قامات الإذاعة اليوم عن احدى رائداته والقامة الكبيرة واشهر من قدمت برامج الأطفال الإذاعية، وهي القديرة أبلة فضيلة. "يا ولاد يا ولاد.. تعالوا تعالوا.. عشان نسمع أبلة فضيلة.. راح تحكي لنا حكاية جميلة.. وتسلينا وتهنينا وتذيع لينا كمان أسامينا. حبايبي الحلوين كان يا ما كان يا سعد يا إكرام ولا يحلى الكلام إلا بذكر النبي عليه الصلاة والسلام".. كلمات كان ينتظرها الأطفال مع دقات الساعة التاسعة، لسماعها من الأبلة فضيلة بصوتها المعتاد. كانت طفلة من الطبقة العليا فى ثلاثينيات القرن الماضى، ولدت عام 1929، وكانت تتعلم فى مدرسة حكومية عريقة، وكان زملاؤها جميعًا أبناء أشخاص مرموقين فى المجتمع، وهي شقيقة الفنانة الراحلة محسنة توفيق. اختار لها والدها الدراسة بكلية "الحقوق" بديلًا عن كلية "الآداب" التي كانت تفضلها، لكي تكون بصحبة شقيقها. كانت إحدى زميلاتها هي الملكة ناريمان، وكانت صديقتها المقربة فاتن حمامة، ثم كبرت فضيلة ودخلت كلية الحقوق، وكان زملاؤها أيضًا أشخاصًا مرموقين، ففي دفعتها تخرج الدكتور أسامة الباز والدكتور فتحي سرور وغيرهم. كانت فضيلة لا تحب المحاماة، ولكنها كانت فتاة مطيعة تسمع كلام والديها اللذان كانا يريدان لابنتهما أن تكون محامية كبيرة. التحقت فضيلة توفيق، بالعمل كمحامية في مكتب حامد باشا زكى وزير المواصلات وقتها، وقد كانت فضيلة تتمتع بطيبة قلب شديدة جعلتها تحاول الإصلاح بين طرفى قضية في أول يوم عمل لها، فكافأها القدر على أخلاقها الحسنة، وطردها حامد باشا من مكتبه وأخبرها أنها لا تصلح للمحاماة. في عام 1953 قابلت الرائد الإذاعي بابا شارو، وأعربت عن أملها أن تلتحق بالإذاعة، وبالفعل قدمت أورقها وتم تعيينيها كمذيعة لنشرة الأخبار، حيث تطورت إمكانيتها وخبراتها على يد الإذاعي الكبير حسنى الحديدي، أحد أشهر مذيعي نشرة الأخبار بالإذاعة المصرية. وكان أول أجر لها هو 12 جنيهًا، كان مبلغًا كبيرًا في هذا الوقت، وكانت تضع 4 جنيهات منهم في حصالتها التي تمتلكها منذ كانت صغيرة. اكتسبت شهرتها منذ بداية ستينيات القرن الماضي، عندما اختارها الإذاعي الكبير محمد محمود شعبان "بابا شارو" لتحل محله في تقديم برنامج "غنوة وحدوتة" وذلك بعد انتقاله للعمل في التلفزيون المصري مع بداية بثه الرسمي. رفضت أن يتم تسميتها ب "ماما فضيلة"، وفضلت أن تسمي نفسها "أبلة فضيلة"، لأن كلمة "أبلة" في اللغة التركية تعني "أختنا الكبرى"، وقالت: "مبحبش لقب ماما فضيلة محدش بياخد مكان مامة حد، الأم هي اللي ولدت وتعبت وربت، محدش ياخد منها اللقب، إنما أنا عاوزة أكون أختهم الكبيرة". قدمت في برنامجها الكثير من الأطفال الموهوبين ومنهم صفاء أبو السعود، وهاني شاكر، ومدحت صالح، بالإضافة إلى تقديمها لبرنامج "س وج" الذي كان تدور فكرته حول استضافة شخصية معروفة في كل المجالات لتعطي نصائح للأطفال، لتنمية مهاراتهم واستيعابهم في الحياة. وعبر تقديمها برنامج" غنوة وحدوتة" تحقق حلمها بالعمل على أشهر برنامج للأطفال، بمصر، والوطن العربى، والتى استضافت خلاله شخصيات كثيرة ومن أبرزها، الكاتب الكبير نجيب محفوظ، والروائى أنيس منصور، والدكتور