«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وصايا في وداع رمضان
نشر في الفجر يوم 23 - 06 - 2017

وقفنا قبل بضع جمع في أول يوم من شهر رمضان، يوم الجمعة الأغر استقبلنا هذا الشهر العظيم وها نحن اليوم مرة أخرى في يوم الجمعة الأغر نودع شهر الخير والإحسان شهر الذكر والقرآن شهر العبادة و الإيمان، الشهر الذي جعل الله فيه الرحمة والمغفرة والعتق من النيران.
إنها وقفات ينبغي أن تثير مشاعر المؤمنين وأن تحرك كوامن قلوبهم، وأن تستجيش عواطفهم الإيمانية ومشاعرهم الإسلامية، وأن يتذكروا ما سلف من أيام هذا الشهر ولياليه وأن يتذكروا ما سيستقبلون بإذن الله - عز وجل - من أيام وليالي قادمات، وصايا في وداع شهر رمضان.
إن هذه الوصايا - أيها الإخوة - تتكرر داماًَ ولا يكاد أن ينقضي شهر رمضان أو تأتي أيامه الأواخر إلا ويعاد مثل هذا الحديث، ونحن نرى اليوم شهر رمضان وهو يودعنا وفي الوقت نفسه يوصينا ويذكرنا.
فينبغي أن نرعي لهذه الوصايا سمعنا وان نصغي إليها بقلوبنا وأن نعزم على أن نمتثلها في سلوكنا وأن نحرص على أن نتواصى بها في مجالسنا ومساجدنا، وأن نسعى أن نكون بعون من الله - عز وجل - وفضل ممن كتب له القبول ورضوان الله - سبحانه وتعالى-.

الوصية الأولى: فلا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين:
إن من أعظم الجرم وإن من أكبر الخسران أن يعود المرء بعد الغنيمة خاسراً وأن يبدد المكاسب التي يسرها الله - عز وجل - في هذا الشهر الكريم، وأن يرتد بعد الإقبال مدبراً وبعد المسارعة إلى الخيرات مهاجراً وبعد عمران المساجد بالتلاوات والطاعات معرضاًo فإن هذه الأمور لتدل على أن القلوب لم تحيا حياة كاملة ب الإيمان ولم تستنر نورها التام بالقرآن وأن النفوس لم تذق حلاوة الطاعة ولا المناجاة وأن الإيمان ما يزال في النفوس ضعيفاً وأن التعلق بالله - عز وجل - لا يزال واهناً لأننا أيها الإخوة على مدى شهر كامل دورة تدريبية على الطاعة والمسارعة إلى الخيرات والحرص على الطاعات ودوام الذكر والتلاوة ومواصلة الدعاء والتضرع والابتهال والمسابقة في الإنفاق والبذل والإحسان ثم ينكس المرء بعد ذلك على عقبه.

إن ذلك أيها الإخوة أمر يدل على استحواذ الشيطان على الإنسان المؤمن وأن خنوس الشيطان في رمضان فترة مؤقتة لم يتمكن الإيمان في القلوب و الذكر في النفوس والصلة بالله - عز وجل - في كل آن، حتى تعصم المرء من وساوس الشيطان {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم}، إن المسألة أيها الإخوة تحتاج إلى أن نتدبر في معناها ومغزاها إن المخالفة لله - عز وجل - والمعصية لأوامره والانتهاك لحرماته والتجاوز والتعدي على حدوده أمر عظيم تنخلع له قلوب المؤمنين الصادقين.. إنه كما قال سلفنا: \" لا تنظر إلى صغر الذنوب ولكن انظر إلى عظمة من عصيت \"، وكان أحدهم يقول: \" إن الكافر يرى الذنب كذبابة جاءت على أنفه فقال بها هكذا - أي لا قيمة لها ولا يكترث بها ولا يصيبه الغم مما وقع فيه من المعاصي - أما المؤمن فإنه يرى الذنب كالجبل يوشك أن يقع عليه \"، فلا يزال في هم منه وفي استغفار دائم لله - عز وجل - منه وفي سعي دائب ودائم على أن يكفر ذلك الذنب وأن يجدد التوبة وأن يصحح النية لله - عز وجل - وأن يستزيد من الخيرات والطاعات.

