قال فضيلة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إن البعث هو إحياء الموتى وإعادة أرواحهم إلى أجسادهم كما كانت في الدنيا؛ لمحاسبتهم وجزائهم، وهو يعني: إعادة التئام ذرات الجسم واجتماعها بعد أن تفرقت واختلطت بالتراب، ثم رجوع الروح إلى الجسم مرة ثانية، وقد ورد ذكره في مواضع متعددة في القرآن الكريم، منها قوله تعالى: {يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم}. وأوضح خلال برنامج "الإمام الطيب" أن طائفة من الماديين والدهريين قديما وحديثا أنكروا البعث واستبعدوا -على اختلاف أزمنتهم وأمكنتهم- إحياء الموتى، وبعثهم من قبورهم، ومحاسبتهم على ما قدمت أيديهم في الحياة الدنيا، وإنكار البعث نوع من الإلحاد، أو فرع من إنكار وجود الله وإنكار قدرته الشاملة، وهو أيضا نوع من قصر النظر واضطراب التفكير في معالجة الحقائق الكبرى، وليس في أيدي الماديين المنكرين للبعث أي دليل يطرحونه بين يدي إنكارهم هذا، اللهم إلا مجرد استبعاد أن تكون هناك «قدرة» تستطيع إعادة الحياة إلى أجساد تحللت ذراتها واختلطت بالتراب. وأكد أن الذي ينكر البعث هو الملحد الذي لا يؤمن بوجود الله ولا بعدله ولا بثوابه ولا بعقابه في الدار الآخرة، لأن البعث فرع الإيمان بالأنبياء، ووجود النبي فرع الإيمان بالله، فهو إذا أنكر الأصل فما ترتب على هذا الأصل وما ترتب على الفرع الذي ترتب على الأصل كله يتهاوى، مشيرا إلى أن المنكرين للبعث لهم شبهات كثيرة يمكن أن نوجزها في شبهتين أساسيتين، الأولى: استبعاد أن تتحول ذرات الجسد -بعد أن صارت ترابا- إلى إنسان سوي يسمع ويبصر ويعي ويعقل كما كان في الحياة الدنيا، وبعبارة موجزة: استبعاد أن تتحول المادة الترابية إلى كائن حي. والثانية: استبعاد إيجاد الشيء بعد عدمه؛ فالشيء إذا عدمت ذاته وفنيت فمن المستحيل -في نظرهم- أن يوجد مرة ثانية. وأضاف أن القرآن الكريم يعد حقيقة البعث من أوضح الحقائق التي تثبت بالوحي وبالعقل معا، وقد وصفه القرآن الكريم أكثر من مرة بأنه: {لا ريب فيه}، وأن المنكرين لا يستطيعون أن يقدموا حجة واحدة على إنكاره. وقد أثبت القرآن حقيقة البعث من جانبين: الأول سلبي: تولى فيه القرآن بيان إفلاس المكذبين للبعث وعجزهم عن إقامة الدليل على إنكاره، والثاني إيجابي: تولى فيه القرآن إيراد الأدلة الواضحة التي ترد على المنكرين، وتثبت البعث في ذات الوقت، وقد كان يواجه بذلك طائفتين من منكري البعث: طائفة آمنت بالله، لكنها تنكر قدرته على إحياء الموتى وبعثهم من قبورهم، وطائفة لم تؤمن بالله أصلا، وترتب عليه إنكارها للبعث. وأشار إلى أن القرآن الكريم نبه إلى أن الأحرى بالعقل الصحيح أن يصدق من أمر البعث أكثر مما يصدق من أمر النشأة الأولى؛ ذلك لأن النشأة الأولى يوجد فيها الإنسان من عدم تام لم يكن للإنسان فيه أدنى شائبة من ثبوت أو وجود، أما البعث فهو لا يزيد عن إعادة إنسان كان موجودا من قبل، ولا شك أن الذي يقدر على إخراج شيء من العدم المحض يقدر -من باب أولى- على إعادة هذا الشيء بعد عدمه؛ إذ إعادة الشيء بعد وجوده أيسر بكثير من إبداعه من العدم: {ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا، أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا}، {وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم}، {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم}، فالإعادة أهون من الابتداء؛ لأن من يفعل فعلا أولا يصعب عليه، ثم إذا فعل بعد ذلك مثله يكون أهون عليه... ولأن في البدء خلق الأجزاء وتأليفها، والإعادة تأليف، ولا شك أن الأمر الواحد أهون من أمرين، يقول الله تعالى: {أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير، ويقول: {أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد}، وهذه الآيات تعني أن القادر على الخلق الأول لا شك قادر على الخلق الثاني الذي هو "الخلق الجديد"، فهما مثلان، وإذا قدر على أحدهما قدر على الثاني من غير فرق، وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له: كن؛ فيكون.