تحل اليوم 22 نوفمبر 2017 ذكري ميلاد أيقونة مشجعي وعشاق نادي برشلونة رجل الأعمال السويسري "خوان جامبر"، والذي قام بتأسيس النادي الكتالوني العريق، حيث ولد السويسري خوان جامبر في 22 نوفمبر 1877. أن تتدخل السياسة في الرياضة ذلك أصبح أمراً معتاداً، لكن أن تقود الرياضة فئة سياسية وتساهم في تغيير مستقبل البلدان، فذلك يعتبر أمراً عجيباً وغريباً، إلا أن الرياضي السويسري خوان جامبر جعل ذلك ممكناً بتأسيسه لنادي برشلونة، الذي دعّم شعار "الرياضة والمواطنة"، وتكفل بحمل عبء الهوية والقومية الكتالونية، ليستحق فعلاً اللقب بأنه "أكثر من مجرد نادٍ". "إعلان صغير في جريدة" في يوم 29 نوفمبر من العام 1899، كان علامة فارقة في تاريخ إقليم كتالونيا، في ذلك اليوم وضع السويسري خوان جامبر حجر الأساس، لبناء قلعة أًصبحت فيما بعد رمزاً لإقليم كتالونيا وهويته القومية، ألا وهو نادي برشلونة. حيث وضع جامبر إعلاناً صغيراً في صحيفة "لوسديبورتيس" قال فيه إنه يهتمّ بتأسيس ناد لكرة القدم في مدينة برشلونة، وهو الذي لعب في أندية بازل وإكسيلسيور وزيوريخ السويسرية واحترف في ليون الفرنسي بعد ذلك، وكان إعلاناً لافتاً في مدينة لم تكن تعني لها كرة القدم شيئا آنذاك. ففي أواخر أيام القرن التاسع عشر، وفي المبنى ذاته للصحيفة التي وضع فيها الإعلان، اجتمع جامبر مع الإنجليزي جوالتري وايلد في صالة سولي للتمارين الرياضية، وشارك في الإجتماع عشر شخصيات، هم (لويس دوسو وبارتوميو تيراديس وأوتو كونزله وأوتو ماير وإنريك دوكاي وبيرا كابوت وكارليس بويول وجوزيب لوبيت وجون بارسوس وويليام بارسونس). واتنتهت النقاشات بينهم بإعلان تاريخي لإقليم كتالونيا، لقد رسمت الخطوط العريضة وصدرت القرارات بتعيين جوالتيري وايلد رئيساً للنادي ولويس دوسو أميناً عاماً وبارتوميو تيراديس أميناً للمالية، ومن يود الإنضمام لعضوية النادي عليه أن يدفع مبلغاً رمزياً للغاية. "قميص برشلونة" في 13 ديسمبر، اجتمعت الإدارة مجدداً واختارت اللونين "الأحمر والأزرق"، كلونين رسميين لنادي برشلونة، واختير السويسري جامبر ليحمل شارة الكابتن. وخاض جامبر وأحد عشر رياضياً (ستة من كتالونيا وثلاثة من سويسرا واثنان من إنجلترا) أول مباراة بقميص نادي برشلونة، ضد مجموعة من اللاعبين الإنجليز، وانتهت المباراة بخسارة الكتلان بهدف نظيف في المباراة التي أٌقيمت على أرض معشبة تابعة لفندق بونانوفا. "برشلونة يسير علي خطي الكبار" لعب برشلونة أول مباراةٍ رسميةٍ له في كأس أسبانيا أمام نادي العاصمة ريال مدريد في الثالث عشر من شهر مايو عام 1902، وانتهت لصالح الكتلان بنتيجة ثلاثة أهداف لهدف، لكنه خسر في المباراة النهائية أمام نادي بزكايا بهدفين لهدف، واستمر خوان جامبر باللعب لفريق برشلونة لسنة أخرى، واختتم مسيرته بعد أن لعب بقميصه 51 مباراةً أحرز خلالها 120 هدفاً، وكان له دور كبير في إحراز ناديه لقب دوري كاتالونيا في تلك السنة. ولم يكن البارسا آنذاك يمتلك ملعباً خاصاً به، فكان يتنقل ليلعب مبارياته في حديقة بونانوفا وكازانوفا، وساحتي كاريتيرا ومونتانير، إلى أن تسلم جامبر رئاسة النادي، وألقى خطابه الشهير حينها قائلاً: "سنحمل النادي على أعتاقنا وأريد أن أنسى كل الأخطاء التي حدثت في الماضي، وأن أكون جزءاً من المعركة بأننا سنكون كلنا مشتركين بإستعادة النادي لما كان عليه"، واستطاع جامبر تأمين ملعب خاص بالنادي يتسع لستة آلاف متفرج، لينتقل رسمياً بعد فترة قصيرة، إلى ملعب كامب ديل لا إندوستريا. غيّر بعدها برشلونة لغته الرسمية إلى الكتالونية بدلاً من القشتالية، وهو ما أكسبه بعداً قومياً وجعله رمزاً لإقليم كتالونيا يميّزه عن بقية الفرق، وانعكست حالة الاستقرار على نتائج النادي بشكل كبير، بعد أن أصبح للنادي دخل مستقر بفضل ملعبه الخاص، ليعيش فترة ناجحة ومليئة بالإنجازات. ففاز بلقب دوري كاتالونيا ثماني مرات، وسطّر اسمه في السجل الذهبي لكأس أسبانيا خمس مرات، وشهد النادي استقراراً فنياً في عهد