أيها الإخوة : ينبغي لنا أن نبرأ من حال من وصف الله - سبحانه وتعالى- في كتابه بقوله: {ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين}. إنه ينبغي لنا أن ندرك أن الحرمان من الطاعة بعد التوفيق إليها وأن الوقوع في المعصية بعد الاعتصام منها نوع من عدم رضوان الله - عز وجل - على العبد ونوع من حرمانه من قبول العملo لأن الله - عز وجل - قد وعد ووعده الحق أن الطاعة تولد الطاعة، وأن الذي يجاهد في سبيل الله وطاعته أنه - عز وجل - يسهل له الطريق ويمهد له السبيل {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين} هكذا وعد الله - عز وجل -o فإن كنا صادقين في جهادنا لأنفسنا واجتهادنا في طاعة ربناo فإن الله - عز وجل - يسَّر لنا امرنا وجاعل لنا عاقبة أمرنا خيراً لنا من عاجلتنا وجاعل خير أعمالنا خواتيمها وجاعل كل يوم من الأيام زيادة في الخير والطاعة والقرب له - سبحانه وتعالى-.

ولذلك ينبغي لنا أن نتذكر - أيها الإخوة - أن الارتداد على الأعقاب وأن المخالفة بعد الطاعات، وأن الوقوع في المعاصي بعد المداومة على الخيرات هو من أعظم البلاء، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن القيم رحمة الله عليه: \"إن أعظم ما يبتلى به العبد وقوعه في الذنب، وأعظم من ذلك أن لا يشعر بأثر الذنب فذلك موت القلوب \".
وهو أعظم بلية يبتلى بها الإنسان في هذه الدنيا نسأل الله السلامة ولنعلم أيها الإخوة أن الأيام تنقضي، وأن الأعمار تفنى، وأن الأجل يقدم، وأن الإنسان إذا وفق للطاعات اليوم فقد يحرم منها غداً إما بمرض أو بعجز، وإما بقهر وإما بسبب من الأسباب. {واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون}.

ولنعلم - أيها الإخوة - أن هذا الأمر الذي يقع فيه كثير من الناس عاقبته إنها تعود على الإنسان نفسه، فالله - عز وجل - غني عن طاعة الطائعين مستغن عن عبادة العباد قال - جل وعلا - في الحديث القدسي الصحيح المعروف: (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وأنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، ولو أن أولكم وآخركم وأنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً)، هو - سبحانه - الغني ونحن الفقراء إليه فإن أطعناه في ذلك طمأنينة في قلوبنا وانشراح لصدورنا وسعادة لنفوسنا وبركة في أموالنا وأوقاتنا وذرياتنا وحسن عاقبة في آخرتنا بإذن الله - عز وجل -.
وإن عصيناه - لا قدر الله - فإن ذلك ظلمة في القلب وضيق في الصدر وهم وغم وتوالٍ, للبلاء وتوالٍ, وتكرر لما يقضيه الله - عز وجل - من فتنة ومحنةo لأن الله - عز وجل - قال: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا} فكيف لو أراد الله - عز وجل - قضى أن يعاقب كل أحد على معصيته لكان كما قال الله - جل وعلا -: {ما ترك على ظهرها من دابة}، وقال الله - جل وعلا -: {فمن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً} إنما هو المتضرر هو أنت - أيها العبد المؤمن - كيف ترضى بعد الغنيمة في مواسم الخير أن تعود خاوي الوفاق وان تتحمل الديون من جديد، إن هذا التاجر الذي يصنع هذا الصنيع لا شك انه أحمق وأنه يجني على نفسه جناية عظمى وأنه يكون عند الناس غير مرضي عنه ولا مقبول عمله.

