في خطوة من شأنها أن تردع إيران عن مواصلة استفزازاتها لدول مجلس التعاون الخليجي, كشفت مصادر عسكرية أمريكية عن قيام الولاياتالمتحدة بنشر مقاتلات "إف 22 " في الإمارات على وقع تزايد التوتر بين أبوظبيوطهران. ونقلت وكالة "فرانس برس" عن الميجور الأمريكي ماري دونر جونز القول في مطلع مايو إن سلاح الجو الأمريكي نشر مقاتلات "إف 22 " في الإمارات, موضحا أن مثل عمليات الانتشار هذه تعزز العلاقات بين الجيشين وتساهم في تعزيز الأمن الإقليمي وتحسن العمليات الجوية المشتركة. ومن جانبه, قال المتحدث باسم البنتاجون جون كيربي للصحفيين في واشنطن إن هذا الانتشار طبيعي تماما لكونه يندرج في إطار إعادة تموضع القوات الأمريكية في المنطقة بعد انسحاب الجنود الأمريكيين من العراق. واللافت إلى الانتباه أن الإعلان عن نشر مقاتلات "إف 22 " الأمريكية جاء متزامنا مع إجراء قوات درع الجزيرة التابعة لمجلس التعاون الخليجي مناورات في الإمارات شعارها "جزر الوفاء"، في إشارة للجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها إيران منذ عام 1971 . وكانت مصادر خليجية كشفت في وقت سابق عن إجراء قوات درع الجزيرة مناورات في الإمارات ابتداء من 29 إبريل ولمدة يومين لاختبار التنسيق والانسجام بين مختلف القوات البرية والبحرية والجوية لتنفيذ مهام وعمليات كبرى وصفت بالخاصة في السواحل والجزر الواقعة في المياه الإقليمية للدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي, موضحة أن هذه المناورات أجريت على مستوى القيادات وهيئات الأركان الأعضاء في درع الجزيرة. وبالنظر إلى أن المناورات السابقة جاءت بعد أيام قليلة من إعلان إيران عن نشر أسلحة هجومية ودفاعية في الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة, أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى, فقد أكد كثيرون أن دول مجلس التعاون الخليجي انتقلت من مرحلة إدانة استفزازات طهران المتواصلة إلى الانتقام عبر خطوات عملية على الأرض. وكان قائد القوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني الأدميرال علي فدوي أعلن في 24 إبريل الماضي أن قوات الحرس الثوري نشرت ألوية من مشاة البحرية في الجزر الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، قائلا :" لن نسمح لأي عدو بأن يدخل هذه الجزر، أو يدخل الأجواء البحرية الإيرانية, وسنرد على أي عمل عدائي بقوة". وتابع فدوى" الحديث عن الجزر الثلاث من قبل الإمارات ومجلس التعاون أمر مرفوض تقف وراءه بريطانيا والولاياتالمتحدة، سيادة إيران على هذه الجزر مثل سيادتها على طهران، زيارة الرئيس محمود أحمدي نجاد لجزيرة أبو موسى في 11 إبريل مثل زيارته لمدينة أصفهان". وشدد على أن حديث "أي جهة خارجية" عن الجزر الثلاث يعد تدخلا في شئون إيران الداخلية وانتهاكا لسيادتها على أراضيها، قائلا:"الدول الاستعمارية زرعت فكرة ملكية هذه الجزر للإمارات لتستفيد من النزاع عليها بعد خروجها من المنطقة". وبالنظر إلى أن مزاعم فدوي السابقة تتناقض مع الحقائق التاريخية التي تؤكد تبعية الجزر الثلاث للإمارات, فقد رجح كثيرون تزايد عزلة إيران إقليميا ودوليا في حال واصلت استفزازاتها في هذا الصدد, خاصة أن الإمارات دعت مرارا إلى حل مسألة الجزر عبر المفاوضات المباشرة مع إيران أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، وهو ما ترفضه طهران. ولعل إلقاء نظرة على تاريخ وأهمية الجزر الثلاث يدعم أيضا موقف الإمارات في مواجهة مزاعم إيران, حيث ترجع أهمية تلك الجزر التي احتلتها إيران في عام 1971 غداة الانسحاب البريطاني منها وقبل وقت قصير من إعلان استقلال الإمارات عن بريطانيا إلى وضعها الاستراتيجي