شارك الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط؛ في افتتاح المؤتمر العربي الثالث للمياه والمقرر ، والذي يعقد تحت رعاية رئيس مجلس الوزراء الكويتي الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح. وقال أبوالغيط: "اسمحوا لي بداية أن اتقدم بالشكر لدولة الكويت، أميرا، وحكومة وشعبا على كرم الضيافة ونجاح التنظيم والاعداد لهذا الحدث العلمي العربي الكبير.. المؤتمر العربي الثالث للمياه الذي يعقد تحت رعاية سمو الشيخ جابر مبارك الحمد الصباح رئيس مجلس الوزراء الكويتي تحت شعار "التكامل العربي في ادارة الموارد المائية".
وهو أول مؤتمر يعقد بعد القمة العربية التي عقدت بالمملكة العربية السعودية والتي دعت الى متابعة تنفيذ الاستراتيجيات العربية وخططها التنفيذية دعما لآليات العمل العربي المشترك وبما يخدم مصلحة الشعوب العربية في مستقبل مائي آمن.
وأضاف: "والحقيقة أنني أعتبر المؤتمر العربي للمياه واحداً من أهم الفاعليات العلمية التي تستحق انتباهاً استثنائياً من الرأي العام العربي، ومكاناً متقدماً على أجندة الدول العربية، والعمل العربي المشترك .. فإذا لم يتوجه اهتمامنا وينصب تركيزنا على المخاطر الحقيقية التي تهدد مستقبلنا، فإننا نُغامر بخسارة هذا المستقبل .. ولا أبالغ إذا إن قلت أن التحديات المتعلقة بندرة المياه في المنطقة العربية، وما يرتبط بها من التواتر المُتزايد لدورات الجفاف وتزايد حدتها، فضلاً عن تأثيرات التغير المناخي .. هذه التحديات تمثل في مُجملها تهديداً وجودياً .. أكرر تهديداً وجودياً.. يتضاءل بجانبه أي خطر آخر، ويهون بالمقارنة له أي تهديد... وإن لم تُستنفر كافة الإمكانات العربية – على المستوى الوطني في كل دولة، وعلى المستوى العربي العام- في مواجهة هذا التهديد، فإننا نُفرط في حق أبنائنا في الحصول على تنمية مُستدامة متوازنة، ونوعية حياة كريمة ولائقة".
وأوضخح: "إنني أتحدث اليوم أمام جمهرة من أهل التخصص من الراسخين في العلم ومن يتولون المسئولية المباشرة عن إدارة ملفات المياه في بلدانهم.. ولا يُفتى ومالكٌ في المدينة.. ولن أعدد أمامكم ما تعرفون جميعاً من أبعاد الوضع المائي العربي بكل صعوباته الراهنة .. ولكني أضع أمامكم نقاطاً أراها أساسية في تناول المسألة المائية في العالم العربي، بكل ما تنطوي عليه من جوانب متعددة ومتشابكة":
النقطة الأولى: أن أزمة المياه في العالم العربي واضحة بما لا يحتاج إلى بيان، وخطيرة بما لا يستدعي التفصيل.. فالمنطقة العربية لديها 1% فقط من مصادر المياه العذبة على مستوى العالم.. و40% من سكانها يعيشون في مناطق الشح المائي المُطلق .. بل إن هناك 14 دولة عربية من بين التسعة عشر دولة الأكثر معاناة من نُدرة المياه على مستوى العالم.. وأخطر ما في الأمر أن الوضع المائي في بلادنا لا يتجه إلى التحسن، وإنما إلى التدهور .. بل إلى التدهور المطرد في بعض المناطق.. ففي ظل معدلات نمو سكاني تصل إلى 2.5%، وفي ضوء ندرة سقوط الأمطار وتكرار دورات الجفاف.. يتناقص نصيب الفرد العربي من المياه باستمرار.. بكل ما ينطوي عليه ذلك من انعكاسات على أمننا الغذائي، حتى صارت المنطقة العربية أكبر منطقة عجز غذائي في العالم .. والمعنى هنا أننا لا نواجه أزمة ذات أبعاد ثابتة، وإنما خطراً يستفحل باستمرار، ووضعاً يتدهور بمعدلات مُتسارعة.. وفي مواجهة تهديدات استثنائية على هذا النحو، فإن الحلول والاستراتيجيات يتعين أن تكون استثنائية أيضاً ... ينبغي ألا تنصب السياسات والاستراتيجيات على ما هو قائم في اللحظة الراهنة من تحديات، وإنما على ما قد يحمله المستقبل من احتمالات ومآلات.
النقطة الثانية: أن المسألة المائية متعددة الجوانب ومتداخلة الأبعاد.. ثمة جوانب علمية وفنية، وأخرى بيئية وتنموية، وثالثة سياسية واستراتيجية.. ولا شك أن نجاح الدول العربية في الاستجابة للتحدي المائي مرهون بقدرتها على مواجهة هذه الأبعاد جميعاً بشكل متضافر، عبر تحقيق التنسيق والتناغم الكامل بين الجهات الحكومية المختلفة التي يتعلق عملها بأي جانب من جوانب المسألة المائية .. وبحيث تكون الخطط والاستراتيجيات شاملة على المستوى الوطني من دون تضارب أو تداخل ينعكس سلباً على الأداء .. بل إن هذا التعاون والتنسيق يتعين أن يمتد من المستوى الوطني إلى المستوى العربي.. فكثيرٌ من أبعاد المسألة المائية يتطلب استجابة جماعية من جانب الدول العربية، ويستوجب تخطيطاً مشتركاً يتجاوز نطاق الدولة الواحدة.. وقد كان هذا هو الهدف المأمول من إنشاء المجلس الوزاري العربي للمياه منذ نحو عشرة أعوام، وكذا من إطلاق استراتيجية الأمن المائي العربي والتنمية المستدامة 2010-2030، وخطتها التنفيذية التي تمت المصادقة عليها في قمة نواكشوط 2016 .. إن تحقيق التكامل بين السياسات العربية فيما يخص ثلاثية الماء والغذاء والطاقة لم يعد ترفاً، وإنما ضرورة والتزاماً لا يُمكن النكوص عنه.
النقطة الثالثة: أن خط الدفاع الأول في مواجهة تحديات ندرة المياه هو البحث العلمي والتطوير التكنولوجي (وأرى أمامي نخبة ممتازة من رموزه والقائمين عليه في عالمنا العربي) .. إذ لا فرصة أمام الدول العربية لتجاوز التحديات المختلفة المرتبطة بشُح المياه، إلا عبر الارتقاء بمجالات البحث والتطوير .. ومن أسف أن الدول العربية تنفق أقل من 1% من الناتج القومي الإجمالي على البحوث والتطوير.. وحتى في المجالات التي أحرزت فيها دول عربية تقدماً مشهوداً – مثل مجال تحلية مياه البحر الذي تستحوذ المنطقة العربية على معظم طاقاته على مستوى العالم – ما زال هناك عجزٌ عن تطوير التكنولوجيا الذاتية والإمكانيات الوطنية.. وما زال هناك تباطؤ في تصنيع المعدات اللازمة محلياً، وامتلاك ناصية التقنيات المطلوبة عربياً .. سواء في أساليب الزراعة (التي تستقطب 80% من استخدام