ما زال الصراع قديم الأزل بين إيرانوالإمارات العربية المتحدة قائم، بشأن الثلاث جزر التي تقع شرقي الخليج العربي، وتسيطر عليها إيران منذ عام 1971، أي بعد استقلال الإمارات، فبينما تقول الإمارات إنها جزء من أراضيها، تؤكد طهران أن ملكيتها للجزر "غير قابلة للإنكار"، فضلًا عن التهديدات الإيرانية المستمرة بإغلاق مضيق هرمز، لتندد الإمارات بذلك وتعتبره اختراق للقانون الدولي. أهمية الجزر الاستراتيجية الجزر الثلاث، هم؛ جزيرة طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وجزيرة أبو موسى، تقع تلك الجزر شرقي الخليج العربي قرب مضيق هرمز، ورغم صغر مساحة الجزر الثلاث فإن أهميتها الاستراتيجية والاقتصادية كبيرة جدًا وهي سبب النزاع عليها، فهي تقع في منطقة حساسة من الخليج العربي وتوجد بالقرب منها الممرات الآمنة للملاحة البحرية فيه.
وتشرف الجزر على مضيق هرمز الذي يمر عبره يوميًا حوالي 40% من الإنتاج العالمي من النفط، ويربط بين خليج عُمان والخليج العربي المعبر الرئيسي إلى المحيط الهندي. ومن يتحكم في هذه الجزر يسيطر على حركة المرور المائي في الخليج العربي.
أصول الجذور كانت الجزر الثلاث مشمولة بمعاهدة الحماية الموقعة عام 1819 بين حكام الخليج وبريطانيا، ورغم ذلك فقد ظلت موضع اهتمام إيران التي حاولت -بوصفها أكبر قوة إقليمية- احتلالها عام 1904 و1923 و1963 لكنها أخفقت في محاولاتها تلك، ثم ما لبثت أن عاودتها آمال السيطرة عليها حين أعلنت بريطانيا انسحابها من المنطقة عام 1968.
وبعد فشل إيران في استتباع البحرين التي صوت سكانها في استفتاء عام 1970 على بقائها مستقلة، ركز شاه إيران محمد رضا بهلوي -القلق من الاتحاد المرتقب بين الإمارات الخليجية، والراغب في لعب دور "شرطي الخليج" الذي يحمي المصالح الغربية فيه- اهتمامه على الجزر الثلاث وأعلن أنه ينوي احتلالها، وساعده على ذلك صمت وربما تشجيع الدول الكبرى.
احتلال إيران للجزر وبرغم الرفض القاطع، إلا أن حاكم الشارقة خالد القاسمي، وافق -بعد أن أخفق في الحصول على مساندة عربية- على توقيع مذكرة تفاهم مع إيران برعاية بريطانية عام 1971، ونصت الاتفاقية على تقاسم السيادة على جزيرة أبو موسى (الجزء الشمالي لإيران والجزء الجنوبي للشارقة) واقتسام عوائد نفطها، دون اعتراف إحداهما بمزاعم الأخرى تجاه الجزيرة.
لكن إيران وضعت يدها على طنب الكبرى والصغرى بعد أن اقتحمتهما بقوات عسكرية يوم 30 نوفمبر 1971، مما أدى إلى مقتل بعض رجال الشرطة وخمسة مدنيين وتهجير 200 عائلة، حسب مصادر إماراتية. في حين نشرت طهران قوة عسكرية في نصف جزيرة أبو موسى عملا بالاتفاقية الموقعة مع حاكم الشارقة.
الاستخدام العسكري أما جزيرة أبو موسى فقد استمرت فيها اتفاقية تقاسم السيادة حتى 1992، عندما قرر حكام إيران توسيع الاستخدام العسكري لجزيرة أبو موسى، فنصبوا فيها صواريخ مضادة للسفن وأقاموا فيها قاعدة للحرس الثوري وفيلقا بحريًا.
وبدأت مساعي إيران، بمضايقة البعثة التعليمية العربية وحظروا في أغسطس 1992 دخول أفرادها إلى الجزيرة دون تأشيرة إيرانية، وأرغموا طاقم سفينتهم المسماة "الخاطر" -التي تزور الجزيرة مرتين عادة، وتنقل المسافرين بين البر الإماراتي والجزيرة- على العودة إلى الإمارات.
استغلال إيراني للجزر واستغلت إيران الجزر، لصالحها، حيث أسست مطارًا في جزيرة أبو موسى، وقامت بتسيير خط جوي بينها وبين مدينة بندر عباس الإيرانية، ثم افتتح وزير الداخلية الإيراني بلدية إيرانية في الجزيرة.
وفي 2012 أعلنت إيران إقامة محافظة جديدة تدعى "خليج فارس" وجعلت جزيرة أبو موسى عاصمتها بعد أن كانت تابعة لإقليم "هرمز غان" وعاصمته بندر عباس، بينما سمحت لشركات سياحة إيرانية بتنظيم رحلات سياحية إلى الجزر الثلاث، كما أجرت منذ التسعينيات عشرات المناورات العسكرية البحرية والجوية في مياه المنطقة.
