أسسها مرقس الإنجيلى.. واحتضنت الإسكندرية أول واحدة التاريخ المصرى لم تخطه الحضارة الفرعونية وحدها، فالكنيسة المصرية لعبت دورًا هامًا فيه، ولفترة طويلة تصدت وحدها لظلم بعض الحكام، ليس ذلك فحسب، بل أرست أيضًا بواسطة رهبانها وحكمائها قواعد السلام والمحبة والخير فى كل أركان المعمورة. ويبدأ تاريخ الكنيسة فى مصر عندما أسّس القديس مرقس الإنجيلى أول واحدة بمحافظة الإسكندرية، بعدما أوفده القديس بطرس هامة الرسل لتبشير البلاد المصرية، فأدّى رسالته هناك على الوجه الأكمل ومات شهيدًا فى السنة الثامنة للإمبراطور نيرون، التى وافقت سنة 62ميلاديًا، وشهد بذلك القديس إيرونيموس. وقبل موته، عيّن مرقس القديس أنيانوس خليفة له على رئاسة كرسى الإسكندرية، ثم تتابع الخلفاء على هذا الكرسي، واشتهروا بالعلم والفضيلة والنضال، حتى استحق أغلبهم إكليل الشهادة من أجل المسيح مع عدد وفير من رعاياهم المؤمنين، ودام ازدهار كنيسة الإسكندرية حتى منتصف القرن الخامس الميلادي. وفى أوائل القرن الخامس اعتلى القديس كيرلس الكرسى السكندري، وتحديدًا فى الفترة من 412 وحتى 444 ميلاديًا، وواصل أعمال أسلافه فى النضال والكفاح، وترأس المجمع المسكونى الثالث الذى انعقد فى أفسس بآسيا الصغرى سنة 431 ميلاديًا، حيث حرم تعاليم نسطور الخادعة. وخلفه فى الرئاسة البابا ديوسقورس، وفى عهده حدث انشقاق كبير بين كنيسة الإسكندرية وكنيسة روما سنة 451 ميلاديًا، على إثر انعقاد المجمع الخلقيدوني، وتبع بطريرك الإسكندرية أغلب المسيحيين المصريين من إكليروس وعلمانيين، بسبب ما كان له من نفوذ عليهم، بينما تمسّك عدد قليل بقرارات المجمع، فأقيم لهم الأنبا بروتيريوس بطريركاً بدلاً من الأنبا ديوسقورس. وبعد موت الإمبراطور مرسيانوس سنة 457 ميلاديًا أقام أتباع ديسقورس تيموتاوس إيلير بطريركاً لهم، وبعد أيام قليلة قتل بروتيريوس أثناء إقامته مراسم أسبوع الآلام، وعامل الأنبا تيموتاوس الشعب الذى بقى أميناً لتعاليم المجمع معاملة قاسية، فطرد أساقفتهم من كراسيهم، وأقام بدلاً منهم أساقفة تابعين له، ولما رأى ذلك الإمبراطور لاون الأول نفاه سنة 460 ميلاديًا، بعدما استشار جميع أساقفة الكنيسة، وأقام بدلاً منه بطريركاً كاثوليكياً يُدعى تيموتاوس سالوفاكيوس، ومنذ ذلك الحين انقسمت الكنيسة الإسكندرية إلى فريقين، فدعا المنشقون الفريق التابع للمجمع الخلقيدونى باسم «ملكيين»، نسبة إلى الملك الإمبراطور الذى كان من عقيدتهم، كما أطلق الخلقيدونيون على معارضيهم لقب «مونوفيزيين»، أى أصحاب الطبيعة الواحدة. تسلّم الإمبراطور زينون الحكم بعد ذلك، وحاول مصالحة فريقى الكنيسة، فرجع الأنبا سالوفاكيوس إلى منصبه، وهكذا صار للكرسى الإسكندرى بطريركان، واحد كاثوليكى متحد بكراسى روما والقسطنطينية وأورشليم، والآخر منفصل عنها، واتبع أغلب المسيحيين المصريين هذا الأخير، أما أتباع البطريرك الكاثوليكى فكان عددهم أقل، ويغلب عليهم العنصر البيزنطي، خصوصًا أن البطاركة الذين تتابعوا فى هذه