ثم انظروا - أيها الإخوة - ما ساق الله لنا في هذا الشهر الكريم. انظروا ما كنا عليه بحمد الله - عز وجل - مما ينطبق بإذنه - سبحانه وتعالى- وصف وشهادة الحق في قوله: {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين}، هذه الشهادة كنا ننالها بحمد الله ونحن نأتي إلى المساجد زرافات ووحداناً ونحن نتسابق إليها مع آذان المؤذن وقبل دخول الوقت ونحن نمكث فيها نظل فيها أوقاتاً طويلة ويعتكف المعتكفون ويتهجد المتهجدون ويتطوع المتطوعون.
فكيف بنا بعد ذلك نتخلى عن هذا الخير وقد يصدق في بعضنا قول الله - جل وعلا - {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً} ما بالنا أيها الأخوة وقد أخبرنا النبي - عليه الصلاة والسلام - بالمثوبة والأجر في هذا العمل العظيم والركن الركين، والأساس المتين في هذا الدين، ثم بعد ذلك نفرط هذا التفريط وكنا في هذا الشهر بحمد الله - عز وجل - ممن يخاطبون، يقول الله - جل وعلا -: {الذين ينفقون أمو الهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} فهل ننتكس بعد ذلك ونرتكس ويكون حالنا كمن قال الله - جل وعلا - في شأنهم عن المنافقين: {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون}.
لا ينبغي لنا أن ننزل عن مرتبة المنفقين المسارعين في البذل والإنفاق حتى نصل بعد ذلك وفي نهاية الشهر إلى الوصف الذميم الذي ذكر النبي - عليه الصلاة والسلام - كما في مسند احمد (أن المؤمن يطبع على الخلال كلها إلا الكذب والخيانة)، وقد ذم النبي - عليه الصلاة والسلام - البخل والشح فينبغي لنا أن نبرأ من هذا الداء العضال وقد تبرأنا منه طيلة الشهر فلا ينبغي لنا أن نعود كما قال - جل وعلا -: {الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً}، وكيف بنا - أيها الإخوة - وقد كان لنا عظيم الصلة بكتاب الله - جل وعلا - وكنا مقبلين على تلاوته نرطب به ألسنتنا، ونمتع به أسماعنا، ونحيي به قلوبنا، ونتذكر به أوامر ربنا، ويحق فينا بإذنه قوله - جل وعلا -: {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور}، وكنا بحمد الله - عز وجل - ممن يصدق فيهم وصفه - سبحانه وتعالى-: {وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً}، فكيف بنا بعد ذلك نرتد للقرآن هاجرين وعن آياته منقطعين وعن أوامره غافلين وقد يصدق في بعض منا قوله - جل وعلا -: {وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبراً كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقراً فبشره بعذاب أليم}.
وقبل هذه الآية ما يدل على كيفية استبدال الناس بالقرآن بغيره من الغناء ومن اللهو والعبث ومزامير الشيطان، فقال - جل وعلا -: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله} هكذا - أيها الأخوة - مفارقة عجيبة ليس بينها في الزمن إلا يوم واحد أو ليلة واحد يكون فيها الناس على الخير مقبلين وبعد ذلك مباشرة يكونون عنه نافرين.. يكونون في طاعة الله - عز وجل - ورحمته ورضوانه ثم ينسلخون ويفرون إلى معصيته وسخطه وعقابه واستحقاق نيرانه، إنها وصية يذكرنا بها رمضان في آخر يوم من أيامه {ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين}.

الوصية الثانية: وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولاً:
وما ينقضي رمضان و لا تأتي أواخر أيامه إلا وقد انعقدت القلوب على معاهدات كثيرة مع الله - عز وجل -، من معاهدة على ترك المنكرات، ومن معاهدة عل فعل الخيرات والطاعات ومن معاهدة ومعاهدة، فكيف بنا لا نفي بوعدنا وعهدنا مع الله - عز وجل - {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولاً}، ومثوبة عظيمة من الله - عز وجل -: {ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً}، {بل من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين}.
فينبغي لنا أن نستجيب لأمر الله {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها}، والله - عز وجل - يبين لنا شأن المؤمنين الصادقين في قوله - جل وعلا -: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر} إنها المرابطة على طاعة الله - عز وجل - إنه الإتيان بموجب العهد والعقد الذي وجد في قلبك ونطق به لسانك وتاقت إليه نفسك أن تكون مع الله - عز وجل - ليكون الله - سبحانه وتعالى- معك بإذنه - جل وعلا - ولا يكن أحدنا كما وصف الله اليهود عليهم لعائن الله: {أو كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون}.
إن العهود - أيها الأخوة - في مجال الخير لا بد أن يحرص المرء على الوفاء بها ولا بد أن يحرص على ان لا ينسلخ منها وان لا يخالف موجبها.

الوصية الثالثة: خير الأعمال أدومها وإن قلّ:
لأن النبي - عليه الصلاة والسلام - يبين لنا أن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ، و قليل دائم - أيها الإخوة - خير من كثير متقطع، نحن نعلم أن النفوس في هذا الشهر باجتماع المصلين والذاكرين، وبفضيلة الزمان وبغير ذلك من الأسباب تنشط بالطاعات بصور أعظم وأكبر، لكنها ينبغي أن تبقى الحد الأدنى الأقل الذي تستطيعه وتواظب عليهo فإن الله - سبحانه وتعالى- يحب من العبد إذا أحدث عبادة وطاعة أن لا ينقطع منها وكان سلفنا الصالح إذا سرعوا في طاعة واظبوا عليها وكان احدهم في كل يوم يزيد عن اليوم الذي قبله في الخير والطاعة.

