تتسارع التطورات في المنطقة مع عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى واجهة المشهد الشرق أوسطي، مثيرًا موجة من التفاعلات السياسية من القدس إلى شرم الشيخ، حيث تداخلت مشاهد الاحتفاء الرمزي مع حراك دبلوماسي محموم قاد إلى مشاركة مفاجئة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في قمة السلام بمدينة شرم الشيخ. وفي وقتٍ كانت فيه عدسات الإعلام تلتقط صور أعضاء الكنيست الإسرائيلي وهم يرتدون القبعات الحمراء التي حملت عبارة "ترامب رئيس السلام"، كانت كواليس أخرى تدور خلف الأبواب المغلقة لتنسج خيوط قرار مفصليّ: حضور نتنياهو إلى مصر بعد وساطة مباشرة من ترامب نفسه. القبعات الحمراء.. دلالة تتجاوز المظهر القبعات التي ارتداها نواب الكنيست لم تكن مجرد زينة بروتوكولية، بل حملت رمزية سياسية واضحة، كما رأت تقارير غربية عدة. فقد أعادت هذه المشاهد للأذهان شعار حملة ترامب الانتخابية "اجعل أمريكا عظيمة مجددًا"، الذي تحوّل في تل أبيب إلى "ترامب رئيس السلام"، في إشارة إلى الامتنان الإسرائيلي لدوره الداعم والمساند في ملفات مفصلية أبرزها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها. وسائل إعلام إسرائيلية وصفت المشهد بأنه "تعبير عن الامتنان والولاء السياسي"، فيما ذهبت بعض التحليلات إلى أبعد من ذلك، معتبرة أن ارتداء القبعات الحمراء داخل قاعة الكنيست كان رسالة رمزية مزدوجة: الأولى موجهة إلى واشنطن لتأكيد عمق العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، والثانية إلى الداخل الإسرائيلي لترسيخ صورة ترامب بوصفه "صديق إسرائيل الأقرب". من تل أبيب إلى شرم الشيخ.. وساطة وُلدت في الليموزين من تل أبيب إلى شرم الشيخ.. وساطة وُلدت في الليموزين وبينما كانت أجواء الاحتفاء تملأ الكنيست، كانت قصة أخرى تتشكل داخل سيارة الليموزين الرئاسية التي أقلّت ترامب ونتنياهو من مطار بن غوريون إلى مبنى البرلمان في القدس. فبحسب ما كشفه موقع "أكسيوس" الأميركي، فإن فكرة مشاركة نتنياهو في قمة شرم الشيخ وُلدت خلال تلك الرحلة القصيرة، حين علم ترامب أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يُدعَ إلى القمة التي كانت مخصصة لبحث تثبيت وقف إطلاق النار في غزة بمشاركة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الفلسطيني محمود عباس. الموقع نقل عن مصدر مطلع قوله إن ترامب، بمجرد معرفته بالأمر، أبدى استغرابه من غياب نتنياهو، وأبلغ مرافقه بأنه "يجب أن يكون هناك". وما إن وصل الركب إلى الكنيست حتى بدأ ترامب باتصالات مباشرة مع الرئيس السيسي، في خطوة وصفتها مصادر أميركية بأنها "وساطة اللحظة الأخيرة" لإعادة نتنياهو إلى طاولة الحوار الإقليمي. السيسي يفتح الباب بعد اتصال ترامب وبعد مشاورات قصيرة، وافق الرئيس السيسي على توجيه الدعوة الرسمية لنتنياهو، الذي أعلن استعداده للحضور فورًا. وبعد ساعات، أصدرت الرئاسة المصرية بيانًا رسميًا أكدت فيه مشاركة كل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي في قمة شرم الشيخ، المخصصة لترسيخ اتفاق وقف الحرب في غزة والتأكيد على الالتزام به. وأكدت مصادر دبلوماسية أن الاتصال الثلاثي بين ترامب والسيسي ونتنياهو لم يكن مجرد تنسيق لوجستي، بل عكس رغبة أمريكية واضحة في تثبيت دور واشنطن كوسيط فاعل في ترتيبات ما بعد الحرب، وتأكيد حضورها في منطقة تتقاطع فيها المصالح الأمنية والسياسية. القناة 12 الإسرائيلية ذكرت أن نتنياهو من المرجح أن يسافر إلى شرم الشيخ على متن الطائرة الخاصة بترامب إسرائيل تقرأ الرسالة.. وترامب يعود إلى المسرح القناة 12 الإسرائيلية ذكرت أن نتنياهو من المرجح أن يسافر إلى شرم الشيخ على متن الطائرة الخاصة بترامب، في مشهد رمزي آخر يعكس التبعية السياسية والود الشخصي بين الزعيمين. ورأت القناة أن هذه الخطوة "تؤكد أن ترامب لا يزال يحتفظ بنفوذه في السياسة الشرق أوسطية، رغم مغادرته البيت الأبيض"، مشيرة إلى أن زيارته لإسرائيل وما تلاها من تحركات دبلوماسية تعيد التذكير بنمط إدارته الشخصية للسياسة الخارجية القائمة على الصفقات المباشرة والعلاقات الفردية. وفي المقابل، اعتبر مراقبون مصريون أن زيارة نتنياهو – إن تمت بالفعل – تمثل تحولًا في طبيعة الاتصالات المصرية–الإسرائيلية في ظل التوترات التي رافقت الحرب الأخيرة في غزة. كما ستشكل فرصة لاختبار إمكانية العودة إلى مسار سياسي أكثر استقرارًا، برعاية أمريكية واضحة. مشهدان.. ورسالة واحدة بين القبعات الحمراء في تل أبيب والاتصالات الدبلوماسية من داخل ليموزين ترامب، تتجسد مشاهد مختلفة لحدث واحد: عودة التأثير الأمريكي إلى المنطقة عبر البوابة الإسرائيلية–المصرية. ففي حين تُظهر الصور احتفاءً رمزيًا بشخص ترامب داخل الكنيست، تُظهر الكواليس السياسية استمرار قدرته على تحريك الخيوط بين العواصم الإقليمية الكبرى. وفي هذا التداخل بين الرمزية والدبلوماسية، وبين الحفاوة السياسية والوساطة العاجلة، تبدو الرسالة الأوضح: ترامب، الذي غادر البيت الأبيض منذ أعوام، لم يغادر بعد "مسرح الشرق الأوسط".