عاجل- سعر الذهب اليوم الأحد 5 أكتوبر 2025.. وعيار 21 يسجل 5230 جنيها    أسعار اللحوم اليوم الأحد 5 أكتوبر 2025 في أسواق الأقصر    عاجل- وزير الدفاع الإسرائيلي: سنضاعف هجماتنا إذا لم تفرج حماس عن المحتجزين    حركة فتح: خطة الأمريكي دونالد ترامب بشأن غزة تُعد خطوة إيجابية    كوكوريا: ما يفعله صلاح كان أحد أسباب هدف انتصارنا القاتل على ليفربول    سبورت: أراوخو رفض عروض ليفربول وتشيلسي ويوفنتوس في الصيف    570 حملة و2924 مخالفة.. حصاد تموين الدقهلية خلال شهر سبتمبر    رئيس جامعة أسيوط يستقبل الفائز بجائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 5 أكتوبر 2025 في محافظة المنيا    أهم الأطعمة التي تعزز المناعة في فصل الخريف.. درع طبيعي لمواجهة تقلبات الطقس    رئيس مجلس الأعمال المصرى الكندى يلتقى بالوفد السودانى لبحث فرص الاستثمار    أسعار مواد البناء اليوم الأحد 5 أكتوبر 2025    «الصحة» تعلن المستشفيات المعتمدة لإجراء الكشف الطبي لمرشحي مجلس النواب    الخميس المقبل إجازة للعاملين بالقطاع الخاص بمناسبة ذكرى 6 أكتوبر    الحوثيون في اليمن يعلنون استهداف مناطق "حساسة" في إسرائيل بصاروخ أسرع من الصوت    الدفاع المدني بغزة: الاستهدافات الإسرائيلية مستمرة رغم إعلان خطة ترامب    لجنة الانتخابات السورية: التصويت يجري بسلاسة.. والباب مفتوح لأي إشراف دولي    مفوض حقوق الإنسان يعرب عن أمله في وقف المجازر في غزة وإعادة الإعمار    فوضى فى سماء أوروبا.. أعطال تقنية وإضرابات تشل حركة الطيران فى مطارات كبرى.. من باريس إلى ميونيخ ولندن.. إلغاء مئات الرحلات وآلاف الركاب عالقون فى القارات.. أعطال فى الأنظمة وإضرابات من بين الأسباب    «تعليم القاهرة» تهنئ المعلمين في اليوم العالمى للمعلم    احتفالًا بانتصارات أكتوبر.. محافظ الدقهلية ومدير الأمن يضعان إكليلًا من الزهور على النصب التذكاري    الأهلي: لا تظلموا من يعمل في ملف المدرب الأجنبي    جدول ترتيب الدوري الإنجليزي قبل مباريات اليوم.. فرصة مانشستر سيتي للتقدم    هل يعود ميدو؟.. شوبير يرشح 3 مدربين لخلافة فيريرا في الزمالك    لاقتحام المنافسة.. موعد مباراة مانشستر سيتي أمام برينتفورد والقناة الناقلة    السد العالي، صمام أمان المصريين من الجفاف والفيضانات    وزير التعليم ومحافظ الإسكندرية يفتتحان عددًا من المشروعات التعليمية الجديدة    بعد ارتفاع منسوب النيل.. تعلية الجسر الترابى بين قريتى جزى وأبو داود.. فيديو    تركت رسالة وانتحرت.. التصريح بدفن عروس أنهت حياتها بالفيوم    إصابة 9 فتيات في حادث تصادم بطريق بني سويف – الفيوم    تاجيل طعن إبراهيم سعيد لجلسة 19 أكتوبر    البورصة تواصل ارتفاعها بمنتصف التعاملات مدفوعة بمشتريات محلية    عروض من إيطاليا والأردن ضمن فعاليات اليوم الرابع ل «القاهرة الدولي للمونودراما»    سامح سليم في مهرجان الإسكندرية: جيل اليوم مستعجل.. وفكرة التصوير السينمائي مهددة بالضياع    الإفتاء تواصل عقد مجالسها بالمساجد لمواجهة ظاهرة التحرش وتصحيح المفاهيم الدينية    مهرجان VS-FILM للأفلام القصيرة جدا يكرم رائد الرسوم المتحركة عباس بن العباس    رئيس الوزراء يُتابع موقف مشروعات تطوير