بجلبابه الصعيدي وشاربه الكبير، يجلس وقد وضع إحدى يديه على الكرسي، وأمال ظهره إلى الخلف، ورفع رأسه محملقًا في المارة: "رايح فين يا أستاذ؟ طالع الدور الكام؟" للوهلة الأولى تشعر أن عمدة يخاطبك، أو أن مالك العقار هو حارسه. "عم شعبان" أو عمدة الدقي كما يلقبونه، يجلس يوميًا من شروق الشمس إلى غروبها أمام العقار رقم 8 بشارع السد العالي بالدقي؛ لحراسته ليل نهار، وبلهجة حادة أحيانًا وهادئةٍ أخرى، يستقبل العمدة الوافدين على العقار الذي يضم 18 دورًا، وبه ما يقرب من 57 شقة. "شعبان" صعيدي ولد بقرية برطباط مركز مغاغة بمحافظة المنيا حاصل على الشهادة الابتدائية، قدم إلى القاهرة عام 79، وكان عمره في ذلك الوقت 9 سنوات، وعمل بائعًا في المخابز فترة، ثم انتقل إلى العمل داخل القطارات، إلى أن استقر حارسًا للعقار الأكبر في الدقي، ينظر إليه السكان على أنه جزء من العقار، ولمَ لا؟ فقد شارك في بنائه مع العمال بعد أن ضاقت به الأحوال، ولجأ للعمل في البناء. يقول عم شعبان: "بقى لي 35 سنة في العمارة، ولديّ 5 أبناء: محمد وسيد دبلوم صنايع، عبد الرحمن 2 ثانوي، فاطمة 2 إعدادي، أحمد أولى ابتدائي، وكل حلمي أن يتخرج أولادي، ويعملوا في وظائف أفضل مني". وبضحكة بسيطة يتذكر الرجل الصعيدي، أغرب المواقف التي حدثت خلال حراسته للعقار على مدار ثلاثة عقود: في مرة ذهبت؛ لإحضار دكتور إلى أحد السكان، وعندما عدت وجدته قد فارق الحياة، فأجريت اتصالًا الساعة السابعة من مساء يوم الوفاة بأحد أقاربه لإتمام مراسم الدفن، إلا أن المفارقة كانت أن هذا الشخص جاء الساعة 12 ظهر اليوم التالي، وبدا عليه التأثر ورفض الصعود لاستلام الجثة"، وتابع: سعيد صالح كان في زيارة لأحد السكان بالعقار سنة 88، وبدل ما ينزل في الأسانسير نزل على السلم، ورُحت جبت له تاكسي من على أول الشارع بناءً على طلبه، وفوجئت به بعد ما جبت التاكسي يقول لي: أنا عندي عربية جبت تاكسي ليه؟"، أما يوسف شعبان في مرة شتمني وأنا زعلت منه وراح صالحني وقال لي: اللي بعزه بأحب أشتمه. علاقة عمدة الدقي لم تقتصر على السكان فقط، وإنما حراسته للعقار الأكبر، أتاح له أن يكون صديق الفنانين، وأن يلتقط عشرات الصور مع كبار نجوم الفن والرياضة في مصر والوطن العربي أمثال: سمير صبري، محمد رمضان، أحمد عز، تامر حسني، بشرى، محمود عبد المغني، مهند حسني، نجلاء بدر، مي القاضي، طارق الشيخ، الكابتن أحمد شوبير، وتابع عم شعبان قائلًا: "كانت ليَ ذكريات مع يوسف شعبان وعبد المنعم إبراهيم وهاني مهنا، وسميرة سعيد، وبليغ حمدي، وأحمد يحيى، ومحمد الموجي، كانوا بييجوا زيارات للمستشار علي ناصر مدير مسرح العرائس". وكأحمد زكي في البيه البواب، رفع عم شعبان شعار: "أنا أحط الجنيه تحت رجلي يعليني ولو حطيته فوق دماغي يوطيني"، مضيفًا: بدأت حياتي من الصفر عاملًا في قطار ثم فرَان ثم عامل بناء، إلى أن استقريت حارسًا لذلك العقار"، وعن حراسته قال: "بأصحى كل يوم الساعة 6 الصبح وبأشتغل لمدة 20 ساعة متواصلة" . وبثقة رجل صعيدي يقضي ما تبقي من عمره في القاهرة، تحدث عم شعبان عن حياته وزوجته، قائلًا: زوجتي ست بيت وربة أسرة، استحملتني كتير رغم إني بأنزل البلد كل شهر"، وعن السكان قال: السكان بيعاملوني على أساس إني واحد من البيت، ومرتبي 1250 جنيه، ووالدي كان مزارع وكان نفسه يعلمني أكتر من كدا، بس الظروف كانت وحشة". شهرة "عمدة الدقي" لم تقتصر على محيط العقار، بل امتدت إلى مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك وانستجرام"، حيث أنشأ "عم شعبان" صفحة له على الموقعين، حتى نال شهرة واسعة لكثرة الصور التي يضعها بصحبة الفنانين.