لم يحظ مطلوب عالمي في تاريخنا المعاصر باهتمام دولي إعلامي ورسمي بل وشعبي مثلما حظي به (كارلوس) وذلك بصورة فتحت شهية الكل لأن تحكي عنه القصص حتى صار وكأنه اسطورة تحقق المعجزات ويختفي وكأنه شبح ويظهر في عدة اماكن في وقت واحد كأنه عفريت من الجن او بطل سينمائي لأفلام الخيال العلمي!! ولد (كارلوس) في 12 اكتوبر 1949 من عائلة ماركسية ثرية تعيش في العاصمة الفنزويلية كاراكاس اسمه الحقيقي (فلاديمير ايليتش سانشيز راميريز).. وقد عاش كارلوس صباه في كوبا حيث تعلم أسس العمليات المسلحة وحرب العصابات . سافر إلى لندن لدراسة اللغة الإنكليزية وأصولها، وبدل تعلم الإنجليزية أجاد التحدث بسبع لغات (الإسبانية، والفرنسية، والإنكليزية، والعربية، والإيطالية، والروسية والأرمينية)، ومن ثم التحق بجامعة (باترليس لومومبا) في موسكو وهناك تعرف على (بو ضيا)، الشاب الثوري الجزائري الذي انخرط في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهكذا نشأت علاقة حميمة بين كارلوس وبوضيا، وأعجب كارلوس بأفكار واتجاهات بوضيا وخاصة أنه يشاطره نفس الأفكار والرأي. انخرط كارلوس في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - العمليات الخارجية، وقد أشرف على تدريبه - الدكتور جورج حبش والدكتور وديع حداد، وتلقى تدريبات عده قبل انخراطه في الجبهة في فنزويلا وكوبا .
وبعد انضمامه للجبهة تدرب في مخيمات الأردن، وقاتل مع الفصائل الفلسطينية آنذاك في مواجهة جيش وقبائل الأردن، ومن ثم انتقل إلى مخيمات الجبهة في لبنان. وقد سطع نجم كارلوس حيث أنه تميز بذكائه وقدرته على التخطيط والتخفي وتغيير ملامحه. انتقل للعمل في أوروبا ضد الأهداف الصهيونية والمنظمات الداعمة لها لنصرة القضية الفلسطينية ولإيمانه العميق في هذه القضية، ولشدة كراهيته وعدائه للصهيونية والإمبريالية الأميريكية، جند كل إمكانياته لضرب القوى الصهيونية وللضغط على بعض الأنظمة العربية التي تطبع مع إسرائيل .
بعد مقتل بوضيا (اغتالته مجموعة من الموساد الإسرائيلي شكلت للانتقام من جميع القياديين الثوريين انتقاماً لعملية أيلول الأسود في ميونيخ؛ التي كان كارلوس أحد المخططين لها)، والدكتور وديع حداد (يقال بأنه قتل مسموماً) أمسك كارلوس بقبضة من حديد بجميع المجموعات الثورية وأدخل أسلوباً جديداً وعناصر جديدة في العمليات، حيث اشتركت معه مجموعات ثورية التي تضم عناصر من (الجيش الأحمر الياباني، ومنظمة بادرماينهوف الألمانية، وجيش تحرير الشعب التركي، والألوية الحمراء، والخلايا الثورية، ومنظمة العمل المباشر الفرنسية، بالإضافة إلى أعضاء من الجيش الجمهوري الإيرلندي، ومنظمة إيتا والباسك الإنفصالية). كارلوس نفذ عملياته في أكثر من دولة أوروبية، في ميونيخبألمانيا خطط لاغتيال 11 لاعباً إسرائيلياً في الدورة الأولمبية المقامة هناك في عام 1972 وكان عمره 23 سنة فقط!!
وفي إطار هذه النشاطات اقام علاقات وطيدة مع اجهزة الاستخبارات في دول المعسكر الشيوعي ودول الكتلة الشرقية السابقة.. وقد بدأ كارلوس يعكر صفو اوروبا الغربية بداية من عام 1973 حتى اواخر الثمانينات من القرن الماضي وذلك في سلسلة من العمليات والتي تبناها باسم مجموعة تحمل تسميات مختلفة.