الإمارات تندد باحتلال إيران وظلت الإماات ترفض وتندد، باحتلال إيران لجزرها الثلاث، مؤكدة أن شعبها هو من شعب الإمارات وسيادتها من سيادته، ونظمت حملة دبلوماسية ضد الخطوة الإيرانية وطالبت الدول العربية والمنظمات والهيئات الدولية بمساندتها في مواجهة "الاحتلال" الإيراني لجزرها، إلا أن محاولاتها باءت بالفشل، وظلت السيادة لإيران.
تبرير الطرفين وظلت الجزر الثلاث محل جدل ونقاش بين الطرفين، حيث تقول إيران إنها "لم تتخل أبدًا عن سيادتها" على الجزر الثلاث أيام الوجود البريطاني، وملكيتها للجزر الثلاث "غير قابلة للتفاوض لأنها جزء لا يتجزأ من الأراضي الإيرانية منذ القدم"، وإن ما تسميه "سوء الفهم" في هذه القضية لا يمكن أن يُسوَّى إلا "بالتفاوض المباشر وغير المشروط بين البلدين"، وما يصدر عن الإمارات في هذه القضية "تدخل في الشؤون الإيرانية مرفوض بالكامل".
وتضيف طهران أنها عندما وقعت الاتفاقية مع الشارقة 1971 لم تكن هناك دولة اسمها "دولة الإمارات"، وبعد أن تشكلت هذه الدولة فإنها قبلت كل المواثيق والاتفاقيات الموقعة سابقا وتعهدت باحترامها، ومن ضمنها اتفاقية عام 1971 الموقعة مع إيران الشاه.
أما الإمارات فتقول إن الجزر "إماراتية الانتماء بحكم القانون والتاريخ"، وإن إيران تخلت عن ميراث الشاه في كل شيء وتغيرت تغيرا جوهريا وأصبحت جمهورية إسلامية لها نزعة ديمقراطية، إلا في قضية الجزر فقد نظرت إليها نظرة قومية وحافظت فيها على ما فعله الشاه من "احتلال غير شرعي ولا إسلامي".
وتستدل الإمارات على ملكيتها للجزر الثلاث بأن جميع الوثائق والمراسلات الرسمية البريطانية تقضي بأن الحكومة البريطانية كانت -منذ احتلالها المنطقة في القرن التاسع عشر وحتى "احتلال" إيران الجزر سنة 1971- تقر بالسيادة العربية على هذه الجزر، وكذلك مراسلات شركة النفط الأنكلو/إيرانية في عبدان سنة 1935.
وساطة دولية وظلت ولا زالت طهران، ترفض التصعيد الدولي ضد احتلال إيران للجزر، كما عارضت في البداية الدخول في مفاوضات ثنائية ومباشرة مع الإمارات، قائلة إن المسألة تعني إمارة الشارقة فقط، ثم غيرت موقفها لاحقا ودخل الطرفان في جولات تفاوضية لحل القضية بدأت في أبو ظبي عام 1992 لكنها لم تصب أي نجاح.
وحين قبلت طهران وساطة أطراف صديقة للجانبين قامت كل من سوريا وقطر (عام 1995) بجهود دبلوماسية خلال تسعينيات القرن العشرين لكنها كلها انتهت إلى الفشل، الذي تعددت أسبابه بدءً من اختلاف توصيف الطرفين لحقيقة الإشكال؛ ففي حين يقول الجانب الإيراني إن الأمر مجرد "سوء تفاهم" يصفه الطرف الإماراتي بأنه "احتلال إيراني حقيقي" لجزء من أراضيه.
إيران تهدد بإغلاق مضيق هرمز ودائمًا ما تهدد إيران، بإغلاق مضيق هرمز، لمنع تصدير النفط، وهو ما يشكل خطرًا على صادرات الإمارات، حيث تمر في اليوم 20 -30 ناقلة نفط، ما يعني في ساعات عبور الناقلات تمر كل 6 دقائق ناقلة نفط عبر المضيق، وفي حال إغلاق المضيق سينتج ضرر بالاقتصاد العالمي.
الإمارات لا تبالي بتهديدات إيران وبدوره، أعلن حاكم إمارة فجيرة في الإماراتالمتحدة العربية أن خط أنبوب النفط الجديد في الدولة قد تجاوز مضيق هرمز، ما يعني أن تهديدات إغلاق مضيق هرمز قد فات وقتها.
وقال الشيخ محمد بن حمد الشرقي، حاكم إمارة الفجيرة في الإمارات العربية المتحدة، مشيرًا إلى افتتاح خط أنبوب لصادرات النفط عبر الشواطئ الشرقية، دون الحاجه إلى عبوره من مضيق هرمز: هذا يعني أن تهديد إغلاق مضيق هرمز قد فات وقته وليس له قيمة.