لا يمكن فصل انتخابات نقابة الأطباء التى جرت الأسبوع الماضى عن المشهد السياسى العام، ولا يمكن اعتبار ما حققه تيار الاستقلال من نجاح كاسح إلا من خلال كونه انتصاراً للدولة المدنية بكل ما تحمله الكلمة من معان. هناك دروس كثيرة مستفادة، وهناك مؤشرات شديدة الوضوح، وهناك دلائل أكيدة على أن جماعة الإخوان المسلمين لم تكن فى يوم من الأيام بعبعاً إلا فى إذهاننا، ولم تكن سرطاناً إلا فى خيالاتنا، فنحن من صنعنا الوحش، وتيار الاستقلال ومعه تيار الائتلاف هما اللذان قادا الثورة المدنية الجديدة ضد هذا الوحش الخيالى فى نقابة الأطباء. ورغم النجاح الكبير لتيار الاستقلال بمساندة تيار الائتلاف، إلا ان الخلاف الذى نشب بينهما فى محافظات الوجه البحرى ونزول كل منهما منافسا للآخر فى مواجهة القائمة المدعومة من الإخوان المسلمين عجل بتفتيت الأصوات لصالح الإخوان فى تلك المحافظات فقط وبفارق أصوات يجب أن يدفع انصار الائتلاف والاستقلال بالشعور بالندم على الفرقة التى حدثت بينهما، لأنه لولاها ما حصل أنصار الدولة الدينية على تلك المقاعد، ولكانت خسارتهم «بجلاجل». بعد سيطرة الإخوان على نقابة الاطباء لمدة عشرين عاما شهدت النقابة الأسبوع الماضى تنافساً غير مسبوق فى المعركة الانتخابية بين أكبر قائمة منظمة وهى «أطباء من أجل مصر» تحت شعار « معا نرسم المستقبل» التى تضم أطباء بعضهم ينتمى إلى الإخوان وبعضهم لا ينتمى إلى أى تيار ضد قائمة «الاستقلال» تحت شعار « من أجل نقابة مهنية قوية مستقلة لكل الأطباء». بعد انتهاء التصويت ومرور عدة ساعات على الفرز أعلنت شبكة «رصد» الإخوانية عن اكتساح قائمة «الإخوان» وحصولها على ما يزيد على 85% من المقاعد. مواقع عديدة وفضائيات كثيرة وصحف متفرقة حملت الخبر ونشرته وسوقته إلى قرائها ومشاهديها دون أن تحقق ودون انتظار، فشاركوا فى أكبر حملة ترويج لجماعة الإخوان غير حقيقية، بل وعلى عكس النتائج المؤكدة والثابتة وفقاً لأوراق اللجنة العليا للانتخابات التى ظهرت فيما بعد. القائمة المدعومة من الإخوان على مقاعد مجلس النقابة العامة فازت ب 18 مقعداً مقابل 6 مقاعد لقائمة الاستقلال، وهنا روج الإخوان للفكرة على أنها تأكيد لخبر اكتساحهم لمقاعد النقابة بالرغم من وجود الكثير من الأطباء المشاهير غير المنتمين للجماعة لا فكريا ولا تنظيماً بقائمة «أطباء من أجل مصر منهم الدكتور خالد عمارة والدكتور نهى الشرنوبى. ولم يكتف الإخوان بهذا الأمر، بل صوروا للرأى العام أن نقيب اطباء مصر إخوانى وهو الدكتور خيرى عبدالديم، فى حين أن الحقيقة أن الرجل قدم اوراق ترشحه مستقلا، بل الادهى أن أول تيار قرر دعمه كان تيار الاستقلال وتيار الائتلاف، وبعد أيام من إعلان التيارين هذا الدعم اعلن الإخوان دعمهم له، بعد أن تأكدوا ولمسوا شعبية الرجل وجماهيريته الواسعة وسط الأطباء. لكن تبقى المعلومة الاكيدة والحقيقية هى أن خيرى عبدالدايم ليس إخوانيا ولن يكون إخوانيا، فهو رجل ليبرالى يؤمن بالدولة المدنية. وبعيدا عن النقابة العامة التى حصل على أغلبيتها القائمة المدعومة من الإخوان المسلمين، يتضح للجميع حجم الخسارة الرهيبة التى تعرض لها تيار الإخوان الذى احتل دار الحكمة لأكثر من 20 سنة فى النقابات الفرعية. أكبر نقابتين فرعيتين وهما القاهرة والإسكندرية التى تمثل 40 %من الاطباء المسجلين كان اكتساح قائمة الاستقلال مفأجاة للمراقبين، فقد حصدت على 14 مقعداً من أصل 16 فى نقابة القاهرة، رغم فوز الدكتور سعد زغلول العشماوى المرشح على قائمة «أطباء من أجل مصر»، بمنصب النقيب. فى الاسكندرية التى شارك فى انتخابات نقابتها الفرعية 10 آلاف طبيب من أصل 17 ألفاً مسجلين بالكشوف، وفى مدينة من المفترض أنها أكبر معاقل الإخوان لم تحصل القائمة التى يدعمونها سوى على مقعدين فقط فى حين اكتسحت قائمة الاستقلال المقاعد