السلسلة كان أغلبهم من الأجانب، رغم أنهم حافظوا على الطقس السكندري. وعلى مرّ السنين، اتبعوا كرسى القسطنطينية فى الأجيال الوسطى بين الجيل العاشر والثالث عشر، واتخذوا أيضاً الطقس البيزنطي، وقد سبق الملكيون الخاضعون لكرسى أنطاكية أن تركوا هم أيضاً طقسهم الإنطاكي، واتخذوا الطقس البيزنطى فى أواخر القرن الحادى عشر، فى أيام البطريرك الإنطاكى الكاثوليكى يوحنا الرابع، ولم تشترك الكنائس الملكية رأساً فى الخلاف بين روما والقسطنطينية أيام فوثيوس، وظلت العلاقات قائمة بينها وبين روما على قدر ما تسمح به الظروف آنذاك، ولم يتأصّل الانفصال فى البطريركيات الملكية إلا عندما تسلّم زمام إدارتها الروحية الإكليروس القسطنطيني. وخلال العصور الوسطى ظلت أعداد الملكيين فى مصر قليلة، وأقام بطاركتهم فى القسطنطينية أغلب الأوقات، وقد اشتهر بينهم البطريرك مرقس (1180-1209) الذى استعمل خدمة قداس يوحنا ذهبى الفم بدلاً من خدمة قداس القديس مرقس، التى كانت سائدة فى الكنيسة القبطية، وقام بعده نيقولاوس الأول (1210-1243) واتحد بكنيسة روما وأرسل عنه ممثلاً إلى المجمع اللاترانى الرابع (1215)، وقد سمح له البابا إينوسنيوس الثالث برسامة كاهن لاتينى للقيام بخدمة الأسرى الغربيين خلال حملات الفرنجة على مصر. أما الذين تمسكوا بإيمانهم الكاثوليكى والذين ارتدوا من الخاضعين لكرسى الإسكندرية وكرسى أورشليم تم إخضاعهم للبطريرك الأنطاكى لقلة عددهم، بموجب قرار صدر من مجمع انتشار الإيمان بتاريخ 13 يوليو عام 1772م، وهذا يثبت أن الكاثوليك المصريين لم ينقطعوا أبداً، إلا أن إدارة كنيستهم آلت إلى البطريرك الملكى إلى أن استقلوا عنه سنة 1741 ميلاديًا، وقد حافظ الأقباط المصريون على طقسهم السكندري، الذى تغلبت فيه اللغة القبطية على اليونانية. وفى أواخر القرن السابع عشر، استوطن بعض المرسلين الكاثوليك صعيد مصر، فانضمت إليهم جماعات المسيحيين، وأسس لهم بابا روما ولاية رسولية سنة 1687 برعاية الآباء الفرنسيسكان، وتم اختيار بعض الشباب الغيورين وإرسالهم إلى جامعة انتشار الإيمان بروما؛ لإعدادهم للكهنوت، وعلى رأس هؤلاء أبوالخير بشارة من صدفا الذى توفى فى روما برائحة القداسة. وتزايد عدد الكاثوليك تدريجياً منذ ذلك الحين، ففى عام 1739 انضم إلى الكثلكة أسقف أورشليم القبطى أنبا أثناسيوس، وكان يقيم بالقاهرة، بعدما عهد إليه البابا بنديكتوس الرابع عشر رعاية الأقباط الكاثوليك بصفة نائب رسولي، وذلك ببراءة صدرت فى 4 أغسطس 1741، وخلفه وكيله العام صالح مراغي، ومن بعده عهدت الإدارة بالتتابع لثلاثة من رؤساء الإرسالية الفرنسيسكانية، ثم إلى الأنبا أنطونيوس فليفل، الذى كان أسقف مدينة جرجا عام 1758، ثم إلى روكسى قدسى من عام 1780-1781، وهكذا تتابع النواب الرسوليون والمديرون، إلى أن أعيد للأقباط الكاثوليك بطريركهم الخاص، وأعيد نهائياً الكرسى البطريركى السكندرى للأقباط الكاثوليك بقرار أصدره البابا لاون الثالث عشر بتاريخ 21 نوفمبر 1895. واعتباراً من