يبدو أن مفاجآت تنظيم هجوم الواحات الإرهابى لم تنته بعد، وأن ما تكشفه الجهات الأمنية تباعا من معلومات بشأن «الفترة المعتمة»، من نشاط الضابط المفصول، عماد الدين عبدالحميد «الشيخ حاتم»، ورجاله، خلال الشهور السابقة على تنفيذ عملية الهجوم، على القوة الأمنية فى الكيلو 135، هو الأهم الآن على الإطلاق. مهم ليس فقط فى إماطة اللثام عن تفاصيل الإعداد للعملية الإرهابية أو تنفيذها، ولكن فى المساعدة على فك رموز معادلة مشهد إرهابى جديد فى مصر، تكون فيه «القاعدة» طرفاً لا يستهان به على الأرجح. فى حواره مع الإعلامى عماد الدين أديب، كشف الإرهابى الليبى، عبدالرحيم المسمارى، أن عماد الدين عبدالحميد، زعيم تنظيم «أنصار الإسلام»، نجح فى ضم مجموعة من العناصر التى شاركت فى تنفيذ عملية «دير الأنبا صموئيل»، وهى العملية التى استهدفت حافلة كانت تقل مجموعة من المواطنين الأقباط الذين كانوا فى طريقهم لدير الأنبا صموئيل بمحافظة المنيا فى 26 مايو الماضى، ونفذها تنظيم «عمرو سعد»، أمير داعش فى الصعيد. غير أن «الشيخ حاتم» نجح فى تجنيد تلك المجموعة المشاركة فى العملية، لصالح تنظيمه الجديد الموالى لتنظيم القاعدة فى مصر، ليس هذا فحسب، لكنه تمكن من دفعهم إلى التنصل من بيعتهم لداعش، وخليفته أبو بكر البغدادى، ومبايعته وتنظيمه على الولاء للظواهرى. نفس المعلومات أكدها بالفعل بيان وزارة الداخلية، الذى كشف أن الفحص الفنى للأسلحة المضبوطة فى عملية الثأر من تنظيم هجوم الواحات، أكد سابقة استخدام بعض تلك الأسلحة فى تنفيذ حادث دير الأنبا صموئيل، وأضاف البيان أن التنظيم نجح فى استقطاب 29 عنصرا من العناصر التى تعتنق الأفكار التكفيرية بمحافظتى الجيزة والقليوبية. تعود القاعدة إذن للمشهد الإرهابى فى مصر، ليس فقط بالتخطيط وتنفيذ العمليات الإرهابية، ولكن بعمليات تجنيد تنجح الآن فى ضم عناصر موالية لغريمه تنظيم داعش، ودفعهم إلى الارتداد عن بيعته، واقتناص فرصة تهاوى نفوذ التنظيم «الأم» المركزى، ما يستوجب بالتبعية نقص الدعم والتمويل لفروعه، وأتباعه فى الداخل المصرى. وهو ما يعنى أن عدوى ما يمكن وصفه ب «لعبة الكراسى الموسيقية»، فى انتقال العناصر والتنظيمات الصغيرة، بين قطبى الإرهاب فى المنطقة «داعش» و»القاعدة»، قد وصلت الآن إلى مصر، بعد مرحلة عرفت فيها الخلايا والتنظيمات «هجينا» من الانتماءات المتنوعة لأعضائها، ما بين إخوان، وجهاديين، ودواعش، وهو ما ظهر فى خلية اللبينى بالهرم على سبيل المثال. يقول الخبير الأمنى العميد خالد عكاشة، إن عملية الانتقال بين التنظيمات وبعضها ظاهرة جديدة فى عالم الإرهاب، موضحا أنها ظهرت تحت تأثير الحرب على الإرهاب فى المنطقة، وعمليات التحالف الدولى وغيرها فى سوريا والعراق، ما ترتب عليه حالة من السيولة التنظيمية، وسقوط الحواجز بين التنظيمات وبعضها، فبدأت الخلايا والتنظيمات الصغيرة تنقل ولاءاتها وفقاً للأحوال التى تواجهها، ويتباين ذلك من منطقة لأخرى، ويتغيرالمؤشر