حين يتحرك الشوق داخلى، أتذكر هذا المشهد. لا ينتمى هذا المشهد لفليم رومانسى أو عاطفى. حين يتحرك الشوق بداخلى ويحفر وديانًا وجسورًا فى القلب والوجدان أتذكر رأفت الهجان. المشهد الخالد بينه وبين محسن ممتاز. رأفت الهجان الشهير بمحمود عبدالعزير يحضن محسن ممتاز (يوسف شعبان). رأفت يفاجأ بأستاذه بعد سنوات من البعاد. لا يظهر وجه محمود عبدالعزيز فى المشهد، ولكن صوته أو بالأحرى تموجات صوته (ااااه ااااه ...اااه) تكثف كل الشوق الدفين فى شوقه إلى مصر وإلى الأهل وإلى الشقيقة شريفة، إلى الحضن الدافئ. لم يكن مسلسل أو ثلاثية رأفت الهجان مجرد مسلسل درامى حفر اسم محمود عبدالعزيز فى الدراما بعد السينما. كان المسلسل ولا يزال ملحمة وطنية مست مشاعر كل عربى وأشعرته بالفخر بالمؤسسة الوطنية المخابرات العامة. فى مهرجان سينمائى كرم محمود عبدالعزيز على أحد أفلامه، ولكن الموسيقى المصاحبة للتكريم كانت موسيقى (تتر) رأفت الهجان. فى كل الدول العربية وفى كل شوارعها ارتفع لقب الهجان بوصفه الاسم الحقيقى أو الأشهر لمحمود عبدالعزيز. وحتى الآن وبعد نحو عشرين عاما لا يزال الكثيرون يشيرون لرجال المخابرات العظماء بتعبير أو لقب (محسن بيه). وقد فاق تأثر المواطنين بالمسلسل أو بالأحرى الملحمة الوطنية كل التوقعات. ولذلك استقبل الكثيرون عزاء جهاز المخابرات العامة للفنان القدير بارتياح وتقدير شديدين. فمن النادر أن نجد تفاعلا أو تقديرا لمن أدوا أدواراً وطنية. وجاء عزاء المخابرات كتجسيد لجملة وقيمة ترددت فى المسلسل الملحمة. (مصر لا تنسى أولادها يا رأفت). وفى المقابل لا تزال جمل رأفت الهجان محفورة فى وجداننا (برقبتى يا محسن بيه). على مستوى التمثيل فإن محمود عبدالعزيز أبدع فى تجسيد الشخصية بكل مراحلها. الشاب النصاب خفيف الظل ثم الشاب الضائع بعد وفاة والده واضطهاد إخوته له. والتحول لشاب وطنى بالمعدن الأصيل للمصريين. الشاب الجاد الذى يختار عن قناعة وطنية الذهاب إلى عقر دار العدو والعيش فى تل أبيب. مرورا بقصص الحب ودور العاشق فى مراحل مختلفة من المسلسل. ومن قبيل المصادفات أن محمود عبدالعزيز قام ببطولة فليم فى عام 85 يعد بروفة لدور العمر فى رأفت الهجان. وأقصد فليم إعدام ميت. ولعب محمود عبدالعزير دورين مختلفين ضابط المخابرات الوطنى، والجاسوس الخائن. وهو من الأفلام الجاسوسية الجيدة. ولكن بعد نحو عدة سنوات بدأ الملحمة الوطنية الباقية والمحفورة فى قلوبنا.. رأفت الهجان.