مثل ملايين المصريين، تابعت بقدر هائل من الأسى والجزع أنباء سقوط الشهداء فى انتفاضة ميدان التحرير أيام 19و20و21 نوفمبر الحالي.. وهى الانتفاضة التى ذكرتنا فى الكثير من جوانبها بوقائع الموجة الأولى من موجات الثورة المصرية التى امتدت فى الفترة من 25يناير حتى 11فبراير، ثم توالت بعد ذلك موجاتها المتعاقبة التى كان كل منها يفلح فى تحقيق إنجاز محدود يضاف إلى أول إنجازاتها، وهو الإنجاز المتمثل فيما تحقق يوم 11فبراير من إقصاء للرئيس السابق حسنى مبارك ومن القضاء نهائيا على حلم نجله جمال بوراثة كرسى الرئاسة، وإذا كان حصاد الموجة الأولى قد تمثل فى إقصاء حسنى مبارك عن سدة الحكم وتولى المجلس العسكرى مهام موقع الرئاسة، فإن حصاد الموجة الأخيرة وأعنى بها موجة 19 21نوفمبر قد تمثلت حتى الآن على الأقل فى إعلان المشير حسين طنطاوى أن المجلس العسكرى مستعد لتسليم السلطة فورا إذا رأى الشعب ذلك من خلال استفتاء شعبى إذا اقتضى الأمر، وعند هذه النقطة أرى أنه من المهم أن نتوقف عند سؤال يطرح نفسه بالضرورة.. وأعنى به : من أين على وجه التحديد يستمد المجلس الأعلى للقوات المسلحة شرعية وجوده فى السلطة؟؟ الجواب على ذلك أنه لا يستمدها بداهة من تكليف الرئيس السابق له بإدارة شئون البلاد، لأن الرئيس السابق نفسه كان قد فقد الشرعية فعلا بإجماع الغالبية الغالبة من أبناء الشعب المصري.. الذين خرجوا فى ميدان التحرير وفى سائر ميادين مصر يطالبونه بالرحيل.. الرئيس السابق إذن كان فاقدا للشرعية بالفعل يوم 11 فبراير، وفاقد الشيء لا يعطيه، غير أن هذا لا يعنى إطلاقا أن المجلس العسكرى كان يحكم مصر على غير سند من الشرعية، فالحقيقة أنه حتى اندلاع مظاهرات 19 نوفمبر كان يحكمها مستندا إلى خروج ملايين من الناخبين المصرية تلبية لدعوته للاستفتاء على التعديلات الدستورية فى 19 مارس الماضي.. صحيح أن الاستفتاء إذ ذاك لم يكن على بقاء أو رحيل المجلس العسكرى عن الساحة السياسية، فقد كان الاستفتاء كما هو معروف على تعديل مواد بعينها من الدستور، لكن توجه المواطنون إلى المشاركة فى الاستفتاء بنسبة غير مسبوقة بغض النظر عن كونهم من أنصار «لا» للتعديلات أو من أنصار «نعم»، مجرد توجههم تلبية لدعوة المجلس الأعلى للقوات المسلحة كان تسليما ضمنيا من جانبهم بأن له الحق فى توجيه الدعوة، وهو ما يعنى تسليمهم بأنه صاحب السلطة الشرعية! باعتبار أن رئيس الدولة الشرعى (طبقا لسائر المبادئ الدستورية المتعارف عليها) هو صاحب الحق فى دعوة الناخبين للمشاركة فى الانتخابات أو الاستفتاءات العامة،.. هذا هو المصدر الأساسى الذى كان يستمد منه المجلس العسكرى فى رأيى شرعية إدارته للبلاد حتى أحداث 19 20 21نوفمبر، التى سقط فيها أكثر من ثلاثين شهيدا لا نعلم على وجه التحديد إن كانوا قد سقطوا بمبادرات إجرامية من بعض العناصر الأمنية الميدانية، أم سقطوا بأوامر من قيادات وسيطة.. أم أنهم قد سقطوا بأوامر صريحة أو بموافقة ضمنية من المجلس العسكرى ذاته، وفى جميع الحالات فإن الفاعل ينبغى أن يقدم إلى المحاكمة وأن يلقى جزاءه العادل دون تسويف أو إبطاء.. وأهم من ذلك، وقبل ذلك فإن الرجوع إلى الشعب مصدر الشرعية والسلطات قد أصبح الآن واجبا لكى يقول رأيه فى مسألة محددة: هل تؤيد بقاء المجلس العسكرى فى السلطة حتى 30يونيو 2011، على أن تكون الإجابة: إما «نعم» أو «لا»، فإذا كانت نتيجة الاستفتاء « نعم» فإن الشعب حينئذ يكون قد قال كلمته التى لا تعقيب عليها من أحد بما فى ذلك ثوار التحرير أنفسهم، وبما فى ذلك أيضا سائر الثوار فى غير ميدان التحرير، أما إذا قال الشعب (وهو صاحب المصلحة الأصيل فى الثورة)، إذا قال :«لا» وجب على المجلس العسكرى أن يبادر إلى وضع ترتيبات رحيله على نحو لا يعرض البلاد لمخاطر الفراغ المفاجئ،.. على سبيل المثال.. فإنه من الممكن فى هذا المجال فتح باب الترشيح لرئيس مدنى انتقالى يعتبر هو الرئيس الأعلى للقوات المسلحة للفترة الانتقالية التى تنتهى فى يونيو 2012 على أن يمارس نفس الصلاحيات السياسية التى يمارسها حاليا المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولا يحق له ترشيح نفسه للرئاسة بعد انتهاء الفترة سالفة الذكر.. وبدون هذا الاستفتاء فإن المجلس العسكرى يكون ممارسا لصلاحيات الرئاسة لا بمنطق الشرعية وإنما بمنطق القوة