يمثل الغش التجاري تهديدًا للاقتصاد القومي، وصحة الإنسان، والذي يظهر بقوة في الدول النامية، ولا يستثنى قطاع من وجود حالات الغش التجاري. ويرى الخبراء أن الاقتصاد الغير الرسمي هو البوابة الرئيسية لظهور حالات الغش التجاري، فهو قطاع لا يخضع لرقابة الدولة، ويقع المواطن ضحية لحالات الغش، ويتطلب الأمر ضرورة تدخل الدولة بصورة أكبر لحماية المواطن، والاقتصاد القومي معًا. الغش التجاري يدمر الاقتصاد ويؤذي الإنسان قال الدكتور فخري الفقي، مستشار صندوق النقد الدولي السابق، إن الغش التجاري آفة تصيب كثير من الدول، وخاصة النامية منها، نظرًا لبحث المواطن في تلك الدول عن المنتجات والسلع الأرخص. وأوضح "الفقي"، خلال تصريحات صحفية، أن الغش التجاري نوع من التقليد للمنتج الأصلي بكفاءة وجودة أقل، ويظهر بوضوح في القطاع الغير رسمي والذي يشكل 40% من الناتج المحلي الإجمالي، مضيفًا أن ليس كل القطاع الغير رسمي ينتج سلع مغشوشة ولكن أغلبه، نظرًا لغياب رقابة الدولة على هذا القطاع. ولفت "الفقي"، إلى أن الغش التجاري لا يقتصر تأثيره على تدمير الصناعة فحسب، بل يؤثر على حياة المواطنين، فالمنتج المقلد لا يلتزم بالمواصفات الفنية أو الصحية أو البيئية، موضحًا أن المنتجات المغشوشة موجودة في كل القطاعات، فهناك قطع غيار سيارات مقلدة ويمكن أن تودي بحياة الإنسان، بالإضافة إلى أن هناك غش تجاري في القطاع الصحي كإعادة استخدام الحقن المستعملة. وأضاف أن حجم الناتج المحلي حسب تصريحات محافظ البنك المركزي يصل إلى 4,4 تريليون جنيه، منوهًا بأن نسبة الغش التجاري في القطاعات الصناعية تمثل حوالي 5% من الناتج المحلي أي ما يعادل من 100 إلى 150 مليار جنيه، مشددًا على ضرورة أن تضع وزارة الصناعة مواصفات محددة للسلع والمنتجات، ويكثف جهاز حماية المستهلك من دوره في ضبط السلع المقلدة. الموطنون مقصرون في حق أنفسهم وأكد محمد البهي، عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات، أن الغش التجاري من أكبر الظواهر الموجودة في مصر، ويظهر في كل القطاعات الصناعية، مرجعًا سببه إلى وجود الاقتصاد الغير رسمي والذي يمثل 60% من حجم اقتصاد الدولة، ويعمل خارج المنظومة الشرائية، وغير خاضع لرقابة الدولة. ونوه "البهي"، خلال تصريحات صحفية، بأن الغش التجاري يمثل خطر مباشر وقاتل على المواطن، فهناك قطاعات يتم فيها استخدام خامات غير مصرح بها، مضيفًا أن جهاز حماية المستهلك ليس متهمًا في قضية الغش التجاري، حيث أن دوره يبدأ بعد إبلاغ المواطن عن المنتجات المقلدة والمغشوشة. وأشار إلى أن ثقافة المجتمع تجاه المنتجات المغشوشة تحتاج إلى تغيير، حيث يغض المجتمع طرفه عن فكرة الشكوى، فأغلب المواطنين الذين يقعون ضحية للغش التجاري لا يلجأون لتقديم الشكاوى لجهاز حماية المستهلك، معقبًا: "الناس مقصرة في حق نفسها". وعن سبل مواجهة الغش التجاري، شدد على وجود إرادة من قبل الدولة والأجهزة الرقابية لمواجهة تلك المسألة، مع ضرورة إجراء تعديل تشريعي يتضمن تغليظ العقوبة على من يقوم بغش المنتجات، مطالبًا المواطن أن يصر على أن يحصل على فاتورة ضريبية للمنتج الذي يقوم بشرائه، حيث