الوصية الرابعة: وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون:
أيها الإخوة كنا نشعر في شهر رمضان بتلاحم الأمة كنا نذكر أخواننا في البوسنة وفي فلسطين وفي كشمير وفي كل مكان نذكرهم بدعائنا وبكائنا نذكرهم في سجودنا وصلاتنا، ثم نذكرهم بإنفاق أموالنا ثم نذكرهم بما ندعوا به على أعدائنا كل ذلك ونحن نستشعر أننا نعيش معهم ترابطاً وطيداً وعلاقة حميمة ووحدة يحققها قول الله - جل وعلا -: {إنما المؤمنون إخوة}، ونستحضر قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) نحن نتحقق بهذه المعاني كلها في شهر رمضان المبارك، ونشعر أن لنا أخوة يصومون وهم خائفون ونحن بحمد الله - عز وجل - في أمن وأمان يصومون وهم يحارِبون ويحارَبون ونحن في سلم وسلام يصومون وهم يضطهدون ويعذبون ونحن في كرامة وسلامة ونعمة وعافية.
ينبغي لنا أن لا ننسى إخواننا لم لا ندع لهم كما كنا ندعو لهم في وترنا؟ لم لا ننفق في دعمهم ولأجل مواساتهم وكفالة أيتامهم فيما بقي من أيام عمرنا وأيام حياتنا وأيام عامنا؟ لم لا نبقى دائماً على تذكر لما يجنيه عليهم أعداؤنا المجرمون الذين ينبغي لنا أن نبغضهم بقولنا وأن نلعنهم بألسنتنا، وأن ندعو الله عليهم بالليل والنهار، وأن نأخذ أسباب القوة والعدة التي تهيئ لنا أسباب النصر عليهم بإذن الله - عز وجل -.

الوصية الخامسة: إن الحسنات يذهبن السيئات:
يقول الحق - جل وعلا -: {أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات} وقد أقمنا بحمد الله الصلوات آناء الليل وأطراف النهار وملأنا الأوقات ب الأذكار و الاستغفار وشغلنا اللسان ب الدعاء والابتهال، وأحيينا القلوب بمعاني الإيمان ومشاعر الإسلام كل ذلك كان أيها الإخوة ونحن ن حسن الظن بالله - جل وعلا - كما قال في الحديث القدسي: (أنا عند حسن ظن عبدي بي) نحن نأمل ونرجو أن تكون هذه الحسنات قد كفرت ما سلف ومضى من السيئات، فلنبدأ صفحة جديدة مع الله - سبحانه وتعالى-.

ولنبدأ أياماً جديدة نجدد فيها العهد ونواظب فيها على العمل لا نرتد فيها على أعقابنا نشعر بوحدتنا مع إخواننا ونشعر دائماً أننا في حاجة إلى الاستغفار وتكفير السيئات وتكثير الحسنات، فذلك باب عظيم من الأبواب العظيمة في حياة المؤمن والله - عز وجل - قد جعل لنا في أيام شهرنا نفحات نتعرض لنفحات الله لنتطهر من الذنوب والآثام والخطايا: ( رمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر)، إذاً قد نثق إن شاء الله بتكفير الذنوب والخطايا ولكنا نحتاج بذلك أن نستقبل أيامنا إستقبال الطاعة والإنابة والمسارعة إلى الخيرات فالله اسأل أن يختم لنا شهر رمضان برضوانك والعتق من نيرانك، وأن يرزقنا الإستقامة بعده والهداية على طريقه و الثبات على الحق وان يجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم نلقاه وهو راض عنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
أما بعد أيها الأخوة المؤمنون:
إن شهر رمضان غايته التقوى {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}، فالله الله في تقواه، والله الله في مراقبته، والله الله في طاعته، والله الله في اجتناب معاصيه.
أيها الإخوة الأحبة: قد أسلفت أن هذه الوصايا مكررة وأنها دائماًَ تذكر في آخر شهر رمضان ولكننا لا بد أن نذكُر ونذكِّر {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} والمؤمن إذا سمع آيات الله إذا سمع أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا عرف سيرة السلف الصالح تجدد عزمه وقويته همته على أن يكون على آثارهم مقتدياً وعلى طريقهم سائراً، إن الأمر أيها الإخوة جد وإن حال الأمة في تخلف وترد بسبب عدم التزام أوامر الله - عز وجل - وعدم استمساكها بحبله وعدم إقامتها وثباتها على دينه وتفرقها واختلافها ونكوسها وارتدادها على أدبارها، إن الأمر أيها الإخوة يظهر لنا في شهر رمضان بعض هذه الصور، وقد ذكر منها مراراً في الجمع الماضية وأذكر بها حتى يعيها إخواننا جميعاً، نحن نرى التخلف والتأخر والضعف مع طول المدى والزمن فنحن نرى كما قلت في الجمع الماضية أن الجمع الأخيرة من رمضان يتخلف عنها المتخلفون وينام النائمون ويتأخر المتأخرون، وذلك يدل على أن ارتباطنا بالطاعة إلى أن يعيدوا إلى مدى متواصل ليس كما ينبغي أن يكون، ولذلك أيها الإخوة ينبغي لنا أن نتذكر هذه الوصايا في آخر شهر رمضان.

