كنت قد قرأت عدة تقارير وافادات لبعضا من الخبراء الاستراتيجيين الامريكان بخصوص الاوضاع فى مصر ومدى تأثيرها على المصالح الامريكية فى الشرق الاوسط عامة وبمصر خاصة حيث ان سقوط نظام مبارك وان لم يسقط "فعليا" قد وجه ضربة قوية للمصالح الامريكية فى المنطقة وقد كانت المخاوف الامريكيةوالغربية ايضا وان كانت اقل حده، من تكرار تجربة حماس فى الانتخابات فى العام 2006 ، وقد شكل صدمة للغرب من فوز الاسلاميين بالانتخابات وقد خرج الغرب بنتيجة مفاداها فى حال ضمان نزاهة الانتخابات بفعل الضغط على الانظمة المستبدة فى الشرق الاوسط فأنها قد تأتي بنسبة كبيرة من الاسلاميين للحكم وبالتالي تهديد المصالح الامريكية فى المنطقة وهذا ما لا تريده الادارة الامريكية ومن ثم خفت الضغوطات على الانظمة القمعية فى الشرق الاوسط حتى لا تتكرر التجربة من جديد سقوط مبارك ودراسة اوضاع : بعد السقوط المدوي للنظام وقد استطاع الشعب ان يعبر عن رغاباته واماله اخيرا اصابت السياسة الامريكية حالة من الترقب والحذر وعدم ابداء اى فعل من شأنه دعم فصيل او تيار دون اخر حيث ان الرؤية لم تتضح بعد امامها على الرغم من انتقاد الكثير من الخبراء الامريكان لهذه السياسة "لانها تمثل ضياع للوقت وفى نفس الوقت تترك اوراق اللعبة فى ايدي الاخرين لا في يدها" ولكنها دعمت التيار الليبرالي وان كان بحذر آمله فى خروج التجربة المصرية من القالب الاسلامي وكيف لا وهي تعرف توجهات التيار الاسلامي تجاهها وتجاه صنيعتها اسرائيل ومن الاتفاقات المبرمة بين مصر واسرائيل وتعرف جيدا انها سوف تكون النغمة الاكثر تداولا من جانب هذا التيار لكسب الشارع دون ابداء برامج حقيقية او خطط تنموية للفترة القادمة بمصر، وبصرف النظر عن الضمانات التى اخذتها الادارة الامريكية من المجلس العسكري والتأكيد على مدنية الدولة الا انه بقليل من الذكاء سنعرف ان التيار الاسلامي هو القوة الفاعلة فى الحياة السياسية بمصر وقد علمت الادارة الامريكية هذا ووعته جيدا ولم تغلق قنوات الاتصال تماما مع جماعة الاخوان وان كانت تدعم التيار الليبرالي الا انها تعرف جيدا عدم نضجه بعد وعدم وجود شعبية له بالشارع المصري الا فى نطاق ضيق ليشمل طبقة معينة كالمثقفيين مثلا وعدم وجود ارتباط حقيقي بين هذه النخب وبين الشارع ، وان الحالة الثقافية والوعي السياسي للشعب المصري ليس فى هذه المرحلة مهيأ لتقبل الافكار الليبرالية او القيم الديموقراطية بعد، فخروج الشعب بعد اكثر من 60 عاما من الخرس السياسي وجمود المشاركة الفعلية للشعب فى الحياة السياسية ليس معناه اكتمال الوعي السياسي لهذا الشعب بعد لذلك الادارة تعلم انها تدعم تيارا تأثيره ضعيفا فى هذه المرحلة ، وان كان صنع حالة من الحراك السياسي الا انها تعرف اللعبة جيدا وتعرف ان ادوات اللعبة فى يد العسكر والاسلاميين فى هذه المرحلة ،لذلك سعت الادراة لضرورة التأكد من التزام العسكر بالاتفاقات المبرمة بين مصر والولاياتالمتحدة من جهة ، وبين مصر وبين اسرائيل من جهة اخري والتأكيد على ضمان العسكر فى صف المصالح الامريكية جيدا لتتفرغ الادارة للتيار الاسلامي والتعامل