كثيرون هم الموهوبون الذين يصنعون نجومًا وأعمالًا تبقى بعد رحيلهم، حتى وإن لم ينالوا حظهم من الشهرة والمال والأضواء. ومن هؤلاء حسن أبو عتمان، أحد أهم شعراء الأغنية الشعبية الذي ربما لا يعرف الكثيرون اسمه حتى وإن كانوا يرددون كلماته وأغانيه. حسن أبوعتمان مؤلف أهم الأغانى الشعبية وأكثرها نجاحًا وانتشارًا واحد من هؤلاء الذين ساهموا في نجاح وتألق نجوم الأغنية الشعبية، ومنهم محمد رشدي، وأحمد عدوية، ولحن كلماته كبار الملحنين مثل كمال الطويل، وبليغ حمدي، وحلمى بكر. ولد حسن أبو عتمان، 15 يوليو 1929 في مدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية دخل المدرسة حتى المرحلة السادسة الابتدائى لكنه أصيب بسحابة بيضاء في عينه مما جعل الأهل في ظل عدم وجود تقدم طبى يصرون على إخراجه من المدرسة. وفي سن الرابعة عشرة عمل موظفا في شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، وكان وقتها يكتب الأزجال إضافة إلى نشاطه الفنى الواضح في مسرح الشركة التي استمر بها لمدة 10 سنوات ثم تركها ليفتتح صالون حلاقة خاصًا به. كان سعيدًا بمحل الحلاقة الذي افتتحه خاصة بعد أن أصبح المحل الأشهر في الحلاقة على مستوى المحلة الكبرى. كما قال إن الحلاقة كانت تشعره بأنه فنان يرسم لوحة لوجه إنسان أي أنه لم يتخذ من مهنة الحلاقة وسيلة لكسب الرزق فقط بل كان يتخذها مهنة يحبها حتى أنه كان يتمنى أن يتم إقامة مسابقات عن الحلاقة لإحساسه بأنه سيتفوق فيها لأنه وصل إلى درجة احترافية جعلته مشهورًا في هذا المجال في المحلة الكبرى بأكملها. عاش فترة طويلة في المحلة الكبرى منذ ولادته عام 1929 إلى أن انتقل إلى القاهرة عام 1964 ليستقر في حى شعبى في عزبة "أبو قتادة" تحت كوبرى فيصل وترك أبناءه مع زوجته ليعيشوا في بيت الجد في المحلة الكبرى وكان يزورهم في فترات متقطعة حتى عام 1974. بعد أن استقر حاله في القاهرة فقرر بعد 10 سنوات أن يصطحبهم معه للإقامة في شقة متواضعة للغاية بشارع النويش بالجيزة، وكان متواضعًا بالدرجة التي جعلته يفضل العيش في هذه الشقة رغم أنه كان يستطيع أن يقيم في شقة مرفهة، وكان كثيرون يعرضون عليه ذلك من بينهم صديقه صاحب شركة صوت الحب عاطف منتصر. أولى الأغنيات التي كتبها في بداياته الفنية كانت أغنية "بنت الحلال"، بعدها جاءت بداياته الحقيقية مع المطرب محمد رشدي من خلال أغنية "عرباوى" التي لحنها الموسيقار حلمي بكر. بعدها كتب للمطرب محمد رشدى عددًا من الأغانى منها "حسن ونعيمة" و"عشرية" و" الله فرحنالك يا وله" وغيرها من المواويل في سيرة ادهم الشرقاوي، واستمر عمله مع رشدى لمدة عشر سنوات منذ بداية الستينيات وحتى السبعينيات. بعدها بدأ يكتب لأحمد عدوية الذي كان يعمل عازف رق في إحدى الفرق المتخصصة في إحياء الأفراح الشعبية، ولعب القدر دوره في غياب مطرب فرقته فتم الاستعانة وقتها بعدوية ليبدأ مشواره الفني مع الغناء بعد أن حدثت صداقة وطيدة بينه وبين حسن أبو عتمان، الذي وجده في أحد الأفراح الشعبية يقوم بغناء " السح الدح إمبو" للريس بيرة. بدأ العمل مع الثلاثى المطرب أحمد عدوية، والمنتج عاطف منتصر، وعازف الأكورديون محمد عصفور، الذي قام بتلحين أغنية "سلامتها أم