خوان جامبر الذي ترأس النادي لولاية ثالثة، حين اتخذ قراراً بتعيين المدرب الإنجليزي جاك جرينويل مدرباً للفريق بأجر مادي وهو ما لم يكن معتاداً من قبل. انضم إلى جامبر لاعبان "أسطوريان" قلبا الموازين هما زامورا وجوسيب ساميتيير، وجذب في فترة ولايته الرابعة، أكثر من 20 ألف عضو ساهموا في زيادة الدخل المالي للنادي، وهو ما مكّنه من شراء ملعب ليس كورتس الذي يتسع لإثنين وعشرين ألف متفرج، ورفعت في ما بعد سعته إلى 60 ألف متفرج، ونقل إليه المقر الرئيسي للنادي الكتالوني. حين تقود الرياضة السياسة.. "جامبر الرئيس" وقد تولي جامبر رئاسة برشلونة لأربع فترات، كانت أولاها من 1908 - 1909، وكانت الفترة الثانية من 1910 - 1913، فيما كانت الفترة الثالثة خلال 1917- 1919 ، أما عن الفترة الرابعة فكانت خلال 1921 - 1923، ثم كانت الولاية الخامسة والأخيرة في 1924-1925 . كان واضحاً أن نادي برشلونة أصبح رمزاً للهوية الكتالونية، كما أن التفاف جميع المنتمين إلى القومية الكتالونية خلف نادي برشلونة، جعل أنظار الحكومة القمعية للسلطة المركزية في مدريد تتخذ قرارهاً بإنهاء الحالة الكتالونية التي فرضها خوان جامبر، والذي بدا مكتوف الأيدي أمام ضغوطات الجنرال ميجل بريمو دي ريفيرا صاحب اليد العليا في عهد الملك ألفونسو الثالث عشر، ليستقيل جامبر في الرابع عشر من شهر يونيو من العام 1925. غير أن الهوية الكتالونية التي غذّاها جامبر لم تمت برحيله عن رئاسة النادي، فهو الذي أعلنها صراحة منذ خطابه الذي قال فيه: "برشلونة نادٍ لا يمكن ولا ينبغي أن يموت، وإذا لم يكن هناك من يحاول إنقاذه، فسأحمل المسؤولية الكاملة لإنقاذه والإعتناء به في المستقبل". وسعياً منه لكسب الأعضاء وتوسيع قاعدته الشعبية وضع جامبر مادة في قوانين تأسيس النادي آنذاك، ونصت على أن "التكامل وتعزيز المشاركة في الأنشطة الإجتماعية والثقافية والفنية والعلمية والترفيهية، هو الكافي واللازم للحفاظ على التمثيل العام، ثمرة لتقليد دائم وهو الولاء والخدمة لأعضاء النادي، المواطنين وكتالونيا"، قالها علناً: "إن كتالونيا وشعبها هم الهم والإهتمام، لذلك كان من الطبيعي أن تصبح مباريات النادي مسرحاً لتعبير الإنفصاليين عن رغباتهم". وكانت الهتافات ترتفع وتزداد في كلّ مباراة، حتى وصل الحال بجماهير برشلونة ليعلنوها صراحةً أنهم لن يغنّوا النشيد الوطني العام في كتالونيا، لأنه لم يعد يعني لهم شيئاً، فاتخذ الجنرال بريمو دي ريفيرا قراره بإغلاق ملعب ليسكورتس مدة ستة أشهر، وقيل أيضاً إنه أًصبح معسكراً لجنوده في تلك الفترة. إلا أن التشكيلة المميزة التي امتلكها نادي برشلونة مكّنته من تجاوز كل العقبات التي وضعتها الحكومة المركزية في مدريد، وجاء الخبر السار لخوان جامبر بأن زامورا الأسطورة الكتالونية آنذاك ومعه عدد من اللاعبين المميزين قد ظفروا بلقب الدوري الإسباني في الموسم الأول لإنطلاقته، إلا أن الفرحة لم تكتمل، فالأزمة الإقتصادية العالمية كانت تنتظر الرجل السويسري لتضع حداً لأحلامه البعيدة. "وفاة أيقونة برشلونة" جماهير برشلونة كانت تنتظر جامبر ليقود سفينة كاتالونيا نحو الأمجاد إلى أنها استفاقت صباح الثلاثين من يوليو عام 1930 بخبر جعل الحزن يخيّم في كل أرجاء إقليم كتالونيا، وأسكت صيحات الجماهير في ملعب ليسكورتس لأول مرة.. لقد مات الأب الروحي لبرشلونة، وخرجت الجماهير بالآلاف لتشييعه، كانت حالة فريدة تعبر عن مدى الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها الرجل السويسري في قلب أبناء إقليم كتالونيا، وهو الذي غيّر اسمه من هانز إلى خوان الاسم المتداول كثيراً في كتالونيا حتى يصبح قريباً منهم. وكان جامبر في عام 1929 قد خسر كل ثروته نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية وعانى من الإكتئاب، ويقال أنه أطلق النار على نفسه في يوليو 1930، وبالنسبة لبطاقة العضوية للسيد جامبر فقد تم تكريسها للابد، ولاحقاً تم اقامة بطولة على شرف هذا الرجل سميت كأس جوان جامبر.