ومع اشتداد عملياته اصبح اسمه على كل شفة ولسان.. وتعددت ألقابه التي تم استيحاؤها في مجملها من طبيعة نشاطاته واعماله فهو مثلاً (المطلوب رقم واحد) في العالم خلال نحو ربع قرن نظراً لسلسلة العمليات المثيرة والتي قادها او خطط لها او التي اعلن مسؤوليته عنها.. وهو ايضاً (الشبح) الذي حير الشرطة في انحاء العالم ففي كل مرة كان يوشك على الوقوع في الشرك كان يهرب بأعجوبة ويفلت بمعجزة.. وهو ايضاً (الثعلب) الذي تمكن من الافلات من كل اجهزة الشرطة الاوروبية ومن الانتربول الدولي..
وكانت شخصيته تنطوي على ألغاز كثيرة فهو يحمل عدداً لا يحصى من جوازات السفر المزورة من جنسيات مختلفة وكانت صوره الشخصية نادرة جداً بحيث إن الشرطة لا تملك له إلا واحدة قديمة كانت تستعين بها في البحث عنه وبالفعل الصور التي أخذت له قليلة ومختلفة، ففي حين تظهره أحدها رجلاً أسمر وسميناً يضع النظارات السوداء.. تظهره أخرى مع شاربين طويلين.. ومما يساعد في صعوبة البحث عنه والتعرف عليه وتضليل الشرطة أنه كان يلجأ إلى تغيير شكله، فتارة يكون شاباً وسيماً جداً، تارة يكون كهلاً أجعد الوجه تعلوه علامات الشيب والشيخوخة .
أهم أعماله الثورية
يتهم كارلوس بالقيام بعمليات عديدة وقد أعلن بنفسه مسؤوليته عنها وهي:
٭ 30 ديسمبر 1973 : في لندن أصيب جوزيف كونراد سييف أحد رجال الأعمال البريطانيين اليهود بثلاث رصاصات في وجهه أطلقها عن قرب رجل ملثم والمعتدى عليه شقيق صاحب محلات «ماركس اند سبنسر» الشهيرة، وقد أعلن «كارلوس» مسؤوليته عن هذا الاعتداء العام 1979م.
٭ 13 سبتمبر 1974 : اختطاف سفير فرنسا في لاهاي جاك سينار وعشرة أشخاص آخرين، وقد أعلن «كارلوس» العام 1979م مسؤوليته عن عملية الاختطاف هذه وأكد أنه أراد من خلالها ممارسة الضغط على السلطات الفرنسية للإفراج عن يوتاكا فورويا أحد أعضاء الجيش الأحمر الياباني، وكانت سلطات مطار أورلي الفرنسية أوقفت فوريا القادم من بيروت في 26 يوليو 1973م وأودعته أحد سجون باريس.
٭ 15 سبتمبر 1974 : انفجار أحد المحلات التجارية وسط باريس (قتيلان وحوالي ثلاثين جريحاً) وقد أعلنت حينها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مسؤوليتها عن هذه العملية. وفي مقابلة نشرتها مجلة «الوطن العربي» في 13 ديسمبر 1979م أعلن كارلوس أنه ألقى قنبلتين على المحل التجاري لإنجاح عملية تبادل المحتجزين في سفارة فرنسا في لاهاي بيوتكا فورويا.
وخلال هذه المقابلة يروي «كارلوس» سنوات تدريباته مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كما أعلن مسؤوليته عن عمليات نفذها في 3 أغسطس 1974م ضد مراكز ثلاث صحف باريسية (لارشن ومينون واورو) وأيضاً عن عمليتين في مطار أورلي في يناير 1975م.
٭ 27 يونيو 1975 : مقتل عنصرين من عناصر قسم مكافحة التجسس الفرنسي خلال عملية التوقيف «كارلوس» في منزله في باريس، وكان قد أطلق النار عليهما عن قرب وفي الأول من يونيو 1992م أصدر القضاء الفرنسي في هذه القضية حكماً بالسجن المؤبد غيابياً على «كارلوس».
