أرشيف الإذاعة المصرية، هو كنز لا يفنى ولا يقدر بثمن، ولكن حُراس الكنز بحسن نية مشوبة بالخوف، لا يملكون الجرأة لفتح خزائن تعود إلى عام 1934 مع بداية البث الرسمى للإذاعة المصرية، والتى أنهت زمن عشوائية الإذاعات الأهلية، داخل الأرشيف لدينا أشرطة مسموح بتداولها، إنها فقط وش القفص، وهى مادة تم بثها عشرات بل مئات وآلاف المرات، هناك ضوء أخضر يسمح بإعادتها وتدويرها، أنا لا أتحدث عن تسجيلات سياسية سواء لرؤساء سابقين أو مسؤولين، ولكن مجرد أغنيات وبرامج وأحاديث لفنانين وأدباء سجلها مبدعونا فى مختلف المجالات، ولم يستعدها أحد. المذيع عادة ينتظر من يسمح له باستخدام هذا المقطع أو ذاك، لا أحد يجرؤ أن يذيع على مسؤوليته، ينتظرون الإشارة التى لا تأتى، ومع الأسف أقول لكم أيضا لن تأتى، عندما نقيّم موظفا، من أجل ترقيته، يسيطر علينا هذا السؤال: كم مرة خالف التعليمات؟، إذا جاءت الإجابة: ولا مرة، يصبح الأمر منتهيا، فهو تنطبق عليه كل الشروط. المسؤول يتم اختياره لأنه لم يمارس فى أى مرحلة من عمره فعل إعمال العقل، يقدس التعليمات التى توارثها من القيادات السابقة، فهى الدستور الذى أقسم على الالتزام به، أتذكر مثلا قبل ثلاث سنوات حلت مئوية الموسيقار الكبير محمد فوزى، تنبهت الشقيقة الجزائر لأنه لحن نشيدها الوطنى (قسمًا) أبدعه فوزى عام 57 أثناء الكفاح المسلح للشعب الجزائرى ضد المستعمر الفرنسى، وفى عام 63 بعد قيام الجمهورية صار هو السلام الوطنى، ولهذا منح الرئيس الجزائرى السابق عبد العزيز بوتفليقة أرفع الأوسمة لفوزى، وأطلق اسمه على معهد الموسيقى، بينما نحن تهربنا، التعليمات لا تنطبق على فوزى، اتصلت وقتها بالمسؤول السابق عن قناة الأغانى الرسمية، قال لى: التعليمات عندى صريحة لا نحتفل بأعياد ميلاد سوى لثلاثة فقط أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم، بينما الآخرون فقط ذكرى الرحيل، قلت: ولكنها مئوية فوزى وليست مجرد عيد ميلاد. جاء الرد المفحم: إنها التعليمات. وكثيرا ما تنتهى المكالمة بتلك المداعبة: يعنى إذا سمعت كلامك واحتفلت ورفتونى، ح تقدر ترجعنى؟. أعلم قطعا أننا قد نصطدم بعقول لا تحمل بداخلها أى قدر من المرونة، وأن من يحمى الموظف فى بلادنا هو التعليمات التى نفذها بدقة، أىّ اجتهاد حتى لو أصاب الهدف سيعاقب بسببه، لأنه لم يطبق القاعدة، رغم أن القاعدة تمنح حتى المجتهد المخطئ أجرا. انظر مثلا إلى الفترات الثابتة التى تُقدم لمطربينا، ماذا لو بحثنا عن تسجيلات أخرى لنفس الأغنية، بعضها فى بروفة والأخرى فى جلسة خاصة وثقها برنامج، لماذا لا نحمل للناس بين الحين والآخر مفاجأة، بدلا من هذا الثبات القاتل، لقد بلغ الأمر أنه يوجد تسجيل على الهواء يسبق (قارئة الفنجان) وعبد الحليم فى معركة مع الجمهور تنال منه، نعرضه كما هو لمجرد أنه مصرح به، كما يوجد تسجيل آخر لموشح (كامل الأوصاف) أخطأ عبد الحليم رغم أنه دارس للموسيقى ومنحه توصيف توشيح، والذى يطلق على نوع من الأغانى الدينية،، لدينا تسجيل لأغنية أم كلثوم (الحب كله) ملىء بالأخطاء، نقدمه كما هو لأنه مصرح به. أنتظر أن يأتى من يؤمن بأن الحركة بركة والسكون جنون، ويفتح الكنز!!. [email protected] المقال: نقلاً عن (المصري اليوم).