البُنى التحتية وأنظمة التأمين بالمطارات المصرية    وزير الاتصالات يعلن إطلاق نسخة مطورة من منصة إبداع مصر لتمكين الشركات الناشئة    الصحة تعلن قائمة المستشفيات المعتمدة لإجراء الكشف الطبي لمرشحي مجلس النواب    وزير الصحة: إطلاق لجنة وطنية لدعم سلامة المرضى ومنع الأخطاء الطبية    عودة إصدار مجلة القصر لكلية طب قصر العيني    صحة الأقصر... بدء حملة التطعيم المدرسي للعام الدراسي 2024 / 2025    «الحصاد الأسبوعي».. نشاط مكثف لوزارة الأوقاف دعويا واجتماعيا    أيقونات نصر أكتوبر    رحيل فيريرا عن الزمالك.. مفاجآت في توقيت الإعلان والبديل بعد التعادل مع غزل المحلة    أسعار الفراخ في أسيوط اليوم الأحد 5102025    136 يومًا تفصلنا عن رمضان 2026.. أول أيام الشهر الكريم فلكيًا الخميس 19 فبراير    المطرب اللبناني فضل شاكر يسلم نفسه إلى الجيش    اليوم.. محاكمة 5 متهمين في قضية «خلية النزهة الإرهابية» أمام جنايات أمن الدولة    السيسي يضع إكليل الزهور على قبري ناصر والسادات    صبري عبد المنعم يخطف القلوب ويشعل تريند جوجل بعد تكريمه على كرسي متحرك    عمرو سعد يبدأ مغامرة سينمائية جديدة من ألمانيا بعد نجاح "سيد الناس"    «الداخلية» تكشف حقيقة فيديو «اعتداء ضابط على بائع متجول» بالإسكندرية    ألونسو يكشف حالة مبابي وماستانتونو    أذكار النوم اليومية: كيف تحمي المسلم وتمنحه السكينة النفسية والجسدية    أبواب جديدة ستفتح لك.. حظ برج الدلو اليوم 5 أكتوبر    كيف نصل إلى الخشوع في الصلاة؟.. الدكتور يسري جبر يوضح    هل التسامح يعني التفريط في الحقوق؟.. الدكتور يسري جبر يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيفية إبراء الذمة من المسروقات؟
نشر في الفجر يوم 04 - 05 - 2017


ما هي كيفية إبراء الذمة من المسروقات؟
الجواب : الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
الأصل في الشريعة الإسلامية أن أخذ المال بدون وجه حق حرامٌ شرعًا، فقد عصم الشرع الشريف المال كما عصم النفس والعقل والنسل والعرض والدين والأمن العام في المجتمع، فحرَّم الله تعالى أخذ مال إنسان بدون وجه حق أو بغير طيب نفس منه، فمن اعتدى على الأموال كان آثما شرعًا مستحقًّا للعقوبة في الدنيا والآخرة، ووجب عليه المبادرة بالتوبة من هذا الذنب؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ۞ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا﴾ [النساء: 29-30]، وعن أبي بَكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَليْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا» أخرجه البخاري ومسلم.
والسرقة نوع من أنواع الاعتداء بأخذ المال دون وجه حق، وهي لغة: أخذ الشيء من الغير خفية.. وشرعًا باعتبار الحرمة أخذه كذلك بغير حق نصابًا كان أم لا. "الدر المختار" للحصكفي (4/ 82، ط. دار الفكر).
قال جل شأنه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الممتحنة: 12]. وهذه الأمور المنهيّ عنها في الآية الكريمة -وإن كانت الآية نزلت في مبايعة النساء- إلا أنها ليست خاصة بالنساء فقط، وإنما هي أمور بايع الرجال النبي صلى الله عليه وآله وسلم على اجتنابها أيضًا، فتحريمها عام على الرجال والنساء.
