فى اليوم الدولى لإحياء ذكرى ضحايا أعمال العنف القائمة على أساس الدين أو المعتقد، كشفت تقارير حقوقية يمنية ودولية صورة قاتمة لحجم الانتهاكات الممنهجة التى ارتكبتها مليشيات الحوثى المدعومة من إيران بحق الأقليات الدينية والمذهبية فى اليمن، والتى طالت اليهود والبهائيين والمسيحيين وأتباع المذاهب السنية والجماعات السلفية، وحتى رموز ومرجعيات زيدية مثل العلامة محمد عبد العظيم الحوثى فى صعدة والعلامة محمد المؤيدى فى عمران. هذه الحملات، الممتدة منذ عام 2007، أفضت إلى عمليات تهجير كلى وجزئي، واعتقالات واسعة، وقتل آلاف المدنيين، وتدمير المساجد ودور العبادة وتحويلها إلى مراكز عسكرية وطائفية. اليمن نموذج صارخ لانتهاكات الحوثى ضد الحريات والمعتقدات وبحسب تقرير الشبكة اليمنية للحقوق والحريات ورابطة معونة لحقوق الإنسان والهجرة، بدأت أولى حملات التطهير الدينى بتهجير يهود آل سالم فى صعدة عام 2007، تبعتها سيطرة الحوثيين عام 2010 على 12 حوزة دينية لأتباع المذهب الجعفرى فى الجوف، ثم شن الحرب على أتباع العلامة الزيدى محمد عبد العظيم الحوثى فى 2012. وفى 2013، شهدت منطقة دماج جنوب صعدة واحدة من أضخم عمليات التهجير القسرى ذات الطابع الديني، حيث أجبر أكثر من ثلاثة آلاف طالب علم وأسرهم من أتباع الشيخ مقبل الوادعى على النزوح بعد حصار دموى استمر ثلاث سنوات وأسفر عن 1184 انتهاكاً، منها 200 حالة قتل بينهم 29 طفلاً وخمس نساء. وبلغت الإصابات فى صفوف جماعة السلفيين فى دماج (600) بينهم 71 طفلاً و10 نساء، و43 حالة إجهاض، فضلاً عن إصابة 113 طفلاً بجفاف وسوء تغذية و67 آخرين بالتهابات رئوية، وتدمير 361 مرفقاً مدنياً بينها ستة مساجد و346 منزلاً وثلاثة مستشفيات وستة آبار مياه. ومنذ 1 يناير 2015 وحتى 30 يونيو 2025، وثقت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات بالتعاون مع رابطة معونة 4,560 واقعة انتهاك طالت المساجد ودور العبادة فى 14 محافظة يمنية. هذه الانتهاكات تنوعت بين القتل المباشر للأئمة والخطباء والمصلين، وتفجير المساجد ودور القرآن، والاعتداء على المصلين، والاختطاف والإخفاء القسرى والتعذيب الجسدى والنفسي، وفرض خطباء تابعين للفكر الحوثي، وإغلاق المساجد وتحويلها إلى مراكز تعبئة طائفية وتلقين عقائدى للأطفال. وسجلت التقارير 277 حالة قتل لخطباء وأئمة، منها 72 نتيجة إطلاق مباشر و19 جراء القصف و28 بسبب الضرب المبرح و19 بالطعن أو السلاح الأبيض، و178 حالة إصابة جسدية، واعتقال أكثر من 1,832 شخصاً من أتباع المذاهب السنية منذ 2014، بينهم 386 إماماً وخطيباً لا يزالون مخفيين قسراً حتى اللحظة، و73 حالة تعذيب منها تسع حتى الموت. كما وثقت الشبكة 791 انتهاكاً بحق المساجد ودور العبادة السنية بينها 103 حالات تفجير وتفخيخ، و201 حالة قصف، و52 حالة حرق، و341 حالة اقتحام ونهب، و423 مسجداً حُوِّلت إلى ثكنات عسكرية، و219 مركزاً لغسل عقول الأطفال، و61 غرفة عمليات حربية، و394 إغلاقاً كلياً، و1,291 حالة فرض خطباء وأئمة، و467 إغلاق مدارس تحفيظ قرآن. أما الطائفة البهائية، فقد تعرضت ل139 انتهاكاً بينها اعتقال 71 شخصاً (بينهم ستة أطفال و20 امرأة)، و25 محاكمة غير عادلة صدرت فى بعضها أحكام بالإعدام، وتهجير 25 أسرة ومصادرة 12 منزلاً، وطرد جماعى فى 2020 أعقبه حملة اعتقالات فى 25 مايو 2023 شملت 17 شخصاً بينهم خمس نساء، أُطلق سراح 12 منهم لاحقاً بعد ضغوط دولية فيما لا يزال خمسة محتجزين بينهم عاملون إنسانيون وناشطون حقوقيون. اليهود اليمنيون واجهوا بدورهم 63 حالة تهجير قسرى واعتقال تسعة أشخاص وإغلاق مدرستين ونهب ممتلكاتهم، والمسيحيون تعرضوا لعشر حالات اعتقال وتعذيب وأربع حالات قتل وحالتى اقتحام كنائس بينها حالة تدمير وحرق، إضافة إلى ملاحقات قضائية بتهمة الردة بحق متحولين للمسيحية. بالإضافة إلى وسائل أخرى خارج نطاق القضاء مثل التهديدات والاعتداءات، فرضوا قيودًا ذات دوافع أيديولوجية على لباس المرأة، وحرية تنقلها، وحصولها على العمل والتعليم والرعاية الصحية، واشتراط المحرم، الذى يفرض على عاملات الإغاثة أن يرافقهن قريب ذكر، أثر سلبًا على إيصال المساعدات الإنسانية. وأفاد التقرير بأن مناهج وكتب المدارس الابتدائية فى المناطق التى يسيطر عليها الحوثيون لا تزال تعكس فهمهم للإسلام