الوصية السادسة: أن نجدد رمضان في أيامنا:
لم ننقطع عن الصوم وقد فتح الله لنا أبواباً من الخير عظيمة، وقد جعل أبواب التطوع كثيرة نلقى بها الأجر ونستفيد التربية والتهذيب الإيماني والخلقي من الصوم، ويباعد الله - عز وجل - بيننا وبين النار وقد ذكر النبي - عليه الصلاة والسلام - وطبق في حياته كثيراً من السنن المتعلقة بصيام التطوع من صيام يومي الاثنين والخميس، كما في حديث عائشة في مسند الإمام أحمد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم الاثنين والخميس، وفي سنن الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الأعمال تعرض يوم الاثنين والخميس وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم).
ومن باب التذكير أيضاً وذلك تجديد وإبقاء لمعاني رمضان وعبادة رمضان في سائر العام لما ورد في الحديث الصحيح من حديث أبي أيوب الأنصاري عند الإمام مسلم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر كله) فهل نحن في غنى عن فضل ربنا؟ وهل نحن قد ضمنا وأمنا من مكر ربنا؟ وهل نحن قد استغنينا عن الحسنات وعن المسارعة إلى الخيرات.

ينبغي لنا أيها الإخوة أن نحرص ولو في الشهر ثلاثة أيام ولو في الشهر يوماً واحداً أن نصوم لنتذكر رمضان ونتذكر معاني رمضان ونلقى الأجر من الكريم المنان - سبحانه وتعالى-، ما بالنا ننقطع عن رمضان كأنه سحابه صيف مرت وليس لها أثر، وكأنه فترة من الزمن ليس لما قبلها ولما بعدها ارتباط بها! إن المؤمن ينبغي له أن يتذكر وأن يرتبط بالعبادة بكل صورة وسبب.
ومما يذكر به أيضاً في آخر الشهر صدقات الفطر وزكاة الفطر التي هي جبر للصيام وإتمام له والذي لا يؤديها يبقى صيامه معلقاً بين السماء والأرض وقد فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدقة الفطر صاعاً من بر أو طعام فهذه الصدقة أو الزكاة تخرج عن كل مسلم صغيراً وكبيراً ذكراً وأنثى حراً وعبداً فإن هذه الزكاة تشمل كل أحد وهي صاع من غالب قوت أهل البلد وعند الجمهور لا يجزئ إخراج قيمة عنها، وكذلك وقت خروجها من ليلة العيد إلى صلاة العيد ويجوز تقديمها بيوم أو يومين وإذا أداها بعد صلاة العبدo فإنها صدقة وليست زكاة فطر، وينبغي للمرء أيضاً أن يحرص على زكاة الفطر وأن يسعى إلى إخراجها وأن يكون متحرياً فيها غير متساهل وغير عابئ ومكترث فإنها من كمال وتمام صيامه.

والله أسأل - أيها الإخوة الكرام - أن يوفقنا لما يحب ويرضى وان يجعل قلوبنا واثقة به مرتبطة به راجية فيما عنده خائفة من عذابه ونسأله - سبحانه وتعالى- أن يقيمنا على الطاعة، وأن يرزقنا الاستقامة، ونسأله - سبحانه وتعالى- الثبات على الأمر والعزيمة على الرشد و الهمة في أبواب الخير كلها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.