قدم "تسفى بارئيل" الخبير الإسرائيلى للشؤون العربية بصحيفة هاآريتس العبرية ,تحليلاً جديداً ومختلفاً , لأحداث العمل الإرهابى التى تم تنفيذه داخل الكنيسة البطرسية ,ووأودى بحياة 25 مواطن أثناء أداؤهم للصلاه قبل ثلاثة أسابيع . ولفت "بارئيل " خلال تحليله للحدث ,مدى التشابه بين دوافع إنفجارت أسطنبول التى حدثت قبل تفجير الكنيسة ,ودوافع تفجير الكنيسة فى اليوم التالى ,وأشار أن الحادثتان ذكرا العالم ,بالإرهاب القديم المعروف ,البعيد عن إنتاج تنظيم داعش الإرهابى ,و يستند فى مضمونه على الصراعات السياسية الداخلية . أشار المحلل الإسرائيلى ,أن التفجيرات الاخيرة التى حدثت فى أسطنبول ,نُسبت لمنظمة تدعى "Tak" ,وهى إختصار لعبارة "صقور التحرير الكردستانية ",وهى منظمة منبثقة من حزب العمال الكردستانى ,الذى تم تصنيفه ,كتنظيم إرهابى . وفى المقابل ألقت السلطات المصرية مسئولية تفجير الكنيسة ,على تنظيم "حسم" المرتبط أيدلوجياً بجماعة الإخوان المسلمين ,وفى كلتا الحالتين ,يرتبط التنظيمان بحركات تميل إلى العنف مع إمتلاكها أجندة داخلية "محلية " ,بعيدة عن التوجهات العالمية ,لتنظيم القاعدة ,أو داعش . ولفت "بارئيل" أنه فى حالة التأكد من ثبوت تهمة التفجيرات على التنظيمين ,فهذا يعنى أنهما يقعان ضمن إطار المسئولية الامنية لبلادهم فقط ,وأنهما بعيدان كل البعد عن الصراعات التى تخوضها حكوماتهم ,ضد حركات الجهاد العالمية الأصولية. وأضاف " أن تركيا تخوض حرباً منذ ثمانينات القرن الماضى ,ضد حزب العمال الكردستانى ,هذه الحرب تسببت فى سقوط 45 ألف ضحية ,بينما بدأت مصر فى حملة تصفية جماعة الإخوان المسلمين ,منذ عام 2013 ,بعد إزاحة محمد مرسى عن السلطة ,وتولى الجيش المصرى مقاليد الحكم ,أضف إلى ذلك أن أهداف التظيم التركى و نظيره المصرى ,هى عبارة عن أهداف قومية ,فحزب العمال الكردستانى ومنظمة "Tak" المنبثقة منه , لا يستندان على أجندة دينية ,بل على العكس فهى حركات علمانية تسعى لمنح الحكم الذاتى للاكراد ,ومبادئها مأخوذة من النظرية الماركسية . أما تنظيم "حسم" المصرى ,حسب "تسيفى بارئيل " على الرغم من إرتباطه بجماعة الإخوان المسلمين ذات المرجعية الدينية ,إلا أن أهدافه واضحة ,وهى تطبيق مبادىء ثورة 25 يناير التى تم القضاء عليها ,على أيدى النظام العسكرى ,وفقاً لرؤيته . وأضاف ,أن تنظيم "حسم "يسعى لإبعاد الجيش عن الحياه السياسية ,والسماح بتنظيم التظاهرات كما أنه دائماً ما يقدم دعواته لجميع التيارات والحركات السياسية المختلفة ,للإنضمام إليه ,وبذلك عزل تنظيم "حسم" نفسه ,عن الحركات الجهادية الكلاسيكية التقليدية على شاكلة تنظيمات الجهاد الإسلامى ,والدولة الإسلامية فى سيناء . ويرى "بارئيل " أنه على الرغم من خبرة مصر وتركيا فى مواجهة مثل هذه النوعية من التفجيرات ,إلا أن لكل عملية كان لها طابعها الخاص ,فالغرض من تفجير الكنيسة فى مصر بالنسبة لتنظيم "حسم ",هو ضرب نقطة ضعف النظام المصرى الحالى الذى يسعى دائماً أن يثبت العالم ,أن أمن وسلامة المسيحين والمسلمين ,هام بالنسبة له بشكل مساو دون تفرقة ,وحدث مؤخراً أن قام النظام الحالى بإصدار تشريعاً جديداً من شأنه تحسين وضع المسيحيين فى مصر ,الذين تتراوح أعدادهم بين تسعة إلى عشرة ملايين مسيحى ,مع السماح لهم ببناء الكنائس بسهولة دون إجراءات معقدة . ويضيف بارئيل "لكن تنفيذ هجوم بهذه الصورة ,نتيجته حصد عدد كبير من الضحايا والمصابين ,وأثناء أداؤهم للصلاة يوم الاحد ,قادر على نسف مجهودات السيسى فى لحظة ,كما أنه من شأنه أن يؤدى إلى مواجهات عنيفة بين المسلمين والمسيحيين ,وبذلك يتم توريط السيسى فى صراع جديد أكثر خطورة من خطر الإرهاب الذى يواجهه ,والذى جند من أجله جميع الإمكانيات العسكرية والإستخباراتية ". وفى المقابل لم يكن إختيار موقع الإنفجار فى تركيا ,من قبيل المصادفة فالإستاد الرياضى الذى حدثت التفجيرات بالقرب منه ,والخاص بنادى "بيشكتاش " له علاقة بالرئيس التركى "رجب أردوغان " الذى قام بإفتتاحه شخصياً فى إبريل الماضى ,فمشجعى فريق بيشكتاش من أبناء طبقة العمال الفقيرة ,من الذين عانوا من بطش النظام التركى الحالى ,الذى إعتقل الكثير من أفراده خلال التظاهرات التى كانت تتم ضد اردوغان ,وفكرة تنفيذ عملية تفجيرية ضخمة بجانب الإستاد مقصودة ,بغرض إشعال نار الغضب فى قلب المعارضين لأردوغان ,والمنتمين للجمهور العلمانى الليبرالى ,والطبقات الفقيرة فى المدينة ,التى طالبت فى السابق إجراء مصالحة مع الاكراد . ويتضح من خلال ذلك ,ان التفجيرات التى حدثت فى مصر وتركيا ,تعتمد فى الأساس على تأجيج الرأى العام ضد الانظمة الحاكمة ,وتنصيب الصراع الداخلى على رأس الإهتمامات ,وإظهار صراع النظام ضد خصومه السياسيين ,كصراع عديم الفائدة لا جدوى منه ,بما يعنى , إظهار مايفعله أردوغان ضد الاكراد من عمليات إعتقال واسعة النطاق وهدم منازل وقتل , على أنها خطوات فاشلة ,مصحوبة بالسخرية من سياسة اليد الحديدية الباطشة ,وكذلك الامر بالنسبة لمصر ,حيث تظهر هذه الاحداث نظام السيسى, الذى يشن حرب بلا هواده ضد الإخوان المسلمين ,كنظام عاجز فشل فى القضاء على أعداؤه ,بل وكأنه يغامر بحياة المدنيين بسبب سياسته المتعنته ورفضه التصالح مع جماعة الإخوان المسلمين . ويختتم "تسيفى بارئيل " تحليله لأهداف العمليات التفجيرية الاخيرة فى تركيا ومصر ,أن كلا البلدين غارقتين فى المشكلة ذاتها التى تعانى منها إسرائيل خلال مواجهتها للعمليات الإستشهادية الفلسطينية ,فداخل الدول الثلاث هناك شبه إعتراف بأن المواجهة العنيفة المباشرة ,لن تؤدى إلى وقف العنف المضاد ,وفى الوقت ذاته يتم إعتبار كل محاولة لفتح باب الحوار مع التنظيمات المعارضة ,أنه نوع من أنواع الخيانة والإنهزامية .