عام 1950 تولى ثلاثة من الآباء اللعازريين تنشئة الشمامسة فى مبنى الإكليريكية بطنطا، وبعد ذلك بثلاث سنوات طلب الكاردينال أوجين تيسران من الآباء اللعازريين إدارة المعهدين المتوسط والكبير للإكليريكية فى مبناها الجديد بالمعادي، ولبى هذا النداء فريق مكون من تسعة آباء متخصصين، ثم تم تعيين 21 نائبًا بالإضافة إلى المديرين الرسوليين والبطاركة، الذين تولوا إدارة الكرسى السكندرى بعدما استقلوا عن الكرسى الإنطاكى الملكى عام 1741، ثم تلاهم الرعاة الذين خدموا فى الطائفة منذ عام 1899 وحتى الآن، حسب تاريخ سيامتهم الكهنوتية. ويرجع الفضل فى ازدهار الكنيسة الكاثوليكية إلى قداسة الحبر الأعظم البابا لأون الثالث عشر، وذلك بتجديد الكرسى البطريركى للأقباط الكاثوليك، واعتلى الكرسى السكندرى خلال مائة عام 6 بطاركة، كان آخرهم غبطة الأنبا أنطونيوس نجيب، الذى ولد عام 1935 فى مدينة سمالوط التابعة لمحافظة المنيا، وتم اختياره للكهنوت عام 1960، ثم حصل على الماجستير من الكلية الإكليريكية المصرية بعد عامين، ومن الكلية الإكليريكية بروما عام 1964، وتمت سيامته مطرانا على المنيا عام 1977. يجيد الأنبا كذلك اللغات الإنجليزية، الفرنسية، الإيطالية والألمانية، وله العديد من الأنشطة الاجتماعية والمؤلفات العربية والإنجليزية، وانتخب بالإجماع من قبل أعضاء المجمع البطريركى للكنيسة القبطية الكاثوليكية فى اجتماعها بتاريخ 30 مارس 2006 ليشغل منصب البطريرك، وذلك بعدما تقدم البطريرك السابق الكاردينال إسطفانوس الثانى باستقالته لظروف صحية. أما فيما يخص هجرة المسيحيين الشرقيين إلى مصر، ففى عصر الإمبراطورية العثمانية (1517-1789)، كانت مصر محط أنظار الجميع، وموقع هجرة مسيحيى لبنان وفلسطين والأردن وسوريا والعراق وإيران وتركيا واليونان، وازدادت هذه الهجرات فى فترة حكم محمد على باشا، وتكاثر عدد المسيحيين الشرقيين فى مصر، وتكونت الكنائس الشرقية الكاثوليكية، ومن أشهرها: بطريركية الإسكندرية للروم الكاثوليك فى سنة 1838، إيبارشية الإسكندرية للأرمن الكاثوليك فى سنة 1867، إيبارشية القاهرة للكلدان فى سنة 1890، إيبارشية السريان الكاثوليك فى سنة 1895، وإيبارشية القاهرة المارونية فى سنة 1906. الرهبانيات الرجالية تتكون من 12 رهبنة، أشهرها الآباء السالزيان والآباء الكرمليون، وتلك الأخيرة يرجع تاريخ قيامها إلى عام 1209، بعد صدور قوانينها عن يد القديس ألبير بطريرك أورشليم، وجاء الكرمليون إلى مصر سنة 1926، فشيدوا بيتًا لهم فى حى شبرا، ليكون مركز استراحة للآباء العائدين من الهند، ولكن سرعان ما تحوّل هذا البيت الصغير إلى دير كبير وإلى كنيسة شهيرة أصبحت فيما بعد بازليك، بفضل شفيعتها القديسة تريزا، وصار هذا المكان مركز إشعاع للروحانية التريزية فى الشرق الأوسط، وبيتًا مسكونيًا ينجذب إليه كل يوم العديد من الزوار والمصلين من مختلف المذاهب، أما الرهبانيات النسائية فعددها أربعون، وأشهرها نوتر دام دى زابوتر والعائلة المقدسة وسيدة المعونة.