قال العلامة الطاهر بن عاشور المالكي في "مقاصد الشريعة الإسلامية" (3/ 235، ط. وزارة الأوقاف القطرية): [وقد تنبّه بعض علماء الأصول إلى أن هذه الضروريات مشار إليها بقوله -(وذكر الآية الكريمة السابقة)-؛ إذ لا خصوصية للنساء المؤمنات. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأخذ البيعة على الرجال بمثل ما نزل في المؤمنات كما في "صحيح البخاري"] اه.
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ، فَقَالَ: «بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا -وَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ كُلَّهَا- فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ؛ إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ» متفق عليه.
وعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: «مَا تَقُولُونَ فِي السَّرِقَةِ؟» قَالُوا: حَرَّمَهَا اللهُ وَرَسُولُهُ فَهِيَ حَرَامٌ. أخرجه أحمد.
وتحريم السرقة أجمع عليه المسلمون وأصحاب الديانات السماوية، ويتفرع على ذلك وجوب حفظ اللقطة عن الضياع؛ قال الإمام شهاب الدين القرافي في "الفروق" (4/ 67، ط. عالم الكتب): [قاعدة: خمس اجتمعت الأمم مع الأمة المحمدية عليها، وهي: وجوب حفظ النفوس والعقول فتحرم المسكرات بإجماع الشرائع... وحفظ الأعراض فيحرم القذف، وسائر السباب، ويجب حفظ الأنساب فيحرم الزنى في جميع الشرائع، والأموال يجب حفظها في جميع الشرائع فتحرم السرقة، ونحوها، ويجب حفظ اللقطة عن الضياع لهذه القاعدة] اه بتصرف.
والسرقة في الجملة تعتبر من الكبائر؛ قال الإمام الذهبي الشافعي في "الكبائر" (ص: 97، ط. دار الندوة): [الكبيرة الثالثة والعشرون السرقة] اه.
وشدّد الإسلام في عقوبة السرقة وحدّ لها حدًّا زاجرًا؛ حتى يرتدع كل من تسول له نفسه أن يتعدى على أموال الآخرين وحقوقهم، وحث المسلم على العمل والكسب الحلال الطيب؛ حتى يقبل الله تعالى أعماله، وحتى لا يخضع لعقاب الله وعذابه يوم القيامة؛ فعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ: «أَيُّمَا لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ حَرَامٍ، فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ» أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان"، لكن حتى يقام على السارق العقوبة الحدِّية لا بد أن تتوفر في جريمة السرقة شروط معينة، وهذه الشروط تتمثل في خمسة أمور، هي: أن يكون مكلفًا، وأن يقصد فعل السرقة، وألَّا يكون مضطرًا إلى الأخذ، وأن تنتفي القرابة بينه وبين المسروق منه، وألَّا تكون عنده شبهة في استحقاقه ما أخذ؛ كما في "الدر المختار" للحصكفي الحنفي (4/ 82-85، ط. دار الفكر)، و"بداية المجتهد" لابن رشد المالكي (4/ 230-237، ط. دار الحديث)، و"الأحكام السلطانية" للماوردي الشافعي (ص: 330-332، ط. دار الحديث)، و"الأحكام السلطانية" لأبي يعلى الحنبلي (ص: 266-268، ط. دار الكتب العلمية).
وإذا تخلف شرط من تلك الشروط السابقة لا يقام على السارق الحد؛ لأن الحدود تُدرأ بالشبهات، لكن يعاقب من ثبتت عليه جريمة السرقة غير مكتملة الشروط بالتعزير حسب القانون وما يقرره القاضي، ووفقًا لجسامة الجريمة وخطورة الجاني، فعَنْ السيدة عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ؛ فَإِنَّ الإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِى الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِى الْعُقُوبَةِ» أخرجه الترمذي.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «ادْفَعُوا الْحُدُودَ مَا وَجَدْتُمْ لَهُ مَدْفَعًا» أخرجه ابن ماجه.
