يمثل اليمن، بتاريخه العريق، موطنًا للتنوع الثقافي والديني، ومع ذلك، تشهد البلاد منذ انقلاب ميليشيات الحوثي المسلحة تصاعدًا خطيرًا في الاعتداءات الممنهجة التي تستهدف دور العبادة والمؤسسات الدينية والأقليات، هذا التصاعد لا يمثل انتهاكًا لحقوق الإنسان فحسب، بل يهدد النسيج الاجتماعي والتعايش السلمي الذي ما دام ميز المجتمع اليمني. وأكدت تقارير حقوقية صادرة عن منظمات محلية ودولية متخصصة حجم هذه الجرائم، حيث وثقت نحو 4،560 واقعة انتهاك بحق دور العبادة والمؤسسات التعليمية الدينية والأفراد من الأقليات الدينية والطوائف المخالفة للجماعة، هذه الأرقام، التي تشمل التدمير، والاستيلاء، والتهجير، والاعتقال، تشير إلى أن جماعة الحوثي تتبع استراتيجية واضحة لفرض نموذج ديني أحادي بالقوة، والقضاء على أي صوت ديني أو طائفي يعارض أيديولوجيتها. الأهداف والأنماط.. كيف يستهدف الحوثي دور العبادة؟ تنقسم انتهاكات الحوثي بحق دور العبادة، وخاصة المساجد، إلى أنماط رئيسية تستهدف السيطرة الفكرية والمادية: الاستيلاء والتغيير الأيديولوجي: ما دلالات تجديد العقوبات الأممية على الحوثيين؟... جرائم وانتهاكات ترقى إلى مستوى «جرائم حرب» جرائم الحوثيين باليمن.. من استهداف المنظمات الإنسانية إلى تكريس العزلة الدولية لصنعاء تعتبر هذه هي الظاهرة الأوسع انتشارًا. عمدت الجماعة إلى الاستيلاء على مئات المساجد، خصوصًا تلك التابعة لأحزاب أو جماعات دينية مخالفة (كالسلفيين والإصلاحيين)، وقامت بعزل الأئمة والخطباء وتعيين آخرين موالين لها وتحويل الخطب والمحاضرات إلى منصات لبث الأفكار الطائفية والمذهبية والدعوة إلى القتال، بدلًا من التركيز على الوعظ والاعتدال واستخدام المساجد كمراكز تعبئة لعقد ما يُعرف باسم "الدورات الثقافية" الإجبارية التي تروج لفكر الجماعة التدمير والتخريب والاستخدام العسكري في المناطق التي تشهد صراعًا أو تلك التي كانت تحت سيطرة خصومها، لجأت جماعة الحوثي إلى تدمير وتخريب المساجد: التفجير: وثقت التقارير تفجير مساجد بشكل كلي أو جزئي، خاصة في محافظات مثل تعز وإب وحجة. التحويل العسكري: تم استخدام عشرات المساجد ك ثكنات عسكرية، أو نقاط قنص، أو مخازن للأسلحة والذخيرة، مما يجعلها أهدافًا مشروعة للعمليات العسكرية ويزيد من احتمالية تدميرها. هذا الاستخدام ينتهك القانون الدولي الإنساني الذي يحظر استهداف دور العبادة. الاضطهاد الممنهج للأقليات الدينية في اليمن لا يقتصر الاستهداف على المساجد، بل يمتد ليشمل الأقليات الدينية التي تُعتبر وجودها جزءًا أصيلًا من التراث اليمني. الانتهاكات هنا تتخذ طابعًا قمعيًا يهدف إلى إفراغ اليمن من تنوعه الطائفي. استهداف وتهجير الأقلية اليهودية: شكلت جماعة الحوثي ضغوطًا هائلة على ما تبقى من عائلات يهود اليمن، التي تعود جذورها إلى آلاف السنين، تمثلت هذه الانتهاكات في: الاعتقال والتعذيب لبعض أفراد الطائفة. إجبارهم على المغادرة تحت التهديد، لينهي الحوثي تقريبًا وجود أقدم أقلية دينية في البلاد بعد آلاف السنين. قمع ومحاكمات البهائيين: واجه أفراد الطائفة البهائية، التي ينظر إليها الحوثي ك "طائفة منحرفة"، اضطهادًا شديدًا، شمل اعتقالات تعسفية ومحاكمات جائرة بتهم التجسس والردة ومصادرة الممتلكات والحرمان من الحقوق المدنية وصدور أحكام بالإعدام بحق عدد من قادة الطائفة، مما أثار استنكارًا دوليًا واسعًا. استهداف المزارات الصوفية والتاريخية: كما تم توثيق اعتداءات على الأضرحة والمزارات التاريخية التي يعتقد الحوثي أنها تخالف أيديولوجيته. تم نبش وتدمير عدد من المقامات التاريخية، مما يمثل مسحًا قسريًا لذاكرة وتاريخ التنوع الديني اليمني. التداعيات القانونية والإنسانية ل 4560 واقعة انتهاك إن العدد الهائل من الانتهاكات الموثقة (4،560 واقعة) يضع المسؤولية القانونية والإنسانية على عاتق جماعة الحوثي ويدعو إلى تحرك دولي عاجل. مخالفة القانون الدولي الإنساني: استخدام دور العبادة لأغراض عسكرية (تخزين الأسلحة أو القنص) يعتبر انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، تحديدًا اتفاقيات جنيف، التي تفرض حماية خاصة للأعيان المدنية والثقافية والدينية. تدمير هذه المواقع قد يرقى إلى مستوى جرائم الحرب. تدمير النسيج الاجتماعي: تؤدي هذه الانتهاكات إلى زيادة حالة الاستقطاب الطائفي والمذهبي. يعمل الحوثي على نشر خطاب الكراهية ضد "المخالف" في المناطق الخاضعة لسيطرته، ما يهدد بانهيار كامل لحالة التعايش السلمي التي كانت قائمة بين مكونات المجتمع المختلفة. إزالة التنوع الديني تعني تدمير جزء لا يتجزأ من الهوية اليمنية. الخسارة التراثية والثقافية: كل موقع ديني يتعرض للتدمير يمثل خسارة لا تعوض للتراث الإنساني. إن محو المزارات والمساجد القديمة هو محو لجزء من تاريخ اليمن وحضارته. دعوة دولية لإنهاء الإفلات من العقاب تؤكد التقارير الحقوقية توثيق نحو 4،560 واقعة انتهاك ارتكبتها جماعة الحوثي بحق دور العبادة والأقليات الدينية، مما يعكس سعيًا حثيثًا لإعادة تشكيل المشهد الديني والاجتماعي في اليمن بالقوة. إن هذه الانتهاكات تمثل اعتداءً على الحقوق الأساسية وتحديًا واضحًا للمجتمع الدولي. يجب على المنظمات الدولية والأمم المتحدة ومجلس الأمن ممارسة ضغوط فاعلة على جماعة الحوثي، لوقف هذه الممارسات والتحقيق في هذه الجرائم، وضمان حماية ما تبقى من دور عبادة وأقليات دينية. إن الإفلات من العقاب لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة الإنسانية والدينية في اليمن. حرب مالية جديدة.. هل ينجو النظام المصرفي اليمني من قبضة الحوثيين؟ جرائم الحوثيين باليمن.. من استهداف المنظمات الإنسانية إلى تكريس العزلة الدولية لصنعاء