الحذر معه مع العلم بقوته الحالية ومحاولة تسيسه وآخذ الضمانات منه على عدم الاضرار بمصالحها ، وقد خرج اكثر من تصريح بضرورة من جانب الادارة الامريكية وابرزهم وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بالانفتاح على الجماعات الاسلامية المعتدلة كجماعة الاخوان المسلمون خاصة فى عدم وجود بديلا للانظمة القمعية التى سقطت وهى تعي هذا جيدا منذ اكثر من ست سنوات الا انها تعرف جيدا ان الدول المتحالفة معها فى الشرق الاوسط سوف تتحول قريبا لنظم يحكمها اسلامييون بعد سقوط حلفائها من الحكام العرب ، فقد جاء نقلا عن روبرت ستالوف المدير التنفيذي لمعهد واشنطن فى مقاله " مصر، استراتيجية الولاياتالمتحدة، والتعاطي مع جماعة الإخوان المسلمين" بتاريخ 30 يونيو 2011: " أكدت اليوم وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أن إدارة اوباما قد خوّلت إجراء "اتصالات محدودة" مع جماعة الإخوان المسلمين المصرية. وفي الواقع، هذه ليست أخبار [جديدة]. فقد تعاطت الولاياتالمتحدة في الماضي مع أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين، عندما كان ممثلو الجماعة أعضاء في البرلمان. وقد تلاشى الوقت المناسب لتلك المظلة السياسية من ناحية الاتصال مع جماعة الإخوان المسلمين في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، عندما أسفر تلعثم نظام مبارك في إصلاح الانتخابات البرلمانية عن عدم فوز أي مرشح من قبل المعارضة بمقعد في البرلمان. لكن بعد سقوط مبارك بقليل أكد مسؤولون أمريكيون كبار بصورة سرية بأنه قد تم تغيير هذه السياسة للسماح بالتعاطي المباشر مع المسؤولين في جماعة الإخوان المسلمين، على الرغم من أنهم لم يقوموا بذلك من باب الدعاية لعملية التحول"
الا ان الادارة الامريكية سوف يكون تعاملها مشروطا مع هذه الجماعات بعد اخذ الضمانات الكافية منها مثل: احترام واستمرار اتفاقية كامب ديفيد مشاركة الولاياتالمتحدة فى حربها على الارهاب تأمين مصالح الولاياتالمتحدة فى مصر تأمين قناة السويس واستمرار الملاحة بها عدم دعم الجماعات الارهابية كحماس وحزب الله احترام الاقليات وعدم المساس بحقوقهم دعم الحريات بمصر
هذا الى جانب استمرار الادارة فى دعم التيارات الليبرالية واستمرار دعم منظمات المجتمع المدني من اجل التأكد من تحول المرحلة الراهنة شيئا فشيئا لمرحلة اكثر نضوجا تستطيع فيها تطبيق قيم المواطنة والديموقراطية
الاخوان وادراك قواعد اللعبة : منذ سقوط الحزب الوطني العدو الاول للاخوان المسلمين بمصر وهو الخصم الاكثر فاعلية فى الحياة السياسية بمصر سابقا فهو مدعوما من جانب النظام ومعبرا عنه الى جانب استخدام النظام للجماعة نفسها كفزاعة للغرب فى حال تمكنهم من الحكم ومن ثم حينما بدأت الدعوات الامريكية المطالبة بتطبيق الديموقراطية ومشاركة كافة القوي الاخري فى الحياة السياسية بمصر دون اى قمع من النظام وآتى نجاح الاخوان فى اقتناص 88 مقعدا بمجلس الشعب على الرغم من المضايقات الامنية لهم الا ان النظام كان مضطرا ان يسمح بدخول الاخوان للعبة السياسية رسميا وكان اشبة بالاعتراف الرسمي بهم وان اسماهم