صعوداً وهبوطاً حسب النفوذ الداعشى أو القاعدى. وأضاف أن تلك الظاهرة تتجسد بجلاء فى الواقع الليبى تحديدا، خاصة فى نموذج تنظيم أنصار الشريعة الليبى، الذى سبق وخلع بيعته لتنظيم القاعدة فى فترة تصاعد نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية، ثم شهد انشقاقات ترتب عليها إعلان حله، وعودة فصيل منه إلى أحضان تنظيم القاعدة مرة أخرى. لم يعد من الممكن إذا الفصل بين ما يحدث فى مصر، وبين المشهد الإرهابى فى المنطقة بأكملها، فى ظل تراجع نفوذ داعش، وبزوغ جديد لتنظيم مثل القاعدة، يقوم حاليا بترتيب أوراقه، سعيا للثأر واسترداد نفوذه المفقود، ويتصَدر المرحلة الحالية قيادة شابة جديدة تحمل كاريزما اسم أسامة بن لادن، وهو ابنه حمزة، على أمل أن يكون الأخير عصا موسى، التى تبتلع الشباب الخارج من تنظيم داعش . وإذا أردنا فهم ما يفعله تنظيم القاعدة تحديداً فى مصر حاليا، فلا يمكننا بأى حال من الأحوال الفصل بين عملية هجوم الواحات التى نفذها تنظيم أنصار الإسلام الموالى له، وبدء ظاهرة انتقال الدواعش المحترفين إلى معسكر القاعدة، سعياً للأمان والدعم والإمكانيات، وبين الصراع المعلن بين ذراع آخر موال للظواهرى فى سيناء، هو تنظيم جند الإسلام، وبين تنظيم ولاية سيناء الداعشى. بث تنظيم جند الإسلام الأسبوع الماضى، تسجيلاً صوتياً أعلن فيه بدء عملياته الميدانية ضد ذراع داعش «ولاية سيناء»، وهو إعلان يشير إلى نمط العمليات المتبادلة بين فروع داعش والقاعدة فى سوريا، وليبيا وغيرهما. أصدر تنظيم جند الإسلام تسجيله الصوتى، بعنوان: «بيان تبنى جماعة جند الإسلام للعملية الأمنية التى قامت بها إحدى سرايا الجماعة لدفع صيال خوارج البغدادى فى سيناء»، أكد خلاله أن عناصره نفذت عملية فى 11 أكتوبرالماضى، بهدف أسر عناصر من دواعش سيناء، والتحقيق معهم بشأن انتهاكاتهم بحق الجماعة، إلا أن العملية أسفرت عن مقتل كل العناصر المستهدفة، وعطب سيارتهم، واغتنام ما فيها من عتاد، إضافة إلى مقتل عنصرين من المنفذين. كما كشف بيان تنظيم جند الله، جانباً من المناوشات والجولات بين التنظيمين المتصارعين فى سيناء، وسعى إلى تقديم شروح و تبريرات واضحة لعمليته لعموم الجهاديين فى العالم : «لا تهدأ أيادى المكر لعصابات البغدادى من الترصد لعباد الله من عوام المسلمين والمجاهدين (فى سيناء)، وثبت بالدليل القاطع اعتداءات خوارج البغدادى (تنظيم ولاية سيناء) بحق المسلمين فى سيناء ومحاصرتهم غزة، فتم رصد تسلل مجموعة لمناطق رباط إخوانكم فى جماعة (جند الإسلام)، أكثر من مرة، ومعهم الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وذلك للغدر بهم مجدداً، وبناء على ذلك، قرر الجهاز الأمنى للجماعة القيام بعملية أمنية خاطفة لردع هؤلاء الخوارج، بعد أن تمادى شرهم، ووصل بهم الجهل والظلم إلى تكفير الجماعة، ورميها بالصحوات، وأخيراً، فإننا قادرون على استئصال هذه الفرقة فى سيناء، إن لم ترتدع وترجع عن غيّها وضلالها وتزعن لشرع الله