الظواهرى يفضح دور "الأمير الضرير" فى هجمات 11 سبتمبر قبل ساعات من وفاته «إنهم إن يقتلونى ولا محال هم فاعلون، فشيعوا جنازتى وابعثوا بجثمانى إلى أهلى، لكن لاتنسوا دمى ولا تضيعوه، بل اثأروا لى أشد الثأر وأعنفه». «وصية الثأر» للشيخ عمر عبدالرحمن مفتى الجماعات الإسلامية، وأمير عام الجماعة الإسلامية فى مصر، تجوب الآن المواقع الجهادية حول العالم، تنقلها النوافذ الإعلامية لتنظيم «القاعدة «ولجماعة الإخوان أيضاً علاوة على الصفحات الإرهابية على السوشيال ميديا وحسابات الأعضاء والموالين والمتعاطفين للتحريض على الانتقام ل«الأمير الضرير». فيما يتصاعد تأثيرها والانفعال معها، كلما تصاعد الحديث عن تفاصيل مكالمته الأخيرة لأسرته، وعن وقائع «المحنة» ووسائل التعذيب، والحبس الانفرادى لأمير الجماعة الإسلامية، وفق ما روايات أبنائه. بتلك الطريقة أبى عمر عبدالرحمن إلا أن يلقى قنبلته الدموية الأخيرة فى وجوهنا، وفى وجه العالم قبل أن يمضى، وأن يعطى «قبلة الحياة» من جديد، لسيرته التى ماتت إكلينيكياً، على مدار ما يقرب من ثلاثة عقود قضاها خلف قضبان السجون الأمريكية على خلفية حكم بالسجن مدى الحياة بتهمة التورط فى الهجمات الإرهابية على مركز التجارة العالمى بنيويورك 1993، وتحول خلالها إلى مجرد ذكرى، ليس لها تأثير أو فاعلية فى واقع الساحة الإرهابية العالمية الآن. ولم تتجاوز أهميته خلال تلك السنوات كونه أحد أيقونات الإرهاب الكلاسيكى العالمى، حقبة ما قبل داعش، فى طبعته الأولى فى مصر، ثم الثانية فى أفغانستان، وما تلاها من أحداث بعد ذلك فى سيرة «مفتى الاغتيالات». وباستثناء المحاولات المستميته من قبل قيادات الجماعة الإسلامية للإفراج عنه وتنظيم الفعاليات والاعتصامات فى أعقاب ثورة 25يناير للمطالبة بالإفراج عنه بصفته أميرها، و«الأب الروحي» لها، وكذلك محاولات الرئيس «الإخواني» السابق محمد مرسى للوصول إلى صيغة نهائية مع إدارة الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما للإفراج عن أمير الجماعة الإسلامية، ومطالبته بذلك علانية فى خطابه الشهير فى ميدان التحرير، فى أعقاب فوزه مباشرة بانتخابات الرئاسة. لم تكن أسطورة «الأمير الضرير» تحتاج أكثر من مظلومية «الاستشهاد» كما سبق وأن قال عبدالرحمن بنفسه فى محاكمته الأمريكية» إن قتلى سيكون شهادة فى سبيل الله»، حتى تكتمل وتبعث من جديد فى عقول أتباعه ومريديه، ولكى تكتسب أيضاً هالة القدسية المطلوبة، بما يمنحه الخلود والاستمرارية فى الذاكرة الإرهابية الجمعية لأجيال القادمة. على ذلك، وفور الإعلان عن وفاة الشيخ عمر عبدالرحمن، تحولت المواقع الجهادية ومواقع التواصل الاجتماعى، إلى سرادق عزاء، وحائط مبكى كبير، لأعضاء الجماعات الإسلامية وأتباعهم فى مصر، ينشرون فيها البكائيات، وقصائد الشعر والمراثى فى «الأب الروحي» الذى تجدد تأثيره فى وجدانهم بخبر وفاته، وبدأ العديد منهم فى تبادل ونشر بعض تلك القصائد ومنها «قالوا ارتحل ياليت ماصدق الخبر.. قدر الإله وقد رضينا ما قدر، يا فارساً قد حان وقت رحيله.. تبكيك كل الأرض حزناً يا عمر»، و«ياحوارى الخلود..