فاروق الباز، والفنان محمد عبد الوهاب، والشاعر كامل الشناوى، والملحن سيد مكاوى، والمطرب عبد الحليم حافظ، والدكتور يحيى الرخاوى، ومن أشهر حكايتها للأطفال، "كوب اللبن"، "بنت الفلاحة"، "الكتكوت الصغير"، "أرنب وتعلب"، "المقشة الصغيرة"، "أبيض وأسود"، "شغل بابا"، "كراسة الرسم"، "القطة مشمشة". كما قدمت برنامج آخر بعنوان "مستقبلى"، استضافت فيه أفضل وأهم الرموز في المجالات المختلفة مثل الطب والحقوق والموسيقي، والتمثيل، وعدد من المطربين والملحنين الكبار، من بينهم موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب. وقالت أبلة فضيلة عن بداية صداقتها مع كوكب الشرق أم كلثوم، أن ابن أخت أم كلثوم كان يعمل مهندس في الإذاعة، فأخبرته الأبلة أنها تحب أم كلثوم جدا، فقام ذلك المهندس باخبار أم كلثوم أن فضيلة تحبها فطلبت منه أن يحضرها لها، لكن "فضيلة" رفضت قائلة: "اللي عاوز يشوفني يجيلي"، ففوجئت بمجيء أم كلثوم في غرفة مدير الإذاعة وقالت لهم: "إندهولي البت بتاعة العيال"، ومن هنا بدأت تربطهم صداقة طيبة، إلى أن مرضت أم كلثوم وطلبت فضيلة من المهندس أن تزورها لكنه رفضت قائلًا: "لو شافتك هتعيط". بعد ما اشتهرت وأصبح صوتها معروفا وقبل شرائها لسيارة خاصة، كان سائقو التاكسي بعد معرفة صوتها يرفضون الحصول على أجرة منها، فكانت تصر وتقول لهم "خدوا الأجرة وهاتوا بيها حاجة حلوة لأولادكم". ظلت تسجل حلقات برنامجها "غنوة وحدوتة" حتى الشهور الأولى من 2007، حصلت على وسام الاستحقاق من رئيس الجمهورية. قالت أبلة فضيلة، في حوار قديم لها، إن العندليب عبدالحليم حافظ قضى ثلاث ساعات مع الأطفال في الاستديو، للتسجيل معهم، متابعة: "أكلنا وشربنا وقعدنا وسمع الولاد وغنى معاهم". عبدالحليم وجد في الغناء للأطفال الأمر السهل الممتنع، فسأله الأطفال عن سبب امتناعه عن الغناء لهم فرد قائلًا: "صعب قوي أعمل حاجة سهلة أوى"، فوعد الأطفال بالغناء لهم. قالت عنه بأنها من قدمت الفنان الراحل عبد الحليم حافظ من خلال برنامج غنوة وحدوتة، لافتة إلى أنها تحبه حبًا شديدًا وتبكي عندما تستمع إلى أغانيه الآن وتتمنى أنه لو كان على قيد الحياة حتى يشاهد حب الناس له، مشيرة إلى أنه كان مجتهدًا في عمله وكان ينفق نصف ما يتحصل عليه على الأطفال على الرغم من حالته المادية وكان يتمتع بالكرم والطيبة. عن رأيها في الرئيس عبدالفتاح السيسي، حيث عاصرت أكثر من رئيس للجمهورية، وقالت إنها عندما شاهدت السيسي قالت إنه "عبد الناصر جديد". وتابعت: "لا أعرف لماذا ذكرني بحبي للراحل عبد الناصر الذي كان يعشق مصريذكرني "السيسي ب"عبد الناصر" كزعيم قوي يعشق بلده، ولا يسيء إليها إطلاقًا، وهو رجل يحب مصر بشكل كبير، ولن يسمح بأي اعتداء عليها. شغلت فضيلة توفيق، منصب مدير عام البرامج الإذاعية للأطفال في الإذاعة المصرية في الفترة من 1970-1980. تزوجت من كبير مهندسى الإذاعة المصرية إبراهيم أبو سريع، وظلت تسجل حلقات برنامجها "غنوة وحدوتة" حتى الشهور الأولى من 2007، وفى نهاية 2014 سافرت لكندا للإقامة مع أبنتها الوحيدة ريم، وتعيش حاليًا مع أحفادها، وقد حصلت مؤخرًا، على الجنسية الكندية.