تعد الفاتورة المستند الذي يؤهله لتقديم شكوى حال تعرضه للغش التجاري. وجود قطع غيار سيارات مغشوشة "كلام فاضي" ويرى أحمد شيحة، رئيس شعبة المستوردين بالغرف التجارية، أن حالات الغش التجاري موجودة في كل القطاعات الصناعية، ولكنها محدودة، وتعد حالات فردية، وتظهر فقط في المنتجات التي تصنع محليًا. وأضاف "شيحة"، خلال تصريحات صحفية، أن الغش التجاري لا يظهر في السلع المستوردة نظرًا لخضوعها لرقاية مصلحة الجمارك، وهيئة الصادرات والواردات، وما يتم ضبطه يتخذ ضده إجراءات صارمة. واعتبر أن كل ما يتردد حول وجود قطع غيار سيارات مغشوشة في مصر "كلام فاضي"، مستبعدًا أن تظهر حالات غش تجاري في المنتجات الغذائية التي تعرض في المحلات التجارية الكبرى نظرا لخضوعها لحملات تفتيش دورية، ولكن قد تحدث في المحلات الصغيرة البعيدة عن عين الرقابة. 2,5 مليون مصنع يعملون بشكل غير رسمي ومن ناحيته، قال أمير الكومي، مستشار ورئيس جمعية المراقبة والجودة لحماية المستهلك، إن الغش التجاري من أخطر القضايا التي يعاني منها المجتمع المصري، وموجودة بسبب الاقتصاد الغير رسمي أو ما يطلق عليه مصانع "بير السلم". وكشف "الكومي"، خلال تصريحات صحفية، أن عدد المصانع التي تعمل بشكل غير رسمي وفقًا لأخر إحصائية أجريت في 2005 أفادت أن عدد تلك المصانع يبلغ عددها 750 ألف مصنع، متوقعًا أن عدد تلك المصانع وصل حاليًا إلى 2,5 مليون مصنع يعمل بشكل غير رسمي. وأضاف أن الغش التجاري منتشر في كل القطاعات، ويشكل خطر على الاقتصاد القومي والصحة العامة، فهناك مصانع تنتج أغذية غير مطابقة للمواصفات، كاشفا أن هناك مدينة كاملة وهى بسوس بالقليوبية تعمل في تقليد المنتجات الكهربائية، ولا يوجد بها مصنع واحد مرخص، فضلا عن وجود جزء كبير من منطقة الرويعي يعمل في منتجات التجميل المغشوشة. وأشار إلى أنه تقدم منذ عام بمذكرة إلى رئيس الوزراء عبارة عن خطة متكاملة لمواجهة الغش التجاري، تقوم على جزأين، إحدهما إنشاء وزارة مستقلة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة بحيث تكون أب شرعي لتلك المشروعات، ويكون لها أدواتها المالية كالصندوق الاجتماعي وبنك ناصر. وأضاف أن الجزء الثاني للخطة، يعتمد على قيام كل نائب في دائرته بحصر المصانع الغير مرخصة مع التأكيد لكل صاحب مصنع، أن الحصر يهدف إلى التطوير وليس الغلق، وأنهم سيحصلوا على ترخيص بشكل رسمي، ومن ثم يعمل كل مصانع وورش بير السلم تحت مظلة وزارة مستقلة تراقب عليهم، وعلى منتجاتهم. وعن دور جهاز حماية المستهلك، عقب "الكومي"، قائلا: "الجهاز هيعمل إيه في غياب التخطيط"، موضحا أنه يجب أن يكون هناك إصلاح وسياسات سليمة أولا ثم يأتي دور الأجهزة الرقابية، منوهًا بأنه لو لم تنفق الدولة على مواجهة الغش التجاري بشكل سليم فإنها ستنفق أكثر على قطاع الصحة لمعالجة آثار الغش التجاري. وأكد أن الغش التجاري ليس مقتصرًا على المنتجات المصنعة محليًا، مضيفًا أن حجم التهريب فاق التوقعات، فهناك منتجات صينية رديئة في الأسواق المصرية، متابعا أن الحلول موجودة، وسهلة، ولكن لا تنفذ، ويوجد حالة جمود غير عادي، مستطردًا: "عندنا حكومة كسلانة".