الصراع الدائم والمستمر بين الولاياتالمتحدة التى تسيطر على أكثر من نصف القارة وحدها وبين المكسيك الدولة التى أجبرت على التراجع وضيق عليها الخناق، معظم الأفلام الأمريكية تصب اللوم والغضب على المكسيك وتصورهم إما مهربين للمخدرات أو مجرد أفراد محتمل هجرتهم غير الشرعية إلى أراضى الولاياتالمتحدة، وعلى الرغم من أن السيادة على الغرب الأمريكى كانت لهم يومًا لكن الوضع اختلف الآن والولاياتالمتحدة هى المتحكم،فى كثير من الأحيان تشيطن المكسيك ومواطنيها حتى فى الأفلام التى يتصدر بطولتها ممثلون من اصل لاتينى تحاول تلطيف الصورة لكن لا تمحيها. المكسيك على الجانب الآخر لا تتوانى عن شيطنة أمريكا، فيلم Desiertoالمثال الحى على هذا على الرغم من كونها مازالت فى البداية داخل هذا العالم الاحترافى الذى سبقتها إليه هوليوود منذ سنوات، لذلك يأتى الفيلم -وهو ترشيح المكسيك الرسمى للمنافسة على لقب أوسكار أفضل فيلم أجنبي- سطحى فى عرض الصراع التاريخى، تقليدى جدًا فى تجريد الكيانات المتصارعة وإبرازه للدوافع الإنسانية عند الطرفين، فما بين موسيس (جايل جارسيا برنال) الذى يمثل المكسيك و سام (جيفرى دين مورجان) ممثل الولاياتالمتحدة يدور الصراع فقط على عبور مساحة من الصحراء هى التى تفصل بين الدولتين. الكثير من التصرفات والأفعال غير المنطقية نتجت عن التجريد غير الموظف بشكل جيد فى الفيلم، الشخصيتان الرئيسيتان سام وهو بالطبع الصياد الأمريكى صاحب السيارة البيك آب ذات الدفع الرباعى المزينة بعلم الحرب الخاص بالولايات الكونفيدرالية اثناء الحرب الأهلية الأمريكية والتى تحمل إسقاطا مباشرا على العقيدة الاقتصادية التى تبنتها هذه الولايات فى صراعها مع الولايات الشمالية، فالأخيرة كانت تنتصر للحريات فالفردية وإلغاء نظام العبودية وهو الأمر الذى عارضته الولايات الجنوبية لتأثيره السلبى على اقتصادها ورأس مالها. بالطبع سام عنصرى، يرى أن هذه المساحات تخصه بصفته مواطنا فى الولاياتالمتحدة ومن يحاولون اختراق هذه المساحة هم أقل منه شأنًا وحشرات يجب سحقهم فى المقابل، موسيس المكسيكى الشريف الذى يحاول جمع شمله بابنه الموجود فى الولاياتالمتحدة وبسبب ممارسات تعسفية حسب روايته للأحداث تم ترحيله، وما بين الاثنين ضابط الشرطة الذى يتصف باللامبالاة مجرد تمثال يدور بسيارته فى الصحراء ولا يختلف كثيرًا عمن أرسل موسيس للمكسيك مرة أخرى وفرقه عن ابنه. بالطبع الصورة على هذا الحال معيوبة تنقصها الكثير من التفاصيل، فلا المكسيكيون بهذا الشرف والنبل طوال الوقت وبهذا الشكل المعمم فى الفيلم ولا الأمريكيون بهذا الشر وأسهل حل لديهم للمشكلة هو القتل والرصاص، فقوانين الغرب الأمريكى لم تعد مطبقة، واختزال الوضع فى هذين النمطين فقط هو إخلال صارخ للمشكلة والقضية ويجعل من الصراع إيدلوجيو إنسانى وليس تجاريا وإجراميا كما يحدث فى الحقيقة. المخرج جوناس هو نجل للمخرج الحائز على الأوسكار ألفونسوكوارون، وكلاهما بالطبع يأتيان من المكسيك، ويظهر فى الفيلم التحيز الواضح لبلاده وهو شيء محمود بالطبع بشكل عام، لكن عندما يؤثر على شكل عمل فنى يصبح سيئًا ويضر بالعمل وصاحبه، جوناس المشارك فى كتابة سيناريو الفيلم مع ماتيو جارسيا طوعا عنوه الكثير من الأسس التى أسساها فى البداية، وتحولت لنقاط غير منطقية وأثرت فى سير الأحداث، على رأسها عدم احتياج الراغبين فى التسلسل إلى الولاياتالمتحدة إلى دليل ليقودهم. فعلى الرغم من أن السيناريو يؤكد على لسان أبطاله أنهم لا يعرفون المنطقة التى اضطروا لاختراقها بعد تعطل سيارتهم فهم قادرون على تحديد الاتجاهات والسير بشكل واثق فى أشد المواقف صعوبة وعلى الرغم من الخطر الذى يحاوطهم، هذا إلى جانب عدم حملهم جميعًا لأسلحة وهو شيء غير منطقى على الإطلاق، وبالطبع الشاب الذى لم يكن يقوى على السير فى بداية الفيلم وتسبب فى تأخر أربعة من المتسللين ومعهم دليل وأنقذهم من الموت برصاص سام، لينطلق بعد ذلك بكل سرعة دون أن يبدو عليه التعب الذى صاحبه فى البداية. حتى على مستوى رسم الشخصيات لم ينجح السيناريو فى تعميق الصلة بينهم وبين الجمهور، فمشاعر الوحدة التى أصبغها على سام منذ منتصف أحداث الفيلم تبدو مقحمة جدًا تتناقض مع رسم الشخصية فى البداية، والمبالغة فى تقدير شهامة وإصرار موسيس أيضًا لا تتناسب مع متسلل يضع نصب عينى الذهاب لابنه، وبالطبع لم يستغل جوناس البعد التاريخى للمنطقة الصحراوية أو طبيعتها، الصحراء ليست إلا مكان يستغله الطرفان للعبور، لم يبرز لا قسوتها أو تأثيرها عليهم، أو حتى يسقط هذه النقاط المهمة على الموضوع الرئيسى بالفيلم والذى تشتت بالطبع وسط الدعاوى العاطفية المبالغة فى العرض واللعب على النزعة الوطنية كمكسيكى يبرر ما يفعله مواطنوه دون أن يستغل أدواته كمخرج وفنان ليعرضها ولجأ للمباشرة الفجة لعرضها.