يبدو إن محافظة المنوفية قد اختارها القدر لتكون الساحة التي ستتنافس فوق أراضيها اقوي التيارات السياسية في مصر بعد الثورة. فبفضل التاريخ الطويل للمنوفية مع عالم السياسة منذ أيام عبد العزيز باشا فهمي وعوني باشا الجزار رفاق سعد زغلول في ثورة 1919 وما تلاه من تواجد قوي لعمالقة السياسة المنايفة أمثال عائلة البغدادي وعائلة العطار وعبد المحسن ابو النور وحسين الشافعي في مجلس قيادة ثورة يوليو بالاضافة الي انور السادات وحسني مبارك رؤساء مصر السابقين فضلا عن كمال الشاذلي وخليفته احمد عز في الحزب الحاكم بعد الثورة ، بفضل هذا التاريخ الطويل للمنايفة في عالم السياسة بات أهل المنوفية في أغلبيتهم مسيسين ومدركين لقواعد اللعبة السياسية.
وحيث ان مصر بعد الثورة باتت ساحة لتنافس القوي السياسية التي تصطف من أقصي اليمين حيث السلفيون ثم الأخوان إلي أقصي اليسار حيث اليساريون والعلمانيون مرورا بفلول الوطني ممثلين في حزب مصر القومي وحزب المصريين الأحرار بالمنوفية، وحيث إن التنافس السياسي قد بدا يشهد محاولات الليبراليين لجذب قوة الصوفيين إلي جانبهم لعمل توازن عددي وديني مع السلفيين والإخوان، فقد بدأت ملامح ومظاهر هذه اللعبة تظهر بوضوح وقوة في المنوفية وخاصة في اليوم الأول من أيام عيد الفطر المبارك الذي كانت ساحات الصلاة فيه عبارة عن ساحات مفتوحة وبروفة ممهدة للصراعات الحقيقية التي ستظهر بقوة أيام الانتخابات البرلمانية القادمة. وقد تناولت الفجر في تقريرها حول تغطية أحداث صلاة العيد بالمنوفية لمحة من هذا الصراع الذي اشتعل بين الإخوان والسلفيين من جانب متوحدين ضد الصوفيين وأنصار ألبرادعي من جانب آخر.
ولكن هناك حادث آخر وقع مساء يوم عيد الفطر حين تم هدم ضريح سيدي منصور أبو علي بقرية اصطباري بمركز شبين الكوم. المثير في الخبر ليس هدم الضريح فقد تم هدم عشرات الأضرحة التي يحترمها الصوفية بالمنوفية منذ اندلاع الثورة وحتي الان لكن المثير في الخبر هو ان هذا الضريح بالذات تابع للطريقة الصوفية البرهامية التي يتواجد شيخها في قرية اصطباري نفسها والتي ينتشر بها عدد كبير من أتباع الطريقة المنتشرين في هذه القرية وعدد من القرى المجاورة لها مثل ميت خلف والدالاتون والراهب وميت مسعود ويزيد عدد الصوفية بهذه القرى علي العشرين ألف عضو منتسب للطريقة البرهامية وحدها بخلاف أتباع باقي الطرق الصوفية مثل الرفاعية والاحمدية البدوية وغيرها.
وتكمن الإثارة هنا في أن هدم هذا الضريح في هذا المكان وفي هذا التوقيت برسل رسالة قوية إلي الصوفية إن أيامهم في المنوفية معدودة في ظل تصاعد قوة السلفيين والإخوان واتحادهما معا يدا بيد ضد جميع القوي السياسية الاخري.
وقد علمت الفجر إن مشايخ الطرق الصوفية بالمنوفية قرروا عقد اجتماع عاجل لمناقشة كيفية رد الصوفيين علي حوادث هدم الأضرحة خاصة وان المنوفية من أكثر المحافظات التي يوجد بها أضرحة ومقامات لآل البيت وأولياء الله الصالحين.
وفي هذا الإطار صرح الشيخ جابر قاسم، وكيل مشيخة الطرق الصوفية ، بأن نحو 14 ضريحا لأل البيت في المنوفية قد تعرضت لاعتداءات بعد ثورة يناير، بخلاف أضرحة الشهداء ويقدر عددهم ب40 ضريحا بالمنوفية وطالب وكيل المشيخة بتدخل المجلس العسكري لوقف الاعتداءات على الأضرحة، واحترام جميع العقائد، مشيرا إلى أن من يقدم على هدم الأضرحة يعتبر الطرق الصوفية مشركين وكفارا، ولا بد من هدم أضرحتهم مؤكدا أن اللجوء للعنف سيكون له عواقب وخيمة وحذر الشيخ من وقوع مصر في فتنة كبرى وحرب أهلية لا أحد يعرف عواقبها، بحسب قوله، في حالة الاستمرار في هدم الأضرحة بدعوى الشرك والتكفير، مشيرا إلى وجود أدلة كثيرة تدل على عدم الشرك مستدلا بقوله تعالى من سورة الكهف: «قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا»، موضحا أن الآية صريحة للغاية وتشير إلى احترام وتقدير أولياء الله الصالحين وآل البيت وقال إنه عرض منذ عام 2007 الحوار والمناظرة أكثر من مرة على علماء وقيادات السلفية، على أن تتم تحت مظلة الأزهر، وأن علماء السلفية هم من رفضوا إجراء الحوار و تحججوا بأن الأزهر مكان غير محايد ولا يقبلون برأي شيوخ الأزهر في هذه القضية وهو ما يوضح أيضا رأي السلفيين الحقيقي في الأزهر ورجاله الذين لا يعترفون بهم ولا يأبهون لفتاواهم الدينية