الجريدة الرسمية تنشر قانون تنظيم إصدار الفتوى الشرعية    ارتفاع أسعار النفط إلى أعلى مستوى في 7 أسابيع    تفاصيل تعديلات مشروع قانون الإجراءات الضريبية الموحد وأهدافه    إيران تنشر الوثائق السرية بشأن الأسلحة النووية الإسرائيلية    إعلام: إطلاق النار في غراتس أكبر جريمة من نوعها في تاريخ النمسا    الإمارات وقطر يحجزان مقعديهما بالملحق الآسيوي المؤهل لكأس العالم    اندلاع حريق بشقة سكنية بسبب متس كهربائي في المنيب    مواعيد قطارات طنطا - الإسكندرية اليوم الثلاثاء فى الغربية    ملك زاهر تكشف عن تعرضها لوعكة صحية وتطلب الدعاء من جمهورها    محافظ الفيوم يستقبل سفير دولة الهند بالقاهرة لبحث سبل التعاون المشترك    ثقافة القاهرة تحتفل بعيد الأضحى بفعاليات متنوعة في المطرية وروض الفرج    نوال الزغبي تطرح " ماضي وفات".. تفاصيل    كيف ترد روسيا على «بيرل هاربر» الأوكرانية؟    الأونروا: نظام توزيع المساعدات بغزة مُهين ولا يهدف لمعالجة الجوع    هويسن: الانتقال لريال مدريد كان رغبتي الأولى    وزير البترول يصل منزل أسرة سائق شاحنة البنزين في الدقهلية لتقديم العزاء    رئيس جامعة أسيوط يتابع سير العمل بالمدن الجامعية والقرية الأوليمبية    مؤسسة الجامعات الأوروبية في مصر تستضيف حفلًا فنيًّا جماهيريًّا مميزًا    تقرير أممي: الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة جريمة حرب وإبادة جماعية    الحكومة النمساوية تكشف هوية منفذ الهجوم على مدرسة في جراتس    التقويم الهجري.. سبب التسمية وموعد اعتماده    الإجازات الرسمية المقبلة في 2025.. إليك القائمة الكاملة    إعلام إسرائيلي: نتنياهو يعقد الليلة اجتماعا تشاوريا بشأن المحتجزين في غزة    رئيس الوزراء يستعرض الفرص الاستثمارية بقطاعي السياحة والآثار    الحكومة المصرية تستعد للقضاء التام على مرض الجذام    محافظ الغربية: تقديم 56 ألف خدمة طبية خلال إجازة عيد الأضحى    وزير الأوقاف يؤكد ضرورة العناية الكاملة بالأئمة والارتقاء بمكانتهم العلمية والمجتمعية    البورصة تواصل الصعود بمنتصف تعاملات أولى جلساتها عقب إجازة العيد    اشتباكات عنيفة بين عناصر القسام وعصابة ياسر أبو شباب الموالية لإسرائيل    التضامن الاجتماعي: فريق التدخل السريع تعامل مع 561 بلاغا في مختلف المحافظات خلال شهر مايو    الداخلية تكشف ملابسات فيديو مشاجرة بقرية سياحية في مطروح    شروط جديدة لاستحقاق خدمات التأمين الصحي وعقوبة الحصول عليها بالمخالفة؟    الإسكان: تنفيذ خطوط مياه شرب وصرف صحي رئيسية وشبكات ومحطة محولات كهرباء وطرق بالعبور الجديدة    امتحانات الثانوية العامة 2025.. استمرار قبول الاعتذارات للخميس المقبل    ضبط المتهم بإصابة شاب وتلميذ بطلقات نارية في حفل زفاف بقنا    المؤبد ل 8 متهمين لشروعهم في قتل شخصين بالقليوبية    أسماء جلال تتصدر الترند في حفل زفاف أمينة خليل باليونان | صور    ماجد الكدواني ضيف معتز التوني في برنامج فضفضت أوي..غدا    وجبات غذائية خاصة لبعثة الأهلي لمواجهة الرطوبة في ميامي    الزمالك يخطط لضم مدافع فاركو    كل أخبار العين الإماراتي فى كأس العالم للأندية على اليوم السابع    الحكومة تستعد للإعلان عن القضاء على مرض الجذام    الحكومة تجهز فرصًا استثمارية في القطاع الصحي للسنوات العشر المقبلة    مستشفى القلب بجامعة أسيوط يستقبل 1856 حالة خلال شهر    «الإفتاء» توضح حكم الزواج من ذوي الهمم وأصحاب القصور الذهني    وزير المالية ل الجمارك: العمل على راحة الحجاج.. وأولوية خاصة لكبار السن والحالات المرضية    الحكومة اليابانية تطرح 200 ألف طن إضافية من مخزون الأرز لكبح جماح الأسعار    شيكابالا لإدارة الزمالك: لن أعتزل والفريق سيعانى فى غيابى (فيديو)    الأزهر للفتوى يوضح سبب تسمية بئر زمزم    حِجر إسماعيل..