بخمرها البني تجلس سيدة ستينية على أحد الأرصفة بشارع التحرير، بجوار دار الأوبرا المصرية، وأمامها كرتونة ورقية، موضوعًا عليها عشرات من"أكياس المناديل"، لتساعدها في إيجاد قوت يومها، وبيدها مصحفًا تظل طوال الوقت ترتل آياته بصوتًا ملائكي يسحر المارة، كتنويماً مغناطيسياً يجعلهم يتحركوا كإنسانًا آليًا بُرمج نظامه علي الشراء منها. رحلة "أم هناء" وبيع المناديل "أم هناء".. لم تجد طريقًا أمامها دون أن تسلكه، ولم تترك مسئولاً إلا طرقت بابه، طامحة في الحصول على عمل يساعدها في تربية أبنائها الثمانية، محاولات كثيرة قامت بها على أمل إيجاد من يمد إليها يد العون، إلا أن جميعها قادتها إلى تنتهي ببيع "أكياس المناديل"، لاسيما وأن زوجها تركها وليس لها دخل سوى معاش يصل إلى 600 جنيه، لا يكمل إيجار الشقة التي يصل إلى 700 جنيه، وكان لديها بنات في عمر الزواج، وآخرون يدرسون ومتطلباتهم كانت تحتم عليها العمل ليل نهار من أجل تأمين مستقبلهم. تأثير وفاة الزوج على الأسرة يعتصر قلب "أم هناء" الحزن لعدم وجود دخل يساعدها على زواج بنتها وتعليم ابنائها،قائلة: " جوزي توفي من 25 سنة، ومن أيامها وأنا بشتغل وأصرف على ولادي.. كنت بشتغل في بيت مخرج كبير.. لحد ما صحتي تعبت ومراته قالتلي انتي محتاجة اللي يخدمك، مش تخدمي، فلجأت لبيع المنديل واهو بجيب مصاريف العيال والأكل والشرب.. جوزت 5 بنات وعلمتهم أحسن تعليم ومنهم واحدة موجهة بأحد المدارس التعليمية، لكنها لم تحن عليه في مساعدة أخواتها التانين.. حتى لما بتعمل أضحية في العيد ما بتفتكرنيش بحتة لحمة". أزمة جهاز بنات "أم هناء" بصوت مرتجف تخنقه الدموع تقول "أم هناء": " معايا بنت في بكالوريوس دار العلوم، ومخطوبة ومش عارفة أجهزها، وفرحها المفروض بعد كام شهر بعد تخرجها، ومعايا ولد في كلية تجارة وولد في ثانوية عامة، والثالث مشي وسابني أعاني مع أخواته، عمل زي اخته قاطعوني بعد ما علمتهم وربيتهم واتخرجوا من أعلى الكليات.. محدش منهم إفتكرني حتى بزيارة واحدة ولا عبروني، ولا بيسألو هما اتربوا ازاي ولا أخواتهم ازاي كل اللي همهم مصو دمي في تعليمهم وجوزهم وسابو الحمل تقيل لسه عليا.. وأنا عمري 65 سنة وتعبانة عندي ضغط وسكر، وعنية بتوجعني وبستخسر الدواء في نفسي علشانهم حتى النظارة الدكتور قالي أغيرها هتضر عنيكي ولكن اهو بحسس ومشي بيها.. وبرضو مش عارفة اكفي التزامتهم والحياة بقيت صعبة أوي.. لا عارفة أجيب أكل ولا أعلم وأجيب ملازم وكورسات ودروس ولا أعمل إية". أمنيات أم هناء في الحياة ترفض المرأة الستنية أن تمد يدها للأخرين: "مابقبلش الشحاته على نفسي ولا حد يمد إيده ويديني فلوس، أنا طول عمري ربنا ساترها معايا ومتعودتش أمد إيدي لحد.. علشان كده نفسي في أوضة وصالة تلمني أنا وولادي.. وكشك صغير أعيش منه وأربي ولادي لحد ما أوصل بيهم لبرالأمان زي اخواتهم: وتضيف: " بروح كل ما الحكومة تقول فيه بيوت للناس الفقرا ومحدش بيرود عليا ولا أي حاجة، أهو بضيع وقت على الفاضي بس بيكون عندي أمل الحكومة تصدق وتديني شقة".