اتفاق سري بين الأطباء وإدارات المستشفيات يُحمّل المريض أضعاف أسعار الجراحة عالم الأطباء والمستشفيات مليء بالكثير من الكواليس، خاصة فيما يتعلق بالمعاملات المالية للعمليات الجراحية التى يجريها هؤلاء لبعض الحالات الخاصة، حتى وصل الأمر إلى تأجير غرف العمليات داخل المستشفيات الحكومية والخاصة على حد سواء ب«الساعة». يبدأ الأمر بلجوء أحد المرضى إلى طبيب ما، فيتفق الأخير مع الأول على إجراء جراحة له، مقابل مبلغ مالى محدد، ولكن لأن عيادته الخاصة ليست مجهزة لإجراء تلك الجراحة على الوجه الأكمل يقنع المريض بدفع مستحقاته بالإضافة إلى دفع إيجار غرفة عمليات بأحد المستشفيات. «الفجر» تتبعت خيوط القصة من بدايتها عبر ثلاثة محاور رئيسية، أولها: إننا لجأنا لبعض الأطباء لسؤالهم عن الأمر وحقيقة «الصفقة» وكواليسها، وثانيها: إننا تواصلنا مع أحد الأطباء كمرضى لرصد تعامله مع من يلجأ إليه، أما الثالث: فكان ادعاءنا بأننا أطباء نرغب فى تأجير غرفة عمليات داخل أحد المستشفيات، وبالفعل تواصلنا مع أحدها لرصد رد فعل مسئوليه وكيف يتم التعامل مع كل حالة على حدة. وقال أحد الأطباء ل«الفجر»، إن المريض عندما يدخل مستشفى حكومى يجب أن يكون له معاملة مالية، بمعنى أن تكون هناك جهة ما تغطى تكاليف العملية التى سيجريها مثل وزارة الصحة إذا صدر له قرار بالعلاج على نفقة الدولة، أو أن يكون للمريض تأمين صحى أو أن يتحمل المريض التكاليف كاملة، إذا لم تنطبق عليه الشروط السابقة. وأضاف: «ثم يحضر المستشفى طبيبًا متعاقدا معها لإجراء العملية للمريض، ولكن فى هذه الحالة فإن المبلغ الذى دفعه المريض يذهب إلى خزينة المستشفى مباشرة، قبل منحها للطبيب أجره بموجب العقد المبرم بينهما، أما فى الحالة الأخرى يذهب المريض إلى الطبيب فى عيادته الخاصة وبعد الكشف عليه يقرر الأخير إجراء عملية للأول إما فى مستشفى حكومى أو خاص، على حسب تعاملات الطبيب». وفى هذه الحالة يدفع المريض تكاليف العملية كاملة إلى الطبيب، الذى يتكفل بدوره بحساب المستشفى، مقابل تأجير غرفة العمليات والمستلزمات وطبيب التخدير، وهذا الأمر متعارف عليه فى كل المستشفيات الحكومية والخاصة. وأوضح الطبيب: «فى حالات عمليات الشبكية يأخذ الطبيب من المريض 20 ألف جنيه، إذا كان صغيرًا فى المهنة، وهى تكاليف العملية بالكامل، ويدفع الطبيب للمستشفى 5 آلاف جنيه للمستشفى الحكومى، وإذا كان طبيبا له اسم ومعروف تتكلف العملية من 50 إلى 60 ألف جنيه، ولكن الأطباء الكبار لا يجرون العمليات فى المستشفيات الحكومية بل يفضلون المستشفيات الخاصة، لأنها أفضل وتكون معظم المستلزمات جديدة». وفى هذه الحالة يدفع الطبيب للمستشفى 13 ألف جنيه تقريبا، وهذا يكون شاملا المستلزمات وفتح غرفة العمليات ودكتور التخدير، إلا أن هذه المبالغ ليست شاملة الإقامة وإذا أخذت العملية أكثر من الوقت المحدد لها فحساب فتح غرفة العمليات يزيد على المبلغ المحدد، لأنه بذلك أخر مريضا آخر كان سيجرى عملية بعده، وكل ذلك يتحمله المريض دون غيره. وقالت إحدى طبيبات النساء والتوليد، إن بعض المستشفيات الحكومية تسمح باستقبال حالات خاصة تابعة للطبيب، ويدفع الطبيب للمستشفى 650 جنيها مستلزمات العملية وفتح غرفة العمليات، وذلك فى حالات الولادة القيصرية، أما إذا أجرى الطبيب العملية فى مستشفى خاص ففتح غرفة العمليات يتراوح ما بين 500 إلى 1000 جنيه، وذلك على حسب المستشفى نفسه والمستلزمات تكون على حسب كل طبيب، وتتراوح أسعارها من 300 جنيه إلى 1500 جنيه، بالإضافة إلى سعر طبيب التخدير. وبعد الحديث مع الأطباء، تواصلنا مع هيام، فتاة ثلاثينية، روت لنا حكايتها مع أحد الأطباء المشهورين فى مجال الجراحة ويدعى «ع.