نصف دائرة في الحرم تسكنها بركة النبوة وذاكرة السماء    طبيب قنا يقدم العزاء لأسرة السيدة المسنة التي امتنع عن علاجها    "بطريقة طريفة".. لاعبو الأهلي يرحبون بزيزو (فيديو)    إمام عاشور: الأهلي غيّرني    وزير الري يشيد بجهود العاملين خلال عطلة عيد الأضحى    فتح باب التقديم لوظيفة مدير عام المجازر والصحة العامة بمديرية الطب البيطري بالغربية (الشروط)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 10-6-2025 في محافظة قنا    السيطرة على حريق شب داخل فيلا بالتجمع    "خسارة للأهلي".. نتائج مباريات الإثنين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. رشا سمير تكتب: "بنات حواء الثلاث".. رواية تركية تنبذ اختلاف الأديان والأفكار والمشاعر
نشر في الفجر يوم 22 - 12 - 2017

■ عرضت بعمق فلسفى شخصيات أبطالها المسلمات والملحدات
■ "المؤلفة" تتربع على عرش الرواية المترجمة فى الوطن العربى
هل تجمعنا الأفكار لتصنع الصداقات، أم تجمعنا الصداقات لتصنع الأفكار، هل يجتمع البشر عند عقائد واحدة ويلتقون عند مفاهيم متماثلة، أم أن الأشياء لا بد أن تختلف لتصنع الحياة؟
البشر فى الحقيقة هم خلاصة الاختلاف على الرغم من كونهم فى الأصل نواة الائتلاف، عادة ما تلتقى الأحاسيس والمشاعر من خلال الصداقة والمعرفة، فهذا نأتلف إليه رغم الاختلاف، وهذا نتنافر معه حتى لو كان الطريق واحدا.
تختلف الأديان والأفكار السياسية والمشاعر الإنسانية ويبقى الإنسان واحدا، بشر قادر على العطاء فى لحظات الحُب، والبُكاء فى لحظات الضعف، والهجوم فى أوقات الحرب.
هذا هو السؤال الذى تطرحه الكاتبة التركية المتميزة إليف شافاك من خلال روايتها الأخيرة (بنات حواء الثلاث)، تلك الرواية الصادرة عن دار الآداب للنشر.
على مدار 599 صفحة من الفلسفة الكثيرة والأحداث المتباينة القليلة والشخصيات العديدة، استطاعت الروائية إليف شافاك كعادتها أن تأسرنا برواية مختلفة، فمن رائعتها (قواعد العشق الأربعون) التى فى رأيى الشخصى لم تجرؤ أى من رواياتها الأخرى على منافستها، مرورا بلقيطة إسطنبول، والفتى المُتيم والمُعلم، وحليب أسود.
وحتى هذه الرواية التى بين أيدينا، كانت ومازالت شافاك تتربع على عرش الرواية المترجمة فى الوطن العربى بل فى أوروبا، فهى روائية لها مذاق مختلف وقلم قادر على طرح قضايا شائكة عديدة دون خوف ولا تردد.
تمتلك أليف شافاك سمة خاصة فى تمكنها الواضح من المزج بين التقاليد الشرقية والغربية فى الحكى والسرد، ربما يرجع ذلك إلى نشأتها وحياتها فى مختلف الدول، فهى تتحيز لقضايا المرأة وعوالمها وبالأخص عندما تكتب عن قصص النساء والأقليات والمهاجرين.
الحقيقة أيضا أن كتاباتها تنضح بشغف واضح بالتاريخ والفلسفة والصوفية، حتى إن ما يأخذه عليها الكثيرون فى هذه الرواية هو سقوطها فى فخ الفلسفة الزائدة والجُمل المتفذلكة التى جعلت شيئا من الملل يتسرب إلى نفوس القراء، تقريبا لم تخل صفحة واحدة من الرواية من حوار فلسفى أو جملة مقتبسة من أحد الفلاسفة، أو إحالة الوصف إلى أحد المتصوفة أو الاستعانة بأبيات بعض الشعراء، تلك فى اعتقادى هى السقطة الحقيقية لهذه الرواية، فقد بسطت شافاك سطوتها الفكرية على القارئ حتى إنها لم تُمهله حقه فى التوصل إلى تلك الحقائق بنفسه.