فحسب، وتحتوى على شعارات وخطابات معادية للسامية ومعادية لإسرائيل وأمريكا وتنادى بالموت وسفك الدماء والولاء المطلق لزعيم المليشيات الحوثية. فى سياق متصل، وثقت مؤسسة تمكين المرأة اليمنية (YWEF) بين 2014 وأغسطس 2025 ما مجموعه 4,620 انتهاكاً ضد المساجد ودور العبادة والأئمة والخطباء، شملت 311 حالة قتل و231 إصابة، و652 حالة اختطاف بينها 143 حالة تعذيب و13 وفاة تحت التعذيب، وتحويل 491 مسجداً إلى ثكنات، و114 غرفة عمليات، و899 مسجداً لممارسات طائفية دخيلة، و936 فرض خطباء بالقوة، و832 مكتبة مسجدية صودرت واستبدلت بملازم طائفية، و151 مرفقاً وقفياً تم الاستيلاء عليه. هذه التقارير تكشف عن أن مليشيات الحوثى لم تكتفِ باستهداف المخالفين دينياً ومذهبياً بالقتل والاعتقال والتهجير، بل سعت إلى تفريغ المناطق التى سيطرت عليها من تنوعها التاريخي، واستبدال هويتها الفكرية والدينية بمشروع طائفى مرتبط بإيران. هذه الممارسات تتعارض بشكل صارخ مع الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الذى يكفل حرية الدين والمعتقد، والذى صادقت عليه الجمهورية اليمنية عام 1987. وزير الإعلام اليمنى معمر الإريانى وصف هذه الجرائم بأنها "حملة تطهير دينى ومذهبى مكتملة الأركان"، كما وصف الممارسات الحوثية بحق الأقليات الدينية بأنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وتشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولى الإنساني، واعتداء مباشرا على حرية الدين والمعتقد. كما لفت الإريانى إلى أن الانتهاكات الحوثية التى وثقتها أرقام التقارير الحقوقية تكشف بوضوح أن المليشيا الحوثى لم تستهدف فقط الأقليات الدينية، بل شنت حربا مفتوحة على المساجد باعتبارها رمزا لهوية المجتمع اليمنى الدينية والحضارية، فى محاولة لفرض مشروعها الطائفى المستورد من إيران، وتمزيق النسيج الاجتماعي، وتغيير معتقدات اليمنيين وهويتهم الوسطية المعتدلة. ونبه الوزير اليمنى إلى أن هذه الجرائم الممنهجة تكشف الطبيعة العنصرية والإقصائية لمليشيا الحوثي، التى تسعى لفرض فكرها المتطرف على المجتمع اليمنى بقوة السلاح والإرهاب، ضاربة عرض الحائط بالقوانين الدولية، وفى مقدمتها الإعلان العالمى لحقوق الإنسان والعهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والقانون الدولى الإنساني، ونظام روما الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية. وجدد الإريانى دعوته للمجتمع الدولى والأممالمتحدة ومجلس حقوق الإنسان إلى إدانة الجرائم والانتهاكات الحوثية بحق الأقليات الدينية فى اليمن، وملاحقة قيادات المليشيا المتورطة فى هذه الجرائم، وفى مقدمتهم المدعو عبدالملك الحوثي، باعتباره مسئول مباشر عن انتهاكات ترقى لجرائم ضد الإنسانية، ودعم الحكومة الشرعية لاستعادة الدولة وحماية ما تبقى من الأقليات الدينية فى مناطق سيطرة المليشيا، وضمان حقهم فى ممارسة معتقداتهم بحرية وأمان. ويرى مراقبون أن ما يجرى فى اليمن ليس مجرد انتهاكات فردية، بل هو جزء من مشروع سياسى أوسع تسعى مليشيا الحوثى إلى تنفيذه، يقوم على تغيير الهوية الدينية لليمنيين لصالح عقيدة طائفية مستوردة من إيران. هذا المشروع، بحسب الخبراء، يستهدف ضرب التعايش التاريخى الذى حافظ عليه اليمن لعقود، وإدخال البلاد فى صراعات مذهبية ممتدة تخدم الأجندة الإيرانية فى المنطقة. وأكد خبراء أن استمرار صمت المجتمع الدولى ساعد الحوثيين على التمادى فى هذه الجرائم، وأن تصريحات وزير الإعلام اليمنى تأتى لتدق ناقوس الخطر، مشيرين إلى أن أى تسوية سياسية فى اليمن يجب أن تتضمن بنوداً واضحة لحماية حرية الدين والمعتقد، وضمان عودة جميع دور العبادة إلى وضعها الطبيعي، وتعويض الضحايا والمتضررين. كما طالبوا بإنشاء لجنة تحقيق دولية مستقلة لجمع الأدلة، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم، وإدراج حماية الأقليات ضمن أولويات الأممالمتحدة والمجتمع الدولي. ويؤكد هؤلاء المراقبون أن اليوم الدولى لضحايا أعمال العنف القائمة على أساس الدين أو المعتقد يجب أن يشكل فرصة لإعادة تسليط الضوء على هذه الانتهاكات، ووضع حد لسياسة الإفلات من العقاب التى شجعت المليشيا على الاستمرار فى جرائمها، وإعادة الاعتبار للتنوع المذهبى والدينى الذى يعد جزءاً من الهوية اليمنية الأصيلة.