في مدخل الخليج العربي، بالنظر إلى أنها تقع قرب ممرات الملاحة في مضيق هرمز، كما أنها غنية باحتياطيات الغاز. وطنب الكبرى تبلغ مساحتها ما يقارب تسعة كيلومترات مربعة وتقع في شرق الخليج العربي قرب مضيق هرمز وتلك الجزيرة كانت تتبع لإمارة رأس الخيمة قبل قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، واحتلت من قبل إيران في نوفمبر عام 1971 بعد أيام من انسحاب قوات الاستعمار البريطاني منها. وبالنسبة لطنب الصغرى فهي ذات أرض رملية وصخرية وتتكاثر فيها الطيور البرية والبحرية ولا تتوفر فيها مياه الشرب العذبة، ولذلك كانت تضم أسرة واحدة عند استيلاء إيران عليها في نوفمبر عام 1971 من رأس الخيمة. وتقع طنب الصغرى على بعد حوالي 12.8 كيلومترا غرب جزيرة طنب الكبرى، وهي مثلثة الشكل ويبلغ قطرها حوالي 3.6 كلم، ويبلغ طولها 1.6 كلم وعرضها 1.2 كلم. أما جزيرة أبو موسى فقد كانت مأهولة عند احتلالها بنحو ألف مواطن إماراتي وتبلغ مساحتها 25 كيلومترا مربعا، وهي تقع على بعد حوالي 43 كلم من شواطئ الإمارات و67 كلم عن الشاطئ الإيراني. وترتبط مزاعم إيران تجاه الجزر الثلاث بالموقع الاستراتيجي لطنب الكبرى والصغرى القريب من مضيق هرمز الذي يشكل بوابة للخليج، في حين تمثل الموارد الطبيعية لأبو موسى وموقعها سببا لاهتمام الإيرانيين بها. والجزر الثلاث كانت مشمولة بمعاهدة الحماية منذ توقيعها عام 1819 بين حكام الخليج وبريطانيا, لكنها كانت موضع اهتمام إيران التي حاولت بوصفها أكبر قوة إقليمية حينها احتلالها عام 1904 وعام 1963 لكنها أخفقت. وبعد فشل إيران في ضم البحرين التي صوت سكانها في استفتاء على عروبتها عام 1970، أعرب شاه إيران الراحل محمد رضا بهلوي حينها عن قلقه من تداعيات الاتحاد المرتقب بين أبو ظبي ودبي والشارقة وعجمان والفجيرة وأم القيوين على اهتمام إيران بالجزر الثلاث، وأعلن أنه ينوي احتلالها. وحاول بهلوي أولا إقناع حاكم رأس الخيمة صقر بن سلطان القاسمي بشراء طنب الكبرى والصغرى أو تأجيرهما، لكنه قوبل بالرفض, في حين وافق حاكم الشارقة خالد القاسمي- بعد أن أخفق في الحصول على مساندة عربية حينها - على توقيع مذكرة تفاهم مع إيران برعاية بريطانية نصت على تقاسم السيادة على أبو موسى وعلى اقتسام عوائد النفط فيها، دون الاعتراف بمزاعم إيران تجاهها. ووضعت إيران يدها على طنب الكبرى والصغرى بعد أن اقتحمتهما بالقوة العسكرية قبل خمسة أيام من الانسحاب البريطاني المحدد في 30 نوفمبر1971, في حين أنزلت قوة عسكرية ونشرتها في أبو موسى عملا بالاتفاق مع حاكم الشارقة. وبعد شهرين من ظهور اتحاد الإمارات المكون من أبو ظبي ودبي والشارقة وعجمان والفجيرة وأم القيوين، انضمت له رأس الخيمة، ما حول قضية الاحتلال الإيراني لطنب الكبرى والصغرى إلى قضية وطنية. وفيما استمر سريان اتفاق تقاسم السيادة في جزيرة أبو موسى حتى مطلع تسعينيات القرن الماضي، إلا أن حكام إيران قرروا بعد انتهاء حرب الخليج الأولى مع العراق توسيع الاستخدام العسكري لأبو موسى، فنصبوا فيها صواريخ مضادة للسفن وأقاموا فيها قاعدة للحرس الثوري وفيلقا بحريا, ثم بدأوا بمضايقة البعثة التعليمية الإماراتية وحظروا دخول أفرادها إلى الجزيرة دون تأشيرة إيرانية, وسرعان ما خيروا سكان الجزيرة العرب بين الطرد وقبول الجنسية الإيرانية, وأخيرا, قام الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بزيارة استفزازية للجزيرة في 11 إبريل الماضي, ما أثار استياء الإمارات بشدة. ويجمع كثيرون أن توقيت الزيارة الاستفزازية التي قام بها نجاد لجزيرة أبو موسى غير بعيد عن محاولة طهران استعراض عضلاتها من ناحية والتغطية على جرائم النظام السوري من ناحية أخرى.