تنقسم الرواية إلى أربعة أقسام متداخلة، فيما بين الزمان والمكان، فالمكان هو إسطنبول وإكسفورد، والزمان يأخذنا من عام 1980 وينتهى فى عام 2016.. وبطلات الرواية هن ثلاث فتيات، صديقات رغم الاختلاف، متماسكات رغم المحن، مختلفات رغم الائتلاف، مُنى المصرية.. شيرين الإيرانية.. وبيرى التركية.
1- صورة وثلاث حكايات
تبدأ أحداث الرواية ببيرى، المرأة التركية التى تتعرض لحادث سرقة وهى فى طريقها لحضور حفل عشاء نظمها أحد كبار البرجوازية التركية فى إسطنبول، تحتد بيرى على اللص وتتشاجر معه بكل شجاعة مما يُظهر شخصية بيرى بوضوح أكثر.
عقب المشاجرة تقع من حقيبة بيرى صورة تجمع ثلاث فتيات وأستاذهن فى جامعة أوكسفورد، وبمجرد ذهابها للحفل، ورؤية ابنتها المراهقة للصورة تسألها عن قصتها، هنا يعود السرد بطريقة الفلاشباك إلى ست عشرة سنة ماضية، وصولا إلى عام 2000.
فى الرواية ثلاث فتيات يدور حولهن السرد: منى المصرية المتدينة والمحجبة، وشيرين الإيرانية الملحدة، وبيرى التركية المتذبذبة بين عالمين، ويشكل الأحداث أيضا آزور أستاذ الفلسفة الذى يدرس منهجا خاصًا بالإلهيات فى جامعة إكسفورد؛ حيث تلتقى الفتيات الثلاث من خلال دراستهن لمنهجه.
2- نازبيرى التركية
تدور الرواية فى يوم واحد فقط، تسترجع فيه بيرى طفولتها وحياتها فى بيت أسرتها، وتمزجه الروائية مع واقع آخر عاشته فى جامعة إكسفورد مع صديقتيها (شيرين) و(منى) المسلمتين أيضا، ولكنهما على طرفى النقيض الذى تقف فى منتصفه بيرى.
تحكى لنا الروائية بلسان الراوى العليم كيف نشأت فى أسرة مفككة بسبب الخلافات العقائدية بين أمها المتدينة جدا، وأبيها اليسارى الذى يعارض كل أفكار أمها المُحجبة المتشددة دينيا، أما الأخوان فالأكبر يسارى ماركسى، والأصغر قومى مُتعصب، وهى بينهما مشتتة لا تعرف إلى من تنحاز أو كيف تختار، فتبقى طيلة الوقت فى منطقة اللاسلم واللاحرب!
فهى تصوم بعضًا من رمضان فى حين أنها لا تمانع فى إقامة علاقات جنسية مع شاب لمدة ليلة واحدة لمجرد التغلب على الملل والأرق فى حياتها، كما أنها تشرب النبيذ، ولكنها ترفض أكل لحم الخنزير.. فهكذا ترسم لنا شافاك شخصية بيرى المذبذبة غير السوية.
3- شيرين الإيرانية
تسافر بيرى إلى إنجلترا من أجل أن تلتحق بالجامعة، فتلتقى هناك بشيرين المُسلمة المتحررة ذات الأصول الإيرانية والتى تعيش لتتمتع، فكل ما تريد أن تعيشه بجرأة وحرية لا تعترف سوى برغبتها فى فعل الشىء من عدمه، كما أنها تحتقر كل مظاهر الدين والمتدينين، ويرجع هذا إلى أنها تنتمى إلى أسرة عاشتْ فى المنافى ردحا طويلاً من حياتها بسبب سياسات المَلالى فى طهران، فأصبحت مُلحدة، تُنكر وجود الإله علانية ولا تخشى نقد الآخرين.
