بعد ستة أشهر فقط من افتتاحه وصرف ما يقرب من 175 مليون جنيه على مشروع ترميمه، يعود قصر البارون من جديد ليشعل فتيل الأزمة داخل وزارة الآثار ويبرز تعنت المسئولين بها، وعناد الوزير الدكتور خالد العنانى والذى تجاهل ملاحظات وتحذيرات عشرات الأثريين من طريقة ترميم القصر. فبخلاف الصور التى نُشرت مؤخرا والتى أظهرت حدوث تلف ببعض حوائط البارون وظهور طبقة من الأملاح عليها، حصلت «الفجر» على صور أخرى تشير إلى حدوث تصدع فى بعض الأجزاء بحوائط وسور القصر مما يشير إلى أن ما تم من عملية ترميم للقصر ما هى إلا عملية لإهدار المال العام وإنفاقه فى غير موضعه حيث لم يمض ستة أشهر على افتتاح القصر لتظهر عيوب الحوائط التى تعلوها التشققات وتكسوها الأملاح والرطوبة. أكد أثريون أن طريقة ترميم القصر من البداية تفتقد الأسلوب السليم وتحيد عن جميع أصول الترميم المعهودة ناهيك عن طلاء القصر بلون غير الذى اعتاد المواطنون على مشاهدتها طوال السنوات الماضية، والذى أثار بمفرده حالة جدل واسعة لمخالفته أصول الترميم ويفقد المبنى أثريته، أو من حيث اختيار اللون الذى جاء مثيراً للدهشة والغضب لدى المهتمين بالآثار والتراث بل وخبراء الألوان أيضا. فى المقابل تجاهلت الوزارة كافة التحذيرات وأصرت على استكمال الأعمال كما هى واصفة ما وُجه إليها من انتقادات بأنها أمور تستهدف النيل من نجاحاتها وتعكير صفو الفرحة بهذا المشروع بعد أن شارف على الانتهاء والافتتاح وفقا لتصريحات وزير الآثار وقتها الدكتور خالد العنانى. الدكتور حجاجى إبراهيم، أستاذ الترميم والفنون وعضو اللجنة الدائمة للآثار السابق، قال إن ما يحدث فى قصر البارون هو كارثة بكل ما تحملها الكلمة من معنى، مشيرا إلى أن ما ظهر من نشع وأملاح على حوائط البارون يؤكد أن عملية ترميمه افتقدت لأبسط القواعد المهنية، وأنه لم يتم حتى إصلاح الحوائط ومعالجتها وإنما ما حدث هو عملية طلاء غير مدروسة فقط. وأضاف ل«الفجر»: «مع احترامى للجميع فرغم أن فينيسيا مدينة عائمة إلا أنها لم تشك يوما من المياه الجوفية، بعكس آثارنا التى تعانى بين فنية وأخرى من المياه الجوفية والصرف الصحى والأملاح التى ظهرت بدورها على قصر البارون بعد ستة أشهر فقط من ترميمه». وأشار إلى أن علاج الحوائط من المياه والأملاح له أصوله وأن هناك أكثر من مدرسة فى الترميم تعالج هذا الأمر بطرق مختلفة عجزت وزارة الآثار لدينا عن اتباع أى منها. وتابع: فعلى سبيل المثال فإن مدرسة سنقر السعدى الكائنة ب 31 شارع السيوفية بالحلمية الجديدة سبق وشاركت فى عملية ترميمها عام 1977 مع الإيطالى جوزيف فانفونى وقد كانت تعانى من الأملاح والمياه الجوفية فقمنا فى البداية بعلاج الأملاح بامتصاصها بالطين، وكنا أول من استخدم طريقة قص الحائط بمنشار يتراوح من 30 سم إلى 120 سم، كما استخدمنا شرائح ومونة بلاستيك، ووضعنا مقويات بنسب محددة من البارالويد، وعزلنا الأسقف بالبتومين والجير بنسب مدروسة أيضا، لذلك فحتى الآن لم تصب حوائط المدرسة بالأملاح أو تعانى من مشاكل المياه الجوفية مجددا. ولفت حجاجى إلى أن وزارة الآثار تصم آذانها عن أى صوت غير صوت الموجودين بداخلها، ولم تحاول قط الاستفادة بأى خبرات وأحيانا تستخدم المواد الخاصة بالترميم دون النسب المدروسة أو الطريقة الصحيحة كما سبق وحدث فى مسجد عمرو بن العاص والذى استخدموا فيه مادة البيتومين دون دراسة مما تسبب فى تلف الحوائط. وجدد حجاجى اعتراضه على اللون الذى تم طلاء القصر به قائلا: يشرفنى حصولى على الدكتوراه فى الأحبار والألوان والأصباغ الطبيعية سنة 1982 وأستطيع أن أقول أن اللون الذى تم طلاء البارون به لون كارثى فهو لون ساخن قميئ ليس به أى ذوق وقد جعل القصر يفقد أثريته. وأشار إلى أن التعامل مع قصر نادر كقصر البارون كان سيئ جدًا بداية من تأجير حديقته كصالة أفراح فيما سبق بما لا يليق بقيمته الأثرية أو التراثية وصولًا إلى ترميمه بهذا الشكل الذى أفقده قيمته التاريخية، وهدم أجزاء من السور الأثرى للقصر وهو سور كان يحمل رمزية هامة حيث كان منقوشاً عليه أيقونات ورموز تشير إلى يسوع المسيح.