لقطات لمظاهرات 1919.. وسعد زغلول ب«البيجاما» فى «بيت الأمة» دخول منزل الباحث والمؤرخ مكرم سلامة، 70 سنة، أحد أشهر جامعى الوثائق والأرشيفات بمصر والعالم العربى، هو فرصة لزيارة التاريخ والاطلاع على صورة مختلفة وجميلة لمصر التى احتضنت جميع الديانات السماوية، وعاشت فيها الجاليات الأجنبية، حتى منتصف ستينيات القرن الماضى. فى منزل مكرم سلامة تشم عطر الهوانم والباشاوات، وأرستقراطيتهم الراقية، ترى أحدث خطوط الموضة والأزياء فى ملابس هذه الطبقة.. وتشاهد فى الوقت نفسه صور «ولاد البلد» بعفويتهم وشهامتهم.. تتألم وتبكى وتفرح بنظافة ورونق شوارع القاهرة، زمان، المغسولة بالماء والصابون مع بشائر كل صباح. فى منزله الأشبه ببيوت مشاهير أوروبا.. تخطو نحو عالم الأساطير، وكأنك تستخدم «آلة الزمن» لتزور أنحاء مصر المحروسة، لأن هذا الفنان حالة فريدة من هواة جمع الوثائق النادرة، خصوصاً كل ما يتعلق بتاريخ مصر المعاصر، والحقبة الملكية وبداية ثورة يوليو 1952 حتى نهاية الستينيات، ويملك كميات نادرة، من الوثائق والأرشيفات، وتوثق فترة مهمة من تاريخ مصر، بداية من أفيشات السينما الصامتة، ووثائق الإرهاصات الأولى لهذه الصناعة، وكم هائل من الخطابات المكتوبة بأيدى نجوم السينما المصرية، وعقود أفلامهم، وإيصالات حصولهم على أجورهم، مروراً بنزاعاتهم القضائية بسبب ترتيب الأسماء على الأفيش. ويستطيع مكرم سلامة، أن ينقل زائره إلى غموض عالم السياسة المصرية وأسرارها، عبر مجموعة صور نادرة يملكها ب«النيجاتيف» لأشهر رؤساء وزعماء مصر، بعدسة المصورين الأرمن والإيطاليين، الذين عاشوا فى مصر، حتى منتصف ستينيات القرن الماضى. يرى «عم مكرم» أن الحياة فى مصر بكافة تفاصيلها خلال ال100 عام أو يزيد، وثّقها المصورون الأجانب الذين عاشوا فى مصر، وأحدثوا ثورة هائلة فى عالم التصوير الفوتغرافى، بإبداع عدسات كاميراتهم، فى مشاهدات نادرة، كأنها وثيقة حية ترفض الحياة فى خانة النسيان من التاريخ المصرى، خاصة ما يتعلق بحياة مشاهير السياسة المصرية والزعماء الراحلين، حيث وثقت «كاميراتهم» مشاهدات نادرة لتفاصيل الحياة السياسية، خاصة خلال الحقبة الملكية، غالبيتها لم يتم نشره، بسبب الرقابة على الصحف وقتئذ من قبل سلطات الاحتلال الإنجليزى. يملك مكرم سلامة ثروة هائلة من «النيجاتيف» تقدر بنحو 10 آلاف صورة نادرة، لأشهر «كواليس» حياة ولقاءات وجولات الرؤساء والزعماء السياسيين المصريين، تمثّل كنزاً ثميناً لا يقدر بثمن، للباحثين والدارسين والمستشرقين، عكف على جمعها وأرشفتها طوال عدة سنوات، بعد شرائها من صالات المزادات فى القاهرةوالإسكندرية، إضافة إلى الأسواق الشعبية الشهيرة فى مصر، ومن «باعة الروبابكيا» ومن ورثة المصورين الراحلين. لدى مكرم جزء كبير من أرشيف الإنجليزى هانزل مان، المصور الخاص لملك مصر الراحل أحمد فؤاد، والمصرى رياض شحاتة المصور الخاص للملك فاروق، إضافة إلى عدد آخر من المصورين الأرمن والإيطاليين، أبرزهم ديليكيان وعزيز ودوريل وغيرهم. بعض الصور توثق احتفالات المصريين بعودة الزعيم الوفدى، مصطفى باشا النحاس من إنجلترا عقب توقيع معاهدة 1936، واحتشادهم فى ميناء الإسكندرية لاستقباله، بلافتات على البواخر وجنبات ميناء الإسكندرية تحمل عبارة «يعيش الملك.. ويحيا الوفد»، وصور أخرى نادرة للزعيم سعد باشا زغلول، فى منزله «بيت الأمة» وهو يرتدى «بيجاما» والعديد من الصور مع زوجته صفية «أم المصريين»، وأخرى له فى مأدبة غذاء عقب نجاته من محاولة اغتيال عام 1924، نتج عنها إصابته بطلق نارى فى ذراعه. وتوجد أيضاً صور أخرى متعددة لملك مصر أحمد فؤاد، تعود لثلاثينيات القرن الماضى، بينها