يستعد البابا تواضروس الثانى بالتزامن مع بداية العام الجديد لحسم عدد من القضايا الشائكة خلال عام 2022، أبرزها الانتهاء من قانون الأحوال الشخصية وخروجه للنور باعتباره الوسيلة الممكنة لحل بعض من مشاكل الأقباط الخاصة بقضايا الزواج والطلاق، كما يضع أمامه ملفا هاما وهو الاختيار الأنسب للسيامات الجديدة لبعض الإيبارشيات والأديرة الخالية والتى لديها سجل عامر من الخلافات والنزاعات، إضافة إلى العمل على حل مشاكل أقباط المهجر التى تمثل صداعا فى رأس البابا تواضروس، وما يتعلق بمشاكل الأساقفة خاصة أن أحدهم متهما فى قضايا فساد وتزوير، وجانب آخر يرتبط بمشاكل حول ممتلكات الكنائس وشكاوى المواطنين بالخارج، أما الجديد هذا العام فهو خروج ملف بناء الكنائس وحظر الصلاة فى إحداها لإرضاء المتشددين.
تبقى مشكلة الأحوال الشخصية، إرث البطاركة من أسلافهم منذ إلغاء لائحة 38 فى عهد الراحل البابا شنودة بعد أن تحولت مشاكل استحالة العشرة والنفور إلى سبب غير كاف للسماح بالطلاق ومنح تصريح بالزواج الثانى وظلت عائلات كاملة عالقة فى قانون لا طلاق إلا لعلة الزنى، البابا تواضروس من جهته تعاطف كثيرًا مع حالات الأزواج ممن توقفت حياتهم وضاع شبابهم فى اللهث وراء سماح الكنيسة لهم بالطلاق ليختاروا لأنفسهم حياة جديدة بلا ضغوط. ورغم هذا كله وارتفاع أعداد المنتظرين فى طابور المنفصلين إلا أن قانون الأحوال الشخصية الذى وصل أخيرًا بعد صياغته بين الكنائس الثلاث إلى وزارة العدل تمهيدًا لمناقشته فى مجلس النواب لكن مواده لم تطال كافة الحالات ولم تتوسع بالشكل الكافى فى أسباب منح الطلاق ورخصة الزواج الثانى إلا أن طول الانتظار وصعوبة تحقيق الهدف وكثرة الحالات يجعل الأقباط يشعرون بحالة رضا عما وصل إليه القانون وفى انتظار خروجه إلى النور ليفكك لغم ما رددته الكنيسة طويلًا «لاطلاق إلا لعلة الزنى» وهنا تنتظر طاولة البابا مناقشات القانون فى مجلس النواب للإسرع بإعلانه رسميًا ونشره فى الجريدة الرسمية.
سؤال هام يطرح نفسه، هل الأقباط فى المهجر اختلفوا عن أبناء الكنيسة فى الداخل حتى يعتقد البعض أنهم صداع دائم؟ وتأتى الإجابة بنعم لتؤكد أن ما يحدث فى الكنائس المصرية بالخارج يمثل صداعًا مزمنًا فى رأس الكنيسة، أما لماذا هم صداع وملف مفتوح بصفة دائمة أمام مكتب البابا، لأنهم ببساطة عاشوا فى مجتمع يؤمن بالحرية ورفض غير المألوف، كما أن بعض الأساقفة حينما يصلون إلى كرسى إيبارشيتهم فى الخارج يعتقدون فى أنفسهم أنهم صاروا أساقفة، لا حسيب ولا رقيب نظرًا لبعد المسافة. ولكن وجود شعب واعى دائم المعارضة على المخالفاة يجعل الصدام دائمًا ومستمرًا، ففى إيبارشية سيدنى بأستراليا حينما تصدى الشعب للأنبا دانييل أسقف إيبارشيتهم، حيث ظن الأخير أنه يستطيع أن يتاجر ويتربح دون أن يناقشه أحد لكن الشعب تصدى له وكشف مخالفاته، كذلك إحدى الإيبارشيات التى وقف أسقفهم وألقى تعاليم مختلفة عن ما تسمح به الكنيسة وجد معارضة له، وفى حالات