م»، والتى بدأت بلجوئها إلى الكشف عند ذلك الطبيب بعيادته الخاصة، لأنها كانت تعانى من وجود تكيسات على المبيض، وبالرغم من أن حالتها كانت لا تستدعى استئصالا للمبيض – حسب حديثها- إلا أن الطبيب أقنعها بأن تجرى العملية، وبالفعل قامت بالاتفاق معه أن العملية ستتم فى مستشفى الزراعيين. وأضافت هيام، أن الطبيب كان دائم التحذير لها فى تلك الأحيان ألا تتعامل ماديًا مع إدارة المستشفى، لأنه الوحيد المخول له بأن يتواصل مع الإدارة، فيما يخص تكاليف العملية التى حدد قيمتها ب25 ألف جنيه، وكانت حجته أنه متعاقد مع المستشفى لإجراء مثل تلك العمليات، والإدارة عندما يكون الطبيب لا يعمل لديها فى المستشفى، تتعامل معه مباشرة وليس مع المريض، فدفعت له كافة التكاليف وأجرت العملية وظلت بالمستشفى يوما واحدا ثم خرجت فى صباح اليوم الثانى. ولمعرفة بنود التعاقد السرى الذى أجراه هذا الطبيب مع مستشفى الزراعيين، تواصلنا مع إدارة المستشفى، بداعى أننا تفاوضنا مع الطبيب «ع.م» ليجرى لنا العملية مقابل مبلغ كبير، وأننا نريد معرفة التكاليف التى تتقاضها المستشفى من الطبيب كى نعرف هل المبلغ الذى اتفق معنا الطبيب عليه مبالغ فيه أم لا، فقال لنا موظف الحسابات إن المستشفى عندما يتعاقد مع هذا الطبيب يتقاضى منه على العملية الواحدة 3500 جنيه، منوهًا إلى أن إدارة المستشفى فى تلك الحالات لا تتعامل مع المريض فى الأمور المالية بينما تتعامل مع الطبيب مباشرة، موضحا أن المستشفى يجرى عملية اسئصال مبيض ب9 آلاف جنيه، بشرط أن يكون الطبيب عاملا لديها. وفيما يخص عمليات القلب، تواصلنا مع عيادة الدكتور «ط.ح»، وتحدثنا مع مدير أعماله، حول رغبتنا فى أن يجرى الطبيب عملية قلب مفتوح لسيدة فى أواخر عقدها الثالث، فأخبرنا أن تكلفة العملية ستبلغ 140 ألف جنيه، مشيراً إلى أن زيادة سعر التكلفة يرجع لأن الطبيب لا يتعامل إلا بفريقه الطبى الذى كونه بدقة شديدة من أمهر الأطباء، موضحاً أن العملية ستتم فى مستشفى الصفا التخصصى، والذى بالرغم من أن الطبيب يعمل به إلا أنه فى إجراء عمليات القلب يستعين بفريقه الطبى من خارج المستشفى. حاولنا إقناع مدير أعمال الطبيب، بأننا نمتلك واسطة داخل المستشفى يمكنها أن تقلل من التكاليف التى تتحصل عليها من الطبيب، ليبلغنا عن المبلغ الذى يتقاضاه المستشفى، فقال إن المستشفى فى كل عملية قلب مفتوح يتقاضى من الطبيب مبلغ 50 ألف جنيه، لينتهى حديثنا معه على أن نزور العيادة بكافة الفحوصات لتحديد ميعاد للعملية. وبعد ذلك تواصلنا مع مستشفى آخر وهو «الصفوة»، بداعى أننا أطباء ونرغب فى التعاقد معه لإجراء عملية قلب مفتوح، فأجاب موظف الحسابات إن المستشفى فى تلك الحالة نسبتها المالية للسماح للطبيب بإجراء العملية داخلها تبلغ 35 ألف جنيه، وبخصوص تكاليف العملية كاملة فلا علاقة للمستشفى بها، لأن المريض يتعامل ماليًا بشكل كامل مع طبيبه، وهو من يقوم بالتفاوض مع المستشفى. أما فيما يتعلق بعملية استئصال اللوزتين، تواصلنا مع مستشفى القاهرة الدولى بصفة وهمية، كأطباء أيضًا، نرغب فى التعاقد مع المستشفى لإجراء تلك العملية، فأكدت لنا الموظفة أن شروط قبول التعاقد مع أى طبيب أن يكون أستاذا جامعيا، وليس مجرد استشارى، مشيرة إلى أن النسبة التى يتقاضاها المستشفى من الطبيب إذا توافر فيه هذا الشرط تبلغ 4500 جنيه من دون مستلزمات العملية. وعندما أجرينا اتصالا آخر بالمستشفى للسؤال عن تكلفة إجراء عملية استئصال اللوزتين، سألنا موظف الحسابات إذا كان الطبيب من العاملين بالمستشفى أم لا، مشيرا إلى أنه فى حال كان الطبيب من خارجه فالمستشفى لا علاقة لها بالأمور المالية، أما إذا كان من داخل المستشفى فأتعاب الطبيب تختلف من واحد لآخر، وتبدأ من 3000 آلاف إلى 5000 آلاف جنيه، بالإضافة إلى تكلفة أتعاب المستشفى ومستلزمات العملية والتى تبلع معًا 4000 جنيه.