٭ 21 ديسمبر 1975 : أثناء انعقاد مؤتمر لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في فيننا قامت مجموعة كوماندوز مؤلفة من ستة اشخاص تنتمي إلى (ذراع الثورة العربية) باحتجاز سبعين رهينة من بينهم (11) وزير نفط. وأدى الاعتداء إلى مقتل ثلاثة أشخاص وقد سمح لقائد المجموعة الذي ادعى أنه «كارلوس» ولبقية المجموعة بمغادرة النمسا بالطائرة متوجهين إلى العاصمة الجزائرية، حيث تم الافراج عنهم.
عام 1976 : اختطف طائرة فرنسية إلى مطار "عنتيبي" بأوغندا 1976، فقد كان على الطائرة شخصيات وسواح إسرائيليون، كما قام باستهداف طائرة العال الإسرائيلية في فرنسا بواسطة (قاذف آر.بي.جي) وبعد أسبوع واحد قام بعملية جريئة باقتحام نفس المطار مع مجموعته لاستهداف طائرة العال الإسرائيلية وقد كشفت العملية ونجح باحتجاز رهائن ورضخت فرنسا لمطالبه .
٭ 29 مارس 1982 : اعتداء على قطار كان يقوم برحلة بين تولوز (جنوبفرنسا) وباريس والذي كان من المتوقع أن يستقله جاك شيراك رئيس بلدية باريس، وحصل الاعتداء الذي أدى إلى سقوط خمسة قتلى بعد شهر على انذار وجهه «كارلوس» في 25 فبراير إلى الحكومة الفرنسية بشأن اعتقال عنصرين من شبكته في 16 فبراير 1982م وهما السويسري برونو بيرغي وماغدالينا كوب التي تزوجها كارلوس فيما بعد.
٭ 22 ابريل 1982 : انفجار سيارة مفخخة في حي اريوف في باريس أدى إلى مقتل شخص وجرح 63 آخرين ووقع هذا الانفجار في الوقت الذي بدأت فيه محاكمة ماغدا الينا كوب وبرونوبيرغي في باريس لحيازتهما أسلحة.
٭ 25 أغسطس 1987: انفجار قنبلة في «البيت الفرنسي» في برلينالغربية أدى إلى مقتل شخص وجرح 23 آخرين، وقد تبنى الانفجار في اليوم نفسه «الجيش السري الأرمني» وأشارت برلين إلى علاقات بين الشرطة السرية (ستازي) في ألمانياالشرقية سابقاً والمجموعة التي كان يرأسها «كارلوس» وقد تكون هذه الجموعة أعلنت مسؤوليتها عن هذا الاعتداء في رسالة وجهتها إلى سفارة ألمانياالغربية سابقاً في جدة بالمملكة في نوفمبر 1983م وفق ما ذكرت صحيفة «فرانكفورتز المانية زينونغ».
كارلوس الذي وهب حياته في خدمة القضية الفلسطينية ثائراً، مقاتلاً، مناضلاً وقيادياً، كارلوس الثوري مسجون الآن في فرنسا، بعد عملية اختطاف قامت بها أجهزة الاستخبارات الفرنسية بالتعاون مع حكومة السودان تم خطفه من السودان في 14/8/1994. والآن بعد مرور أكثر من اثني عشرة عامًا على اختطاف كارلوس الثائر، بعد مطادرة استمرت لأكثر من عقدين من قبل عدة أجهزة استخبارات أوروبية وأمريكية وإسرائيلية، يقبع الآن في سجن منفرداً في فرنسا.
الان وفي كل رسالة يكتبها كارلوس في سجنه يختمها بعبارة (
واجرى كارلوس حديثا لاذاعة اوروبا 1 في مقابلة عبر الهاتف. وقال فيها : "انها معجزة اني على قيد الحياة ، لقد نجا العديد من العمليات وانه سيذهب للمحاكمة الشهر المقبل لمحاكمته عن جرائمه التي نفذت في فرنسا في 1980 . وهذا الحديث الاذاعي دفع السلطات في السجن الى نقله الى زنزانة حبس انفرادي . وحزن كارلوس على ان قناة تليفزيونية اذاعت لقاء له ادانته فيه مبديا اسفه لان هذه القناة قد تكون اصدرت حكما عليه قبل تقديمه مجددا في جلسة 7 نوفمبر .