حسن" التي حققت نجاحًا مدويًا وغير مسبوق. بعدها انطلق في عالم كتابة الأغنية الشعبية فكتب لعدوية العديد من الأغانى الناجحة منها أغنية "كله على كله" و"زحمة يا دنيا زحمة" و"يا بنت السلطان" و"يا ليل يا باشا" و"كراكشنجي"، وغيرها من الأغاني التي وضعت المطرب أحمد عدوية في صفوف أشهر مطربي الأغنية الشعبية، 97% من أغاني عدوية كانت من تأليف حسن أبو عتمان. ومنالمواقف الصعبة في حياة الشاعر حسن أبو عتمان، كانت حالة الحزن الشديد سيطرت عليه بعد حادثة عدوية الشهيرة التي منعته فترة من الزمن من الغناء إضافة إلى حالة الاكتئاب التي ظلت مسيطرة عليه منذ بداية الثمانينيات وتحديدًا عام 84 حتى أنه امتنع عن بيع أغانيه التي بلغت 77 أغنية لم يتم غناؤها بعد، وكان يكتفى بكتابتها والاحتفاظ بها ومنها أغنية "يا أم الحجاب" و"دنيا مريضة وعايزة علاج" وغيرهما من الأغاني. أكثر ما كان يسعده عندما يكتب أغنية جديدة وتحقق نجاحًا كبيرًا، لكنه كان يحزن أوقاتًا كثيرة لأنه لم يحصل على حقه من الشهرة بقدر شهرة أغانيه. كما أن منع المطرب الشعبى أحمد عدوية من الغناء في الإذاعة والتليفزيون كان يقلل من نجاح هذه الأغاني مما يجعله يشعر بحالة من الاكتئاب جعلته يمتنع عن الكتابة في بداية الثمانينيات. تزوج حسن أبو عتمان، مرة واحدة وأنجب ولدين هم محمد وكريم وبنت واحدة هي أخلاق، أختار هذا الاسم لرغبته في أن يكون لها اسم جديد وغير متداول إضافة إلى حبه الشديد لوالدتها التي كان يريد الجميع أن ينادونها ب"أم أخلاق". عانى كثيرًا من الهجوم الذي كانت تتعرض له أغانيه لكنه كان على قناعة كبيرة بأن الجمهور سيعرف يومًا ما قيمة الأغانى التي كان يكتبها. لم يكتف بكتابة الأغنية الشعبية لكنه كتب الأغنية الوطنية أيضا، فبعد جلاء القوات البريطانية عن مصر كتب أغنية "يوم المنى" التي لحنها عبد العظيم عبد الحق، وغنتها عائشة حسن. كتب عام 1950 أغنية دينية وطنية أثناء حرب الفدائيين المصريين ضد الاستعمار البريطانى بعنوان "بنعبدك يا عظيم الجاه" للمطرب عباس البليدى، الذي لحنها وقدمها للإذاعة وكان يقول مطلعها "بنعبدك يا عظيم الجاه.. ومنين هتهزمنا العاصيين، وأمتك يا رسول الله.. محال حيحكمها عدويين" ثم قدم مع نفس المطرب أغنية "صانع الكاسات". وأجرت وزارة الإرشاد "وزارة الثقافة حاليًا" مسابقة حصل خلالها على ثلاث جوائز تقديرية في الزجل منها شهادة وقع عليها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وبعدها استمر في الكتابة للإذاعة لكن إنتاجه كان قليلًا لابتعاده عن القاهرة وقتها. لم يكتف بكتابة كل هذه النوعية من الألوان الغنائية فكتب أوبريتات غنائية من ضمنها أوبربت "العودة" لكنه لم يظهر رغم أنه كان مكتوبًا بجميع اللهجات العربية. رحل عن عالمنا حسن أبو عتمان، 19 يونيو عام 1990 عن عمر يناهز 61 عامًا، في مستشفى الهرم بسبب مرض الشعب الهوائية بالصدر وقبل وفاته بساعة واحدة قال لأبنه "ماكنش العشم يا دنيا أشوف الذل بعنيا".. فقال له " ليه كده".. قال " كدة خلاص" فقال له "تعالى قوم علشان تنام" ليرد عليه: " أنام أنا.. إزاى أنام.. وفين أهرب من الأيام ده أنا لو يوم غلبنى النوم.. بأكون آخر عيون بتنام" ثم توفى بعد ساعة.