تعيش مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، واحدة من أحلك لحظاتها منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023، بعد أن أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها الكاملة على المدينة ومقر الفرقة السادسة مشاة، آخر معاقل الجيش السوداني في الإقليم الغربي المضطرب. تزامن ذلك مع تحذيرات دولية متصاعدة من مجازر ضد المدنيين، وسط أنباء عن انتهاكات واسعة وعمليات تصفية ونهب في المدينة التي كانت لأسابيع ساحةً لأطول المعارك في تاريخ الحروب داخل المدن السودانية. المعارك تضع أوزارها وسقوط المدينة يثير القلق أعلنت قوات الدعم السريع، في بيانات متتالية، أنها "حررت الفاشر بالكامل" بعد معارك ضارية مع القوات المسلحة والقوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح. وأكد الناطق الرسمي باسم الدعم السريع أن المدينة أصبحت "تحت السيطرة الكاملة"، مشيرًا إلى بدء عمليات "التمشيط وإزالة الألغام" ونشر قوات لتأمين الأسواق والمرافق العامة. وفي المقابل، قالت مصادر عسكرية بالجيش إن الانسحاب من مواقع محددة جاء لأسباب تكتيكية، بهدف إعادة التموضع استعدادًا لهجوم مضاد. لكن المشهد الميداني – حسب مراقبين – يشير إلى انهيار واسع في خطوط الدفاع الحكومية وتفكك التنسيق بين وحدات الجيش والقوة المشتركة. مقتل المتحدث باسم القوة المشتركة واعتقالات في صفوف قياداتها نعت القوة المشتركة العقيد أحمد حسين مصطفى إدروب، الناطق الرسمي باسمها، مؤكدة أنه قُتل خلال المعارك في الفاشر. وفي الوقت ذاته، أعلنت تقارير ميدانية أن الدعم السريع اعتقل عددًا من قيادات القوة المشتركة، بينهم الفريق عبود آدم خاطر واللواء إبراهيم بهلول. ووسط هذا المشهد المأساوي، أعلنت القوة المشتركة لاحقًا أنها لم تصدر أي بيان رسمي بشأن الشهداء أو العمليات، مؤكدة أن "دماء المقاتلين لا تُتناول بالعجلة أو الاجتهاد الفردي". نداءات داخلية ودولية لوقف الانتهاكات وحماية المدنيين ارتفعت الأصوات المحلية والدولية للمطالبة بوقف استهداف المدنيين، بعد تقارير ميدانية عن مجازر وعمليات قتل جماعي ونهب على أساس عرقي. فقد قالت شبكة أطباء السودان إن الدعم السريع ارتكب "مجزرة بشعة بحق المدنيين العزل"، ووصفت ما يجري في الفاشر بأنه "جريمة تطهير عرقي مكتملة الأركان". وفي بيانٍ منفصل، أكدت مجموعة محامو الطوارئ أن قوات الدعم السريع "نفذت عمليات تصفية جماعية في مدينة بارا بشمال كردفان"، محذّرة من "نزوح واسع في ظروف إنسانية بالغة القسوة". أما تنسيقية لجان المقاومة في الفاشر، فأطلقت نداءً عاجلًا إلى العالم لحماية المدنيين، مؤكدة أن "من تبقى في المدينة سيواصل الصمود حتى آخر نفس". مواقف دولية متزايدة القلق أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن قلقه العميق من تصاعد العنف، مطالبًا المجتمع الدولي بوقف تدفق الأسلحة إلى السودان ووقف دعم الأطراف المتحاربة. كما دعت وزيرة الدولة البريطانية لشؤون التنمية الدولية، جيني تشابمان، قوات الدعم السريع وتحالفها إلى "الوفاء بالتزاماتهم بحماية المدنيين وضمان المرور الآمن". بينما شدد يان إيغلاند، الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، على أن "كل الأعين يجب أن تبقى على الفاشر، وعلى العالم التحرك لمنع المزيد من المذابح". وفي واشنطن، قال مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون إفريقيا والشرق الأوسط مسعد بولس إن "العالم يراقب تحركات الدعم السريع بقلق بالغ"، مطالبًا بفتح ممرات إنسانية فورية لحماية السكان. مقتل المراسلة الحربية آسيا الخليفة يهز الأوساط الإعلامية من جهة أخرى، أعلن مقتل المراسلة الحربية آسيا الخليفة أثناء تغطية الاشتباكات في الفاشر، بعد أن احتمت بمبنى مفوضية العون الإنساني القريب من المطار. وقد أثار رحيلها موجة حزن عارمة، إذ كانت من أبرز الأصوات التي نقلت معاناة المدنيين من قلب الميدان بشجاعة نادرة. عرمان ومناوي: الحرب يجب أن تنتهي والمصالحة هي الطريق قال ياسر عرمان، رئيس الحركة الشعبية – التيار الثوري، إن معركة الفاشر "الأطول في تاريخ الحروب السودانية منذ توريت 1955"، مضيفًا أن "المدنيين دفعوا الثمن الأكبر". ودعا إلى جعل الفاشر "مدينة خالية من العسكريين بعد المعركة" وفتح الممرات الإنسانية والمضي نحو المصالحة والعفو. أما مني أركو مناوي، حاكم إقليم دارفور، فشدد على أن "سقوط الفاشر لا يعني التفريط في مستقبل دارفور"، مطالبًا بتحقيق دولي مستقل حول الانتهاكات ومصير النازحين. الفاشر.. جرح جديد في جسد الوطن مع سقوط الفاشر، يُخشى أن تدخل دارفور مرحلة أكثر خطورة من العنف والانتقام العرقي، في ظل غياب الدولة وانهيار الخدمات وانقطاع الاتصالات. وتبقى معاناة المدنيين، الذين يفرون حفاة من بيوتهم وسط الدمار، هي الوجه الأكثر قسوة لهذه الحرب التي يبدو أنها لم تقل كلمتها الأخيرة بعد.