ويجب على السارق التوبة إلى الله تعالى، وأن يبرئ ذمته من حقوق العباد التي أخذها بغير وجه حق، وإبراء الذمة من المسروقات يكون بردها إلى أصحابها إن كانت باقية في يد السارق، ويكون برد المثل أو القيمة عند تلف المسروقات أو فقدانها؛ ذلك لأن من المقرر شرعًا أن "التوبة من حقوق العباد لا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء"؛ فعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه.
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَحَدٍ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ؛ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ» أخرجه البخاري.
قال العلامة علاء الدين الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (7/ 96، ط. دار الكتب العلمية): [لأن محلّ الجناية خالص حق العباد، والخصومة تنتهي بالتوبة، والتوبة تمامها برد المال إلى صاحبه، فإذا وصل المال إلى صاحبه لم يبق له حق الخصومة مع السارق] اه.
وقال العلامة ابن أبي زيد القيرواني المالكي في "الرسالة" (ص: 155، ط. دار الفكر): [ومن التوبة رد المظالم، واجتناب المحارم، والنية أن لا يعود] اه.
وقال العلامة جلال الدين المحلي الشافعي في "شرحه على منهاج الطالبين" ومعه "حاشيتا القليوبي وعميرة" (1/ 373، ط. دار إحياء الكتب العربية): [(وَيَسْتَعِدَّ) لَهُ –يعني الموت- (بِالتَّوْبَةِ وَرَدِّ الْمَظَالِمِ) إلَى أَهْلِهَا بِأَنْ يُبَادِرَ إلَيْهِمَا فَلَا يَخَافُ مِنْ فَجْأَةِ الْمَوْتِ الْمُفَوِّتِ لَهُمَا، وَصَرَّحَ بِرَدِّ الْمَظَالِمِ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ التَّوْبَةِ لِئَلَّا يَغْفُلَ عَنْهُ] اه.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (10/ 181، ط. مكتبة القاهرة): [وإن كانت توجب عليه حقا لله تعالى، أو لآدمي؛ كمنع الزكاة والغصب، فالتوبة منه بما ذكرنا، وترك المظلمة حسب إمكانه، بأن يؤدي الزكاة، ويرد المغصوب] اه.
وذكر الفقهاء في كيفية إبراء الذمة من المسروقات، ورد المظالم إلى أهلها بأنه يجب على التائب أن يرد الحقوق المادية لأصحابها، فإن لم يجدهم ردها لورثتهم، فإن عجز عن إرجاعها لعدم معرفته بأصحاب هذه الحقوق فليتصدق بها عنهم.
قال العلامة الحصكفي الحنفي في "الدر المختار" (4/ 283، ط. دار الفكر): [(عليه ديون ومظالم جهل أربابها وأيس) مَن عليه ذلك (مِن معرفتهم، فعليه التصدق بقدرها من ماله وإن استغرقت جميع ماله)، هذا مذهب أصحابنا لا نعلم بينهم خلافًا] اه.
وقال شيخ الإسلام النووي الشافعي في "روضة الطالبين" (11/ 246، ط. المكتب الإسلامي): [وإن تعلق بها حق مالي؛ كمنع الزكاة، والغصب، والجنايات في أموال الناس، وجب مع ذلك تبرئة الذمة عنه، بأن يؤدي الزكاة، ويرد أموال الناس إن بقيت، ويغرم بدلها إن لم تبق، أو يستحل المستحق، فيبرئه ويجب أن يعلم المستحق إن لم يعلم به، وأن يوصله إليه إن كان غائبًا إن كان غصبه منه هناك، فإن مات سلمه إلى وارثه، فإن لم يكن له وارث وانقطع خبره دفعه إلى قاض ترضى سيرته وديانته، فإن تعذر تصدق به على الفقراء بنية الغرامة له إن وجده] اه.
أما إذا خشي الإنسان من حدوث مضار إذا رد الحقوق لأصحابها؛ كفتنة، أو تشهير بسوء السيرة، أو قطع لصلة الرحم، ونحو ذلك، جاز له أن يعيد الحق إلى أصحابه بطريقة أو بأخرى من غير أن يخبرهم بما ارتكبه من السرقة، ولو كان الرد في صورة هدية ونحوها أو هبة مجهولة المصدر.