قد أتاك الشهيد، فافرشى الأرض وروداً وامنحيه السعود». صورة عمر عبدالرحمن تحولت أيضاً، إلى «بروفايل» المئات من أعضاء الجماعات الإسلامية على فيس بوك وتويتر، كما قام العديد منهم بنشر صورهم وهم يؤدون العمرة ويقومون باهدائها له، فى ظل حالة من التأثر الشديد يعيشها بالفعل أعضاء الجماعات الإسلامية فى مصر تأثراً بوفاة عمر عبدالرحمن وبالملابسات والظروف التى حدثت فيها الوفاة. وهنا تحديداً تكمن خطورة «النفير الأخير»،الذى أطلقه عمر عبدالرحمن للثأر له، فى ظل توقيت شديد الخطورة، وواقع تعانى فيه مصر بالأساس من حالة إرهاب سائلة فى الشارع، وظواهر«إرهاب عشوائي»، وبذور تطرف فى أوساط شباب الجماعات الإسلامية تنتظر فقط من يتحرش بها. من ناحية أخرى فإن وصية الثأر المنسوبة لعمر عبدالرحمن بعنوان «وصية إلى أمة الإسلام»، تنسف بدورها أى محاولات غسيل لل«السمعة الفكرية» تقوم بها قيادات الجماعة الإسلامية أو قيادات تنظيم الجهاد السابقون ممن يدافعون عن براءة عمر عبدالرحمن من دم الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، وأن من نفذ العملية هم من أخطأوا فى تأويل فهم فتواه، حيث سبق وأن صرح أسامة حافظ رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية، فى أعقاب ثورة 25 يناير، بأن منفذى عملية اغتيال السادات استندوا فى تنفيذها إلى فتوى غير مباشرة وليست صريحة من عمر عبد الرحمن. وبعد سؤال أحدهم له فى وقت سابق فى حكم قتل الحاكم الذى لم يُطبق شرع الله المنزّل، وكانت إجابة عبد الرحمن أن ذلك «يحلّ لأنه أصبح فى دائرة الكفر»، لكنه لم يُصرّح بفتوى محددة لقتل السادات، وأنه خلال فترة اغتيال السادات، كان هارباً وأن مجلس شورى الجماعة تعذر عليه الحصول منه على فتوى شرعية مباشرة لإتمام العملية، وهو ما تسبب فى حالة جدل ومعارضة كبيرة داخل الجماعة لعملية اغتيال السادات، لكن عبود الزمر أصر على إتمام العملية. وذلك علماً بأن عمر عبدالرحمن يحمل على عاتقه مجموعة من أشهر فتاوى إهدار الدم والتحريض على القتل، منها فتوى التحريض على اغتيال الرئيس الأسبق حسنى مبارك التى خرج عبدالرحمن فى وسائل الإعلام الأمريكية بعد ذلك يتبرأ منها، بالإضافة إلى فتوى إهدار دم الكاتب الصحفى الراحل فرج فودة، حيث أفتى بأنه لا إثم شرعى يقع بقتله». وفى أعقاب ذلك اعترف أبوالعلا عبدربه «قاتل فرج فودة» بأنه نفذ العملية انطلاقاً من فتوى عمر عبدالرحمن، وهو نفس ما حدث أيضاً فى محاول اغتيال الأديب العالمى نجيب محفوظ، حيث اعترف منفذ العملية كذلك بدوره بأنه تأثر بفتوى لعمر عبدالرحمن تفيد باستحلال دمه، ناهيك عن فتواه الأقدم سنة 1971، فى بداية شهرته، بعدم جواز الصلاة خلف الرئيس جمال عبدالناصر. وصية عمر عبدالرحمن