العشرة المتبقية، إضافة الى اقتناصها لمنصب نقيب أطباء الاسكندرية للدكتور محمد رفيق مرشح جبهة تحرير أطباء الاسكندرية. ومن الاسكندرية الى بقية المحافظات الساحلية كانت الكلمة الاولى لتيار الاستقلال المدني، لو أصر الإخوان على استخدام كلمة اكتساح فى هذه الانتخابات، فمن حقهم أن يطلقوها على محافظات الدلتا فقط، حيث حصلت القائمة التى دعموها على أغلبية فيها، رغم أن كثيراً من أعضاء تلك القائمة ليسوا إخوانا على الاطلاق. لكن هنا وجب التنبيه ان الخلاف الذى نشب بين قائمتى الاستقلال والائتلاف كان عاملاً حاسماً لصالح قائمة الإخوان، حيث تفتت أصوات التيار المدنى بين قائمتين، فرجح كفة القائمة المدعومة من التيار الديني، وإذا نظرت الى الفارق بين صوت الناجح وأصوات منافسه ستدرك حجم الاستفادة التى جناها الإخوان من عدم وحدة التيار المدنى والتى وصل الامر إلى ان يفوز أحدهما بفارق أربعين صوتاً فقط فى بعض المحافظات. الامر كان مختلفاً فى الوجه القبلي، حيث جاءت الأغلبية لتيار الاستقلال مجلساً ونقيباً. خلاصة القول: 1- فازت قائمة الاستقلال بأغلبية المقاعد فى 12 محافظة فى حين حصلت الإخوان على الاغلبية فى 12 محافظة أغلبها فى الوجه البحري. 2- فازت قائمة الاستقلال على منصب النقيب فى عدد 15 نقابة فرعية اما الإخوان حصلوا على منصب نقيب فى 12 محافظة. 3- تقاسم الإخوان والاستقلال مجلس نقابة كل من المنياوسوهاج بينما ذهب منصب النقيب لتيار الاستقلال. 4- مفارقة غريبة، حيث خسر أمين حزب العدالة والحرية الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين المرشح على رأس قائمة « أطباء من أجل مصر» الدكتور محمد المصرى بمحافظة سوهاج أمام مرشح «ائتلاف الاطباء» الدكتور أحمد فوزى صديق على مقعد النقيب بالمحافظة حيث حصد على 813 صوتاً بفارق 236 صوتاً. 5- محافظتا أسوانوسوهاج فاز بمنصب النقيب فيهما مرشحا قائمة الائتلاف وهى قائمة تكونت بعد قرارات الجمعية العمومية فى 25 مارس، وأشرفت على تنفيذ إضراب 10 مايو، يعمل أعضاؤها تحت عنوان القائمة الائتلافية المشتركة لائتلاف الأطباء.. وحركة إنقاذ الأطباء 2011. 6- محمد عبدالعزيز المستشار القانونى لحركة «أطباء بلا حقوق» المنضمة لقائمة الاستقلال، اكد أن المستشار محمد هشام محمد رئيس اللجنة المشرفة على الانتخابات تأخر عن الحضور لمدة ساعة ونصف الساعة، وبعد فتح الباب حدثت مشكلة بسبب سوء التنظيم وتكدس الأطباء بشكل كبير. 7- لوحظ سيطرة حركة «أطباء من أجل مصر» على التنظيم بسبب قيام القضاة المشرفين على الانتخابات بإعادة تقسيم اللجان للتمكن من إحكام الرقابة عليها نظراً لقلة عددهم، وأشارت حركة اطباء بلا حدود إلى انه كان هناك تدخل من الموظفين أثناء عملية الفرز. 8- رصدت جمعيات حقوق الإنسان حضور أنصار من الإخوان اثناء الفرز ووجود الكثير من الدعاية لجماعة الإخوان المسلمين توزع على الناخبين داخل اللجان كما تم منع مئات من الاطباء من التصويت فى انتخابات النقابات الفرعية خاصة فى محافظتى اسوان والجيزةبحجة عدم تسجيلهم فى النقابة الفرعية. 9-اختفى الحبر الفسفورى فى بعض اللجان، منها لجنة رقم 26 بالقاهرة. 10- تقدم الدكتور غانم عبداللطيف مرشح فى الانتخابات بطلب شطب الطبيب المسيحى بديع بطرس المرشح على قائمة «أطباء من أجل مصر» ووضع اسمه بدلاً منه. 11- اكثر من شكوى وردت لحركة أطباء بلا حدود أشارت الى امتناع بعض القضاة عن قبول شكاوى قائمة الاستقلال والسماح لمندوبى الإخوان بتسجيل البيانات الأمر الذى أدى الى مشادات بعض مندوبى الاستقلال مع عدد عن القضاة لمنع تسجيلهم. 12- عدد الأطباء المسجلين فى القاهرةوالاسكندرية التى حصد مجالسها تيار الاستقلال يمثلون 40% من عدد الأطباء المسجلين فى مصر، وأن 70% من الاطباء المسجلين فى كل محافظات مصر دعموا مرشحى تيار الاستقلال.