وليس شرع البغدادي». و«جند الإسلام» هو أحد التنظيمات الجهادية فى سيناء، التى سبق وأن اندمجت لتكوين «أنصار بيت المقدس»، ثم انفصلت عنه مرة أخرى بعد بيعته لداعش، وتحوله إلى «ولاية سيناء» نوفمبر 2014. كذلك سبق وأن نفذ «جند الإسلام» عملية تفجير مبنى المخابرات الحربية برفح فى 12 سبتمبر 2013، الذى راح ضحيته 6 جنود شهداء، وأصيب 17 آخرون، ثم لم يعلن التظيم تبنيه للعمليات بعد اندماجه بتنظيم أنصار بيت المقدس لمدة عامين، إلى أن عاد الظهور مرة أخرى بعد الانشقاق، وذلك عبر فيديو دعائى بثه فى نوفمبر 2015، لتدريباته وعملياته . كان هشام عشماوى، صاحب المبادرة الأولى، عندما أعلن بيعته، وإعلان تبعية عمليات جماعته «المرابطون» فى مصر لتنظيم القاعدة، والآن بات واضحاً أن «القاعدة» استخدم إعلان ذراعه فى سيناء «جند الإسلام» ضد تنظيم ولاية سيناء الداعشى، للكشف عن عودته بقوة إلى المشهد الإرهابى فى مصر، لمزاحمة داعش، وسحب البساط منه أيضاً. علق الباحث فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أحمد كامل البحيرى، فى تصريحات منشورة له، بأن عملية جند الإسلام، ضد تنظيم ولاية سيناء، تأتى فى سياق أوسع من مجرد الاشتباك المباشر، بدءًا من الضعف الذى يعانى منه داعش على المستويين المحلى والإقليمى، مع ما يتعرض له من عقبات فى شمال إفريقيا، وأن التطور الحادث يقول إن تنظيم مصرى مثل أنصار بيت المقدس، سيعلن عاجلًا أم آجلًا فك الارتباط مع داعش، وإما يعود للعمل تحت راية القاعدة، أو يأخذ شكلًا جديدًا مثل الذى اتخذته جبهة النصرة فى سوريا. اللحظة القادمة كما يرى «البحيري»، لن تشهد فقط بزوغ جماعات مثل تنظيم جند الإسلام، وإنما سيحدث ذلك على مستوى الإقليم كله، وأن ما يحدث يمثّل فرصة استثنائية لإعادة إحياء التنظيمات التى بايعت أيمن الظواهرى والقاعدة، حيث ستتحرك تلك التنظيمات وتستغل الفرصة لاكتساب العناصر الخارجة عن داعش، بسبب رفضهم أداء التنظيم فى سوريا، أو بسبب حالات الإحباط من هزيمته فى سوريا والعراق. مشيرا إلى أن ذلك سيطول لفترة تمتد لتشمل الربع الأول من العام القادم، ويتحكم فى ذلك مدى قدرة النظام فى كل من سوريا والعراق، على إلحاق الهزائم فى صفوف داعش هناك، وهذه الفترة سوف تتسم بالسيولة التنظيمية الشديدة، الأمر الذى يفرض على كلا الطرفين، العناصر التكفيرية والدولة فى مصر، جدولين متناقضين من المهام. وفقاً للبحيرى، فإن حالة السيولة التنظيمية تلك ستتمثل فى أنه بالنسبة للتنظيمات والقيادات التكفيرية، فإن أغلب الظن أنها سوف تتحول من التبعية التنظيمية لداعش، إلى التبعية الأيديولوجية للقاعدة، دون تبعية تنظيمية، وذلك لسببين: الأول أن عدم الإعلان عن الولاء للقاعدة يسهل مهمة اكتساب العناصر العاملة فى داعش، خاصة هؤلاء الذين انضموا لداعش منذ لحظات نشاطهم الأولى، والثانى أن الساحة العالمية لا تشهد تنظيمًا دوليًا، يعطى التنظيمات الموالية له مكاسب سياسية، مثلما كان وضع القاعدة وداعش.