بالثأر له، يتزامن ظهورها أيضاً مع قنبلة أخرى فجرها أيمن الظواهرى زعيم القاعدة مؤخرًا عن أمير الجماعة الإسلامية، قبل ساعات فقط من إعلان وفاته فى سجنه بولاية كالورينا الشمالية، و بثتها مؤسسة السحاب، الذراع الإعلامية للقاعدة بعنوان «احمل سلاح الشهيد»، بهدف رثاء قيادى الجماعة الإسلامية والقاعدة، الذى قتل بغارة أمريكية فى سوريا، رفاعى طه، وكشف خلالها الظواهرى أن عمر عبدالرحمن رفض المراجعات الفكرية التى أطلقتها الجماعة الإسلامية لوقف العنف. وأن موافقته على «مبادرة وقف العنف» فى البداية، وإصداره لبيانه الشهير «وقفوا لله وأوقفوا لله»، كانت ظنا منه أن المبادرة هى مجرد «هدنة» لصالح قواعد الجماعات الإسلامية فى السجون، لكنه عاد وتراجع عن ذلك، وأصدر تصريحاً رسمياً فى شهر صفر من العام 2000، بسحب تأييده لمبادرة وقف العنف ضد النظام فى مصرلأنها لم تسفر عن نتيجة لصالح الإسلاميين من جهة نظره. وأن «أمير الجماعة الإسلامية» عمرعبدالرحمن أرسل من سجنه خطاباً شديد اللهجة إلى قيادات الجماعة الإسلامية الذين قادوا المراجعات وقتها واعتبرها « تراجعات فكرية وليست مراجعات»، غير أن قيادات الجماعة أخفت هذه الرسالة عن عناصر التنظيم وعن وسائل الإعلام. كما كشف الظواهرى أيضاً أن عمرعبدالرحمن أرسل من سجنه رسالتين الأولى ناشد المسلمين فيها استهداف مصالح اسرائيل، فيما ناشد فى رسالته الثانية شن الهجمات ضد أمريكا وإغراق سفنها وإسقاط طائراتها. وهو ما نفذته القاعدة بعد ذلك بالفعل فى هجمات 11سبتمبر 2001، مما كان سبباً فى الاعتقاد بخطورة متناهية للشيخ عمر عبدالرحمن لدى الكثيرين من الخبراء فى دوائر اتخاذ القرار بالولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث أشار بيتر بيرغن، الكاتب والباحث فى شئون الأمن القومى فى تقرير لشبكة سى إن إن الأمريكية أن عمر عبدالرحمن طالما كان «ملهما» بشدة لأتباعه. وأنه برسالته الشهيرة فى التسعينيات «من الشيخ الأسير عمر عبدالرحمن إلى المسلمين فى كل مكان: دمروا بلدان الأمريكيين واليهود والصليبيين، دمروا اقتصادهم، أحرقوا شركاتهم وأعمالهم، أغرقوا سفنهم وأسقطوا طائراتهم، اقتلوهم فى البر والبحر والجو»، كان ملهما لتنظيم القاعدة لتنفيذ عملياته ضد المدمرة كول فى اليمن سنة 2000 ثم هجمات 11 سبتمبر سنة 2001 بعد ذلك، وأنها كانت المرة الأولى التى يحدد فيها رجل دين على صلة بتنظيم القاعدة، طبيعة الهجمات والأهداف التى يمكن للتنظيم استهدافها بالتحديد. كما أكد بيرغن أيضاً احتمالية قيام التنظيم الإرهابى بهجمات إرهابية للانتقام لعمر عبدالرحمن، والذى كان بدوره أحد الرموز الملهمة والمؤثرة أيضاً فى الحرب الأفغانية، قبل سفره إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، ثم إلقاء القبض عليه هناك، حيث خرج بن لادن فى أكثر من مرة يتعهد بعدها بمحاولات لتحرير»الشيخ الأسير» ويصفه بأنه «أحد رموز الإسلام».