أخرى أكثر من أسقف باع أو قام باستئجار بعض الكنائس أو جزء منها لحصد بعض الأموال كما حدث فى إحدى الولاياتالأمريكية وقام بتشريد القساوسة بين الكنائس المحيطة وقام الشعب عليه وهتفوا ضده حتى خرج مفزوعًا. الأمر لاينتهى عند رفض ما يحدث فى المهجر لكن النقد يطال كنيستهم فى الداخل حينما يجدون تبديدًا لحقوق إخوتهم فى مصر أو إهمال فى حقوق إخوة الرب «فقراء الأقباط» أو بعض القضايا الأخرى مثل منع الصلاة فى إحدى المناطق، كما كان يحدث بين الحين والآخر فى المنيا، حيث لا يستطيع أحد إسكاتهم، وقد يصل النقد إلى عمق الكنيسة ليطال بعض قرارات المجمع المقدس أو عمل بعض الأسقفيات العامة أو أحد القرارات الخاصة بالكنيسة فى الداخل أو حتى أختيار أحد الأساقفة. إن عملية إرضاء أبناء المهجر خاصة من أبناء الجيل الثانى والثالث ليست بالأمر السهل وتتطلب حلولًا فعلية وحقيقية لما يرونه أخطاء ولا يقبلون بالوعود أو عبارات «ابن الطاعة تحل عليه البركة» التى يستخدمها بعض رجال الكنيسة لإسكات الشعب.
يبدو أن البابا تواضروس سيظل فى مرحلة ترتيب البيت من الداخل، وتبقى عملية تنسيق العمل الإدارى أمرا مهمًا وضروريا له، فهو رجل نظام ويهوى وضع الأمور فى أماكنها المناسبة، ويختار بعناية من يعملون معه فى الأمور الإدارية، ولكن بعضهم يدور الجدل حوله نظرًا لتعامله بشكل بيروقراطى، وتتردد حوله الخلافات والشكاوى لتصل إلى رأس الكنيسة. هذا إلى جانب بعض العاملين فى عدد من الأسقفيات الذين يشنون حروبًا أسفل الحزام لتأتى فى مقتل وتفتعل الصراعات أو تتوقف عند مواقف عابرة وبسيطة لتفتعل منها كارثة قد تنال من سلامة الكنيسة والعقيدة مثل صعود إحدى المكرسات لقراءة أحد المقاطع من الإنجيل فى مناسبة دينية وفى حضور قساوسة تلك الزوبعة التى ظلت تنتشر عبر «السوشيال ميديا» ودفعت الكاهن ورئيسة الدير للاعتذار لإيقاف المتربصين عند حدهم هذه وغيرها تؤكد أن على البابا مراجعة ملفات الأسقفيات بنفسه والتأكد من العامين والمتطوعين فيها والتخلص من مثيرى الشغب ومفتعلى الأزمات.
بعض الأساقفة يمثلون منطقة ملتهبة داخل المجمع المقدس ويتسببون فى خلافات لا داعى لها، هذا ليس داخل المجمع وحده لكن أيضًا فى إيبارشياتهم وفى أى لقاء تلفزيونى قد يحدثون بلبلة أو وقيعة الكنيسة فى غنى عنها سواء فى الداخل أو الخارج حتى أن البابا اضطر العام الماضى أن يوقف برنامجًا تلفزيونيًا على أحد الفضائيات الكنيسة لأحد الأساقفة الشباب ممن قام هو باختياره وسيامته ما يؤكد على خطورة وأهمية اختيار الأسقف وخلفيته الثقافية ومدى وعيه بأهمية منصبه ومساندته للكنيسة، لا أن يرتدى «كوفية» النضال والهتاف فى الميادين بسبب ودون سبب، وتأتى فى المقدمة قلق البابا من اختيار رئيس لدير أبو مقار الذى قتل رئيسه على يد أحد رهبان ديره ونفذ فى الأخير حكم الإعدام من شهور قليلة، ما دفع البابا لإرجاء اختيار رئيس للدير وعدم التسرع كذلك فى اختيار أساقفة الإيبارشيات الملتهبة وعلى رأسها المنيا.