4- مُنى المصرية
منى الأمريكية مصرية الأصل القادمة من نيوجرسى، تنتمى إلى عائلة منقسمة أيضا، بين أب متحرر وأم متدينة، لكنها اختارت الحجاب بإرادتها دون أن تفرض الأسرة عليها رأيها، فى حين أن أختها الكبرى مُتحررة ولا ترتدى الحجاب، وهى تؤكد دوما أن الإسلام دين المحبة والسّلام، وإن كانت قد تعرضت إلى مضايقات وصلت إلى حد التحقير بسبب حجابها، هى الوحيدة بين البطلات الثلاث التى تدفع بها الروائية لتجعل منها المسلمة الملتزمة المحجبة التى تؤمن بإرادة الله وبعقائده، وهدفها الوحيد فى الحياة هو أن يعم الخير والسلام وأن ترى البشر متحابين فى الله متمسكين بقيمه وتعاليمه وبالدين القويم.
5- البروفيسور آزور
تلعب شخصية البروفيسور آزور أستاذ مادة الإلهيات التى جمع الثلاث فتيات من خلال المادة العلمية التى يقدمها، وهو يقدم الدور المحورى فى عملية التحولات التى أصابت الشخصيات الثلاث طوال صفحات الرواية، تنقلنا الروائية إلى حالة من الجدل فى الحوارات التى كانت تعقب دروسه أو فى لقاءاته ما بين الثلاث فتيات وما يطرحه هو من أفكار، حول الله والعلم والهوية والانتماء، علاوة على المقارنة الموجودة على مر الصفحات بين الشّرق والغرب والتى أرادت بها الروائية أن تفرض أفكارها هى شخصيا دون مواراة.
ينتهى الأستاذ أيضا إلى حالة من الوئام النفسى بعدما تعرض هو أيضا للاضطهاد من الجامعة، فأنجز بعد استقالته العديد من الأبحاث حول مشروعه عن التدين وطبيعة الإيمان، وصار من أشهر الفلاسفة بفضل هذه الكتابات، وهو ما لم يكن له أن يتحقّق لو استمر فى عمله الجامعى وظل تحت مظلة القصف المجتمعى والنقد من زملائه، ويصبح التحول الأكبر فى سياق الأحداث هو تبادل الأدوار الذى يحدث فى نهاية الرواية حيث تصبح پيرى هى المعلمة وآزور الطالب الذى يتلقى على يديها طبيعة الفروق بين الأستاذ ابن رشد وتلميذه ابن عربى، ورؤية كليهما للعشق.
6- سقطات شافاك
على الرغم من أننى مازلت من المعجبين بقلم شافاك وقدرتها على السرد المتعمق، إلى أنها لم تستطع هذه المرة من تقديم التميز الخالص، فوقعت فى قبضة الشىء الأكيد الذى يُنفر القارئ من أى رواية، وهو التكرار الزائد عن الحد، فهناك تكرار غير مقصود للحوارات فى مختلف المواقف، على الرغم من اختلاف الأفكار والشخصيات.
عندما تقع بيرى فى حب أستاذها آزور، لا نلمح إلا تمزقها الفكرى، الذى انعكس على عواطفها فى التعامل معه، حتى ينتهى بها الحال إلى محاولة الانتحار، وعلى الرغم من أن تلك اللقطة كان من الممكن أن تكون قماشة رائعة لنسج مجموعة من المشاعر والغوص فى داخل النفس البشرية لالتقاط صور متميزة، فإننا لم نشعر بعواطف الفتاة الصغيرة تجاه أستاذها المتقدم فى السن، وتصف الروائية تلك العلاقة الإنسانية بفذلكة فلسفية انتقصت من قيمة الرواية. كما أن شخصية بيرى، البطلة الأساسية فى الرواية سطحية إلى حد كبير، انفعالاتها وعلاقاتها لم ترسم شخصية لها ثقل بل كانت شخصية خفيفة لم تترسخ فى وجدان القارئ على الرغم من كونها البطلة الحقيقية بين السطور.
السقطة الأكبر لرواية شافاك أنها موجهة بشكل قوى إلى قارئ بعينه، القارئ المتفلسف الصبور الذى يستطيع الصبر على 599 صفحة كان من الممكن أن تُختصر لتحقق النسج الأفضل للرواية خصوصا أنها بلا أحداث قوية.
هذه المرة تغلبت قناعات المؤلفة على عقلية القارئ فهزمته فى تقديم أفكارها هى شخصيا والتى بدت جلية طوال الوقت، خصوصا فى الزج بالإلحاد فى سياق الأحداث، حتى وإن لم تكن (بنات حواء الثلاث) واحدة من أفضل روايات شافاك إلا أنها مازالت رواية تستحق القراءة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.