"تحية لك يا حعبي، اخرج من هذه الأرض واحضر لتهب مصر الحياة، إنك تخفي مجيئك في الظلمات، وتغطي أمواهك البساتين، أنت واهب الحياة لكل ظمآن، عندئذ ارتفعت أصوات الأرض مهللة، البطون فرحة وسعيدة، والزهور تهتز من الضحك والأسنان تمضغ". كانت الكلمات السابقة جزء من أنشودة النيل، التي أنشدها قدماء المصريون تعظيمًا للنيل مصدر الحياة. ومن ناحيته قال الدكتور حسين عبد البصير مدير متاحف آثار الإسكندرية في تصريحات إلى الفجر، إن الفكر الديني المصري القديم صور أن روحًا تكمن وراء نهر النيل العظيم، تدفع مياه الفيضان حاملة الخصب، وهي روح الإله "حعبي"، كما جاء في هذا النص من أنشودة النيل: ومثلت الآلهة المصرية القديمة، الحياة المصرية بكل ما بها من حيوية وتفاعل وتناغم، حيث أدرك المصريون أهمية نهر النيل منذ أقدم العصور. اجتهد المصري القديم في ابتكار طرق للإفادة من مياه النيل، وتنظيم الري وحفر الترع لزراعة أكبر مساحة ممكنة من أرض الوادي، حيث كان النيل الأساس الذي اعتمدت عليه الحياة في مصر القديمة. ويٌعد الإله "حعبى" إله النيل عند المصريين القدماء. واعتبروه جالب السعادة. وأطلق المصريون القدماء على نهر النيل في اللغة المصرية القديمة صفة "إيترو عا" وتعني "النهر العظيم". وتشير الأصول اللغوية لكلمة النيل، "نيلوس"، إلى أنها من أصل يوناني. مانع القحط لاحظ المصريون فيضان النيل وانحساره في أوقات مناسبة على نحو يمكن إفادة أرض مصر منها؛ إذ كان يفيض في الصيف والأرض في أشد الحاجة إلى الماء، يغمرها ويجدد حياتها، وكان ينحسر في وقت يناسب الزراعة، فتُبذر الحبوب، فكانت بداية اهتداء المصريين لفكرة التقويم. وارتبطت حياة المصريين القدماء وأقدارهم بنهر النيل منذ القدم. وقاموا بتمجيد النيل؛ لأنه كان إله الخصب والنماء الذي كان يمنع عنهم القحط والجدب. وكانوا يذهبون إلى المعابد كي يقدموا القرابين إن تأخر الفيضان عن موعده السنوي. وأبدى قدماء المصريين احتراما كبيرا لنهر النيل. وذكروا أنه مولود من الإله رع؛ أي أنه ابن أعظم الآلهة المصرية القديمة، ويقترب هذا المعنى مما وجدناه في إحدى البرديات التي تقول: "إنك أيها الراحل في مقام الخلود، سيفيض عليك النيل في مضجعك الأخير أثرًا من بركاته؛ لأن ماءَه آتٍ من أسوان" وكانوا يسمون النهر "إيتِ نترو" أي "أبي الآلهة". وقال هيرودوت: "إن النيل تُعرف بدايته بعد سفر أربعة أشهر، سواء كان ذلك برًّا أو بحرًا، وهي المدة التي كان يستغرقها المسافر في وصوله إلى أسوان" وكان قدماء المصريين يعتقدون أن النيل الذي تروى منه أقاليم الصعيد نيلًا خاصًّا. وأطلقوا عليه "حعبي رسيت"، أي "حعبي الجنوبي"، والنيل الخاص بالدلتا دعوه "حعبي محيت"، أي "حعبي الشمالي". وكانوا يصورون النيل الدلتاوي على شكل رجل في قمة الشباب، ضخم الجسم، ثقيل الكتفين، كبير الثديين، يرتدي رداءً عليه ثمار النيل في الصعيد ولونها أزرق، وكانوا يرسمون تمثال النيل الصعيدي على شكل رجل يرتدي رداءً فوقه ثمار النيل الممثلة الدلتا، ولونها أحمر.