احتفالات المصريين فى شوارع القاهرة، بتنصيبه ملكاً، وجولاته ب«القطار الملكي» فى محافظات مصر، وزيارته للأقصر وافتتاح دير «الرهبان الكاثوليك» وزيارته لخزان أسوان، ووقوف رجال الدولة وبينهم «النحاس باشا» فى استقباله. كما توجد صور أخرى ل«النحاس» أمام الكابينة الخاصة به فى «سيدى بشر» بالإسكندرية، ومشاهير المجتمع السكندرى من قيادات حزب الوفد، بعدسة المصور السكندرى الشهير، الراحل فتحى حسين، أحد أشهر مصورى «جريدة الأهرام» بالمدينة الساحلية، وأحد نجوم عالم التصوير الفوتغرافى فى مصر، والذى التقط العديد من الصور، منها لأحمد باشا حسنين، رئيس الديوان الملكى، فى عهد الملك الأسبق فاروق، والذى وصفه أمير الصحافة، محمد التابعى فى كتابه «من أسرار الساسة والسياسة» بأنه أحد أخطر رجال القصر الملكى، خلال تلك الفترة وأكثرهم ذكاءً ودهاءً، والمعروف بقصة غرامه الشهيرة للمطربة أسمهان، والملكة الراحلة نازلى والدة فاروق. عشرات الصور لملك مصر الأسبق فاروق، وزوجته وأبنائه وشقيقاته من الأميرات، وأبناء الأسرة العلوية، وصور توثق رحلات الصيد، التى كان مغرما بها، وأخرى على الشواطئ الملكية، بالمايوه خلال فصل الصيف. أما حقبة «ثورة يوليو» والسنوات الأولى لها، فيملك «عم مكرم»، كميات كبيرة ونادرة من «نيجاتيف» الصور، للعديد من قادة الثورة، منها نحو 300 صورة نادرة للواء محمد نجيب، أول رئيس جمهورية، بعد الثورة، حتى أزمة مارس 1954، بينها صور نادرة ل«نجيب» مع أبنائه بمنزله بحلمية الزيتون، وأول زيارة له لمبنى الإذاعة المصرية القديم بشارع الشريفين، ولقائه السفير الأمريكى بالقاهرة، والعديد من الصور مع أعضاء مجلس قيادة الثورة. ويحظى الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، بأعداد كبيرة من الصور، فى أرشيف «مكرم» منها صور تجمعه مع أعضاء مجلس قيادة الثورة، وبينها صديق عمره عبد الحكيم عامر، فى أول «عيد أضحي» بعد الثورة مباشرة، فى أغسطس 1952، وهم يأدون صلاة العيد، فى ساحة قصر عابدين، وأخرى ل«عبد الناصر» وهو على «المنبر» يخطب فى الجماهير المحتشدة. وتوجد صورة نادرة للزعيم الراحل، مع حاييم ناحوم، الحاخام الأكبر لليهود فى مصر، تعود لعام 1960، وتجمع الرجلين مع عدد من رجال الدين الإسلامى والمسيحى، وفى نفس العام، توفى «ناحوم» الذى كان عضواً بمجمع اللغة العربية. ويملك مكرم أيضاً صورا أخرى ل«عبد الناصر» خلال زيارته لعدد من المحافظات، لتوزيع عقود ملكية الأراضى الزراعية على الفلاحين، تعود لعام 1953 بعد صدور قانون الإصلاح الزراعى. كما توجد بأرشيف مكرم صور للرئيس الراحل أنور السادات، مع قرينته السيدة جيهان وأبنائه، على شاطئ سيدى بشر بالإسكندرية، والمعمورة، تعود لبداية الستينيات، وهى الصور التى قام بتصويرها مصور جريدة الأهرام الراحل، بمكتب الإسكندرية، المصور فتحى حسين. بحسب العم مكرم، فإن الصور تمثّل وثيقة حية وصادقة لكل حقبة زمنية تعرضها، وأنه لاحظ حرص المصورين الأجانب بشكل خاص، على وضع النيجاتيف فى محفظة جلدية مصممة خصيصاً له بهدف حفظه، إضافة إلى توثيقهم الحدث، بالتاريخ والمكان والأشخاص، عكس ما يحدث اليوم من إهمال لفكرة التوثيق، وهو ماتكرر فى غالبية «نيجاتيف» الصور. وقال مكرم إنه طوال سنوات رحلته الطويلة فى عالم الوثائق والأرشيفات، لاحظ أن مصر تهمل بشدة «الصور الفوتوغرافية» كوثيقة تاريخية، مقارنة بالمصورين الأجانب، مع ملاحظة أن الأرشيف الأمريكى، على سبيل المثال، يحوى أكبر مجموعة صور فوتوغرافية لمصر خلال نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، فيما يضمّ الأرشيف الأسترالى صوراً نادرة لمراحل بناء السد العالى.