قال شيخ الإسلام ابن حجر الهيتمي الشافعي في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/ 367، ط. دار الفكر): [ما يتعلق به حق آدمي فالتوبة منه يشترط فيها جميع ما مر، ويزيد هذا بأنه لا بد من إسقاط حق الآدمي، فإن كان مالًا ردّه إن بقي، وإلا فبدله لمالكه أو نائبه أو لوارثه بعد موته ما لم يبرئه منه، ولا يلزمه إعلامه به، فإن لم يكن وارث أو انقطع خبره دفعه إلى الإمام ليجعله في بيت المال، أو إلى الحاكم المأذون له التصرف في مال المصالح، فإن تعذر قال العبادي والغزالي: تصدق عنه بنية العزم] اه.
وقال العلامة الرحيباني الحنبلي في "مطالب أولي النهى" (4/ 65، ط. المكتب الإسلامي): [(ومن بيده نحو غصوب) لا يعرف أربابها، ونقل الأثرم وغيره أو عرف ربها، وشق دفعه إليه وهو يسير كحبة، أو كان بيده (رهون) لا يعرف أربابها، ونقل أبو الحارث: أو علم المرتهن رب المال، لكنه أيس منه، (أو) بيده (أمانات) من ودائع وغيرها (لا يعرف أربابها) أو لحرفهم وفقدوا وليس لهم ورثة، (فسلّمها) -أي: الغصوب أو الرهون أو الأمانات التي لا يعرف أربابها- (إلى حاكم، ويلزمه) -أي: الحاكم- (قبولها؛ برئ) بتسليمها للحاكم (من عهدتها) بلا نزاع؛ لأن قبض الحاكم لها قائم مقام قبض أربابها لها؛ لقيامه مقامهم. (وله) -أي: من بيده الغصوب ونحوها إن لم يدفعها للحاكم- (الصدقة بها منهم) -أي: عن أربابها بلا إذن حاكم-؛ لأن المال يراد لمصلحة المعاش أو المعاد، ومصلحة المعاد أولى المصلحتين، وقد تعينت ها هنا؛ لتعذر الأخرى. ونقل المروذي: يعجبني الصدقة بها] اه.
أما الأشياء التي سرقها الإنسان في طفولته قبل البلوغ؛ فإنه لا يحسب له ذلك ذنبًا؛ لعدم تكليفه في صغره؛ فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ» أخرجه أحمد، لكن مع عدم كتابة الإثم على الصبي السارق وعدم استحقاقه العقوبة؛ فإن ذلك لا يسقط حق المجني عليه في استرداد ما أخذ منه، فيجب ضمان ما أخذه الصبي وردّه إلى صاحبه إن كان باقيًا، أو ردّ قيمته من مال الصبي إن تلف المسروق.
قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 243): [قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن جنايات الصبيان لازمة لهم في أموالهم. وذكر أصحابنا في الفدية التي تجب بفعل الصبي وجهين: أحدهما في ماله؛ لأنها وجبت بجنايته، أشبهت الجناية على الآدمي. والثاني: على الولي، وهو قول مالك] اه.
وبناءً على ما سبق: فيجب على السارق ردّ الحقوق والمظالم لأهلها بعينها إذا كانت باقية في يده؛ وإلا فعليه ردّ قيمتها إذا استهلكت أو فُقدت، فإن لم يجدهم ردّها لورثتهم، فإن عجز عن ردها لعدم معرفته بأصحاب هذه الحقوق فله أن يتصدق بها عنهم، أما إذا ترتب على ردّ الحقوق وإعلام أصحابها بها ضرر أكبر أو فتنة؛ فإنه يجوز أن يردّ الحقوق إليهم دون أن يعلمهم بجنايته، أما الأشياء التي سرقها في صغره فإنه لا يأثم بهذا الفعل؛ لعدم بلوغه وتكليفه، لكن يلزمه رد ما أخذه إلى أصحابه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.