"حالة اغتصاب تودي بحياة فتاة في كفر الشيخ".. هكذا ضجّت الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي بالخبر، خلال الفترة القليلة الماضية.. وهي ليست الحالة النادرة التي تتعرض للاغتصاب في المجتمع المصري، إذ أن نحو 49% من الفتيات اللاتي يعشن في المناطق العشوائية في مصر يتعرضن للتحرش "الجسدي واللفظي"، وفق إحصائية رسمية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في ديسمبر الماضي. ورغم القوانين التي تم تعديلها في العام 2014 للحد والقضاء على ظاهرة التحرش والاغتصاب إلا أن الظاهرة لم تتوقف أو تتراجع. والفتاة التي انتحرت بعد تعرضها للاغتصاب على يد شابين الشهر أول الشهر الجاري، بعدما تناولت مادة سامة، لخوفها من عقاب أسرتها، بعد علمهم بفقد عذريتها، ليست الضحية الوحيدة أو الأخيرة؛ فنحو 18% من النساء يتعرضن لعنف بدني أو جنسي منذ بلوغهن سن 18 عاما، بحسب المسح الأخير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. اضطراب يؤدي لانتحار "اضطراب كرب ما بعد الصدمة".. هذا ما يصيب الفتاة التي تتعرض للاغتصاب، بحسب الدكتور أحمد هارون مستشار العلاج النفسي ورئيس الأكاديمية العربية للعلوم النفسية، وهو مشابه للاكتئاب، حيث تولد الصدمات في مثل تلك الحالات أفكار انتحارية، ما يمكن أن تستجيب له الضحية وتخضع بالفعل للانتحار، ليس خوفًا من المجتمع فحسب، لكن لتجنب صورتها المأسوية أمام نفسها أيضًا. ويوضح هارون ل"الفجر"، أنّ السبب الرئيسي للتحرش، هو اضطراب الشخصية والمعروف ب" اضطراب الشخصية السيكوباتية"، ويحكم تصرفاته "الاندفاع الشديد تجاه الرغبات، والاستجابة السريعة لأي لذة سواء كانت جنسية أو مادية، والانخراط في بعض الأخلاقيات المنافية للأعراف والتقاليد والقيم، وعدم الإحساس بالذنب تجاه أي موقف يقوم به، فضلًا عن انعدام الاستجابة لأي استغاثة أبدًا أو تأنيب للضمير، ولا الوقوف عند معايير خاصة بالضحية، بل إنه يمكن يغتصب "حامل". ويضيف أنّ المتحرش أو المغتصب، يعاني من اضطرابات الشخصية، إلا أنه قد يعاني من "اضطراب الشخصية الاندفاعية"، أي سيطرة أفكار مندفعة عليه، مثل "لمس أي جزء من جسد المرأة"، تلبية للاندفاع المسيطر عليه، وحين إشباع ذلك الاندفاع يتراجع عما يفعله، أما المغتصب يقوم مسبقًا بإعداد "أجندة" مرتبة ويحاول الوقوف على نقاط معينة فيها. وحول علاج الأزمة، يشدد هارون على زيادة الوعي النفسي بتلك الفئة، لأنهم ليسوا مجرمين فحسب، بل هم مضطربون نفسيًا، ولا نقصرهم على فئة معينة من المجتمع فقط بل يمكن أن ينتموا لأي فئة، لذلك لا بد من زيادة برامج التوعية النفسية لمن حولهم وتوجيه الخطاب الإعلامي لمناقشة تلك الفئة تحديدًا وليس مناقشة الظاهرة بشكل عام، مع ضرورة تجميع تلك الفئات ضمن برامج علاجية جماعية تعرف باسم "العلاجات المعرفية" التي تعدل طريقة تفكير الأشخاص. الكبت الجنسي أم العنف السبب؟ "العنف سبب رئيسي للاغتصاب وليس الكبت الجنسي".. تقول الدكتور هدى زكريا أستاذ علم الاجتماع بجامعة الزقازيق، مشيرة إلى أن المجلس القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية سجّل حالات اغتصاب لرجال متزوجين اغتصبوا أطفالًا، ما يعني أن الاغتصاب محاولة لممارسة العنف. وأوضحت ل"الفجر" أن هناك دوافع عدة للتحرش من بينها، إدمان المخدرات أو التعرض للتحرش في الصغر، أو قصور في التربية، مشددة على ضرورة توعية الأطفال بمفهوم الاغتصاب بما يناسب سنهم وحدود فهمهم، وبالشكل البسيط الذي يجعل الأطفال يدركون أن أجسادهم ملك لهم ولا يحق لأحد لمسهم بطريقة غير صحيحة. واستنكرت أستاذ علم الاجتماع الأصوات التي تُرجع السبب الرئيسي للظاهرة إلى الفتاة بسبب ملابسها وتجنب عقاب الجاني، قائلة: "هناك بعض الشباب يرون أنهم يملكون حق تأديب الفتيات على ملابسهم بالتحرش بهم، وبذلك يمارس الاعتداء والعدوانية على أجسادهن". وأكدت أن "المتحرش أو المغتصب يعتمد في ارتكاب الاعتداء الجنسي على خوف الضحية وصمتها المطبق، ونظرة المجتمع إليها نظرة استهانة، ولومها وربما تعنيفها بسبب ملابسها أو تأخرها في المواعيد مثلًا، وهو ما دفع "فتاة كفر الشيخ" للانتحار، مطالبة بضرورة دعم المجتمع والأسرة للفتاة في التصدي للتحرش والإبلاغ عن الجاني ومقاضاته، حتى تنال حقها في عقاب المتحرش. مكافحة العنف وكانت وزارة الداخلية استحدثت قسم مكافحة العنف ضد المرأة في مايو من العام 2013، لمواجهة أشكال العنف ضد السيدات، ويعتمد على عناصر الشرطة النسائية لمناهضة التحرش والتواجد في أماكن التجمعات العامة والمواقع الشرطية. كسر حاجز الخوف "على الفتاة حال تعرضها للتحرش أن تكسر حاجز الخوف ولا تقف صامتة لأي سبب، وأن تكون جريئة وتصد المتحرش ولا تتهاون في حقها"، هكذا يطالب اللواء محمد الذهبي الخبير الأمني ومساعد وزير الداخلية الأسبق، الفتيات اللاتي يتعرضن للتحرش، مؤكدًا في تصريحات صحفية سابقة أنّ إدارة مكافحة جرائم العنف ضد المرأة تتخذ جميع الإجراءات القانونية اللازمة، وتتعامل معها سريعًا بالتنسيق مع جميع الإدارات المختلفة.