوش الجنود بالاعلام الباكستانية وسوف تنقل جوا الى مسقط رأس الجنود للدفن.
وخرج مئات الباكستانيين الغاضبين في تظاهرات في مختلف انحاء باكستان الاحد واحرقوا دمية تمثل الرئيس الاميركي باراك اوباما واعلاما اميركية بعد مقتل 24 جنديا باكستانيا في غارة جوية شنها الحلف الاطلسي.
وكانت باكستان اغلقت السبت حدودها مع افغانستان امام امدادات الحلف الاطلسي -- ما اوقف وصول قوافل الامدادات عند معبري طرخام وتشامان على طريق الامداد البري الرئيسي للقوات الاميركية لافغانستان التي لا تطل على بحار ويتعين نقل اغلب الامدادات التي ترسو في ميناء كراتشيالباكستاني على بحر العرب عبر الاراضي الباكستانية وصولا الى افغانستان.
وكانت باكستان اغلقت في ايلول/سبتمبر 2010 الطريق البري الرئيسي امام امدادات الحلف الاطلسي عند طرخام لمدة 11 يوما بعد اتهامها للحلف بقتل ثلاثة جنود باكستانيين.
كما امرت باكستان القوات الاميركية بالرحيل عن قاعدة شمسي الجوية في غضون 15 يوما، وكانت تقارير اشارت الى ان القوات الاميركية استخدمت القاعدة في اطار توجيه الضربات بطائرات دون طيار لاستهداف المسلحين في باكستان.
كما قالت اسلام اباد ان حكومتها "ستقوم بمراجعة كاملة لكافة البرامج والانشطة واتفاقات التعاون مع الولاياتالمتحدة والحلف الاطلسي وقوات ايساف (الدولية العاملة في افغانستان) بما في ذلك العلاقات الدبلوماسية والسياسية والعسكرية والاستخبارية".
واقرت قوات الحلف الاطلسي التي تتزعمها واشنطن في افغانستان بانه من "المرجح جدا" ان تكون طائرات الحلف تسببت في مقتل الجنود قبيل فجر السبت.
يذكر ان قوات الحلف تنفذ بشكل منتظم عمليات ضد متمردي طالبان القريبين من الحدود بين باكستانوافغانستان، وهي الحدود غير الواضحة في كثير من المناطق، ومن غير المعروف الى اي مدى تجري تلك العمليات بالتنسيق مع الجانب الباكستاني.
وتعتمد باكستان التي تكافح حركة تمرد طالبانية محلية في شمالها الغربي، على مليارات الدولارات من المساعدات الاميركية.
وكانت العلاقات بين باكستانوالولاياتالمتحدة قد تردت منذ قتلت القوات الاميركية بن لادن حيث وجدته قرب اكبر اكاديمية عسكرية في باكستان ولم تطلع السلطات الباكستانية مسبقا على العملية.
كما قتل متعاقد مع وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية باكستانيين اثنين في لاهور في كانون الثاني/يناير.