ي الوقت الذي يدعي فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير خارجيته، أنهما نجحا في فك العزلة الدولية عن سياستهما، ويرحبان بموقف الرباعية الدولية لصالح استئناف المفاوضات بين الطرفين من دون تجميد الاستيطان، خرجت الصحافة الإسرائيلية بحملة انتقادات لهما على «سياسة زرع الأوهام»، وحذرت من أن هذه السياسة أعادت قضية الصراع مع الفلسطينيين إلى المربع الأول. واتهمت هذه الصحافة كلا القائدين، الإسرائيلي والفلسطيني (محمود عباس)، بأنهما يتقاسمان المسؤولية عن هذا التراجع نتيجة للخطابين «القتاليين» اللذين ألقياهما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم الجمعة الماضي. وقال الكاتب الصحافي إيتان هابر، المحرر السياسي لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، والذي شغل منصب مدير عام ديوان رئيس الوزراء في عهد حكومة إسحق رابين، أمس الأحد، إن نتنياهو وأبو مازن ظهرا متسلقين على «قمة متسادا (المكان الذي نفذ فيه المقاتلون اليهود انتحارا جماعيا عندما حاصرهم الرومان) وعلى أسوار اسبارطة (رمز سياسة الاقتتال والعيش على الحراب)». وكتب يقول إنه يبدو أن «هذين الرجلين قد أعادانا جميعا إلى المربع الأول، كأن دماء الآلاف من الجانبين لم تسفك، ولم تكن مفاوضات ولم توقع اتفاقيات. لقد أعاد نتنياهو وأبو مازن شعبيهما إلى 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 1947».
أما المراسل السياسي ناحوم بارنيع، موفد «يديعوت أحرونوت» إلى نيويورك، فقد كتب من هناك يقول «إذا افترضنا أن كلا من أبو مازن ونتنياهو صادق، فإن الاستخلاص المتوجب من ذلك هو إغلاق «البسطة» المسماة «عملية السلام»، وأن دولة فلسطين لن تكون، ودولة إسرائيل اليهودية الديمقراطية أيضا لن تكون، بل سيكون هناك خطباء ناريون واستقبالات حماسية وحرب أبدية». وأضاف «هي العودة 18 عاما إلى الخلف إلى ما قبل أوسلو».
وكتبت محررة الشؤون الحزبية في الصحيفة نفسها، سيما كدمون، أن «الشيء الوحيد الذي بدا واضحا من الخطابات في الأممالمتحدة، هو أن سلاما لن يكون هنا في السنوات القريبة أو حتى في عهد الأجيال القادمة، لأن الفلسطينيين يريدون دولة لكنهم غير جاهزين للسلام، والإسرائيليون يريدون سلاما لكنهم غير جاهزين لمنح الفلسطينيين دولة».
وأما الصحافي روني شكيد، مراسل الشؤون الفلسطينية، فكتب في الجريدة ذاتها، أن «الفلسطينيين أعطوا أبو مازن فرصة في إدارة الاستراتيجية الفلسطينية من دون عنف، وهذا سبب الهدوء الأمني الذي ساد الأراضي الفلسطينية في السنوات الأخيرة، ولكن لكي لا نوهم أنفسنا فإن ثقافة المقاومة مغروسة عميقا في المجتمع الفلسطيني. صحيح أنها كانت نائمة في السنوات الأربع الماضية، لكن من شأنها أن تبعث من جديد، ومؤخرا خرجت أصوات من داخل حركة فتح بالذات، تنادي بتجديد العمليات العسكرية داخل أراضي 67 ضد الجيش والمستوطنين».
ويتابع شكيد أنه منذ سنوات العشرينات من القرن الماضي يمر الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بمد وجزر، والمواجهات العنيفة تنفجر كل 6 أو 7 سنوات، وفي الظروف الحالية وفي غياب مبادرة جديدة فإن هذه الفترة ستكون أقصر.
وكتبت صحيفة «هآرتس»، في افتتاحيتها اليومية تقول «لقد بدا وكأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قد عاد في ماكينة الزمن إلى بدايات القرن الماضي، وأن عشرات السنوات من المحادثات قد محيت». وأضافت أنه من حق المتطرفين في الطرفين، على حد قولها، أن يفرحوا لأنه ليس السلام فقط، بل مجرد اللقاء المباشر بين الطرفين صار هدفا، ويبدو بعيدا أيضا.
وفي صحيفة «معاريف»، كتب المحرر السياسي بن كسبيت، أنه «في مسابقة الخطابات التي جرت يوم الجمعة فاز نتنياهو، على الأقل بالنسبة لنا، فهو يجيد الخطابة. صحيح أن الوفد الإسرائيلي هو الوحيد الذي صفق له (ليبرمان بالذات لم يصفق ولو مرة واحدة، قد يكون يعرف شيئا لم نعرفه نحن)، لكن رئيس حكومتنا نتنياهو يعرف منصة الخطابة في الأممالمتحدة أكثر مما يعرف منصة خطابة متسودات زئيف (مقر اللجنة المركزية لحزب الليكود). فهذه ساحته.. هناك ولد وترعرع. بيد أن هناك مشكلة صغيرة هي أنه لم يتغير شيء من وقتها إلى اليوم، الفلسطينيون ما زالوا هنا كي يبقوا إلى الأبد، العالم الإسلامي يغلي من حولنا ولا يبرد، والعزلة الدولية تطبق علينا، ورغم الجولة الناجحة في الأممالمتحدة فإن التحالفات الإقليمية تنهار، ورغم النشوة اللحظية فإن السفينة تستمر في الإبحار باتجاه جبل الجليد».
ويكتب دوف فايسغلاس، الذي كان رئيس طاقم المفاوضات الإسرائيلي سابقا ومديرا لديوان رئيس الوزراء في عهد حكومة آرييل شارون، أن «العالم أعطى إسرائيل فرصة قصيرة زمنيا، للمباشرة في مفاوضات جدية وحقيقية، وإذا ما أضاعت إسرائيل هذه الفرصة أيضا فستكون كارثة سياسية».
الجدير ذكره أن الناطقين بلسان الحكومة الإسرائيلية رأوا أن نتنياهو حقق مكسبا كبيرا بزيارته الأممالمتحدة، حيث إن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ألقى خطابا تاريخيا كان مفاجئا لإسرائيل نفسها بقوة تحيزه، والرباعية الدولية خرجت بنداء إلى الطرفين لاستئناف المفاوضات من دون أن تطرح شرط تجميد البناء الاستيطاني أو شرط إقامة المفاوضات على أساس مرجعية حدود 1967. وفي حديث مع إذاعة الجيش الإسرائيلي، قال وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، أمس، «إنه يجب توجيه الشكر للولايات المتحدة على المساعدة التي قدمتها خلال اقتحام السفارة الإسرائيلية في القاهرة، وعلى خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في الجمعية العامة». وأضاف أنه على إسرائيل أن توافق على اقتراح الرباعية الدولية لتجديد المفاوضات رغم كل التحفظات.
وقد اتهم ليبرمان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بأنه «فر من الأممالمتحدة بعد خطابه فورا، حتى لا يجري مفاوضات».