نجل الرئيس السابق جمال مبارك "بالمحظورة" فى كافة المؤتمرات وجلسات الحزب وجمعية جيل المستقبل "ساخرا" منهم، وقد ادركت الجماعة الوضع جيدا وارادت الاستفادة منه خاصة وان هذه التسهيلات ليست بالسهولة ان تتكرر مرة اخرى وقد دعمت وجودها فى الشارع رافعه شعاراتها "كالاسلام هو الحل" و"عايشين معاكم" ، على الجانب الاخر نجد ان النظام قد استفاد ايضا من نجاح انتخابات حركة حماس امام حركة فتح مسجلا قاعدة مفاداها ان اى انتخاب نزية يقابلها نجاح تيار اسلامي كحزب الله او حركة حماس معارضا للادارة الامريكية ولوجود الكيان الصهيوني مما يآذى المصالح الغربية والاسرائيلية فى الشرق الاوسط ، وبالفعل اتت انتخابات 2010 والمجلس خال من الاخوان والتيار الاسلامي مع وجود تغاضى متعمد من الادارة الامريكية عن تطبيق الديموقراطية فى مصر خوفا من تكرار تجربة حماس مرة اخري بمصر وسقط النظام ومعه الحزب الوطنى الشاغل الاكبر للحياة السياسية بمصر فقد توغل فى كافة انشطة الحياة السياسية وقد شكل هذا السقوط فراغا كبيرا لتتصدر الجماعة المشهد السياسي معلنة عن قوتها الكبيرة والبديلة عن الحزب ان لم تكن اقوي بكثيرا منه فهي تملك آليات الحشد والتعبئة وتملك من المقومات الاساسية لكسب الشارع فهى تملك المال والشباب والتنظيم الجيد والادارة الحازمة الى جانب الخطاب الديني المؤثر على قطاعات كبيرة من فئات الشعب خاصة من البسطاء وذوي التعليم المتوسط الى جانب التأثير على قطاعات هامة كالنقابات والتي كانت الاداة القوية فى مناهضة النظام السابق ، وقد عملت منذ قيام الثورة على سياسة التحالفات وكان اول تحالفتها مع المجلس العسكري ودعمه وقد جاء هذا واضحا فى التعديلات الدستورية والتشديد على دور المجلس العسكري واهميته الى جانب التحالف القائم مع التيار السلفي من اجل خلق كتلة اسلامية فى مواجهة التيار الليبرالي وقد استفادت من عدم شعبية هذا التيار كثيرا ومن عدم قوة تأثير خطابه وقد تحالفت مع عدة احزاب وتيارات مختلفة ليبرالية او ناصرية اواشتراكية على الرغم من الاختلاف الواضح فى التوجهات والايدولوجيات الا ان التحالف هنا من اجل التأكد من حسم الانتخابات لصالح الاخوان ، وقد بدأت الجماعة فى الحشد والتنسيق بكافة محافظات الجمهورية استعدادا للانتخابات القادمة ، وامتدت تأثير الجماعة الى مرشحي الرئاسة نفسهم كاعتراف ضمني بقوة الجماعة وتاثيرها لما لا وقد اصبح كل مرشح رئاسي لابد وان يمر بمركز الارشاد من اجل التأكيد على مدي التوافق بين المرشح وبين الجماعة من جهة اخري فهو يعرف جيدا ان الجماعة ستكون الفيصل فى نجاح هذا المرشح او ذاك ، وقد اتخذت الجماعة سياسة النفس الطويل مع التيارات الليبرالية فهناك الخطب والندوات فى كافة انحاء الجمهورية والتى تقلل كل مدي من قوة التيارات الليبرالية الى جانب الدعم الكامل للمجلس العسكري والتشديد على الاسراع فى اقامة الانتخابات فى اسرع فرصة ممكنة كل هذه الخطوات تقرب من تصدر الجماعة للمشهد السياسي مدركة لحاجة الولاياتالمتحدة لشريك قوي بمصر يخلف نظام مبارك وان الغرب ليس امامه سوى الاعتراف بهم كقوة سياسية كبيرة فى مصر