مكونات نجاح الفيلم.. مخرج وممثل وسوبر هيرو أمريكى مخرج يبلغ من العمر 86 عاما وممثل يبلغ من العمر 60 عاما وملايين العشاق فى أرجاء العالم يتفاعلون مع ما يصنعه كلاهما، مراحل عمرية مختلفة من البشر تابعت تجربة كل منهما على كل اختلافاتها وتشابهها وأصبح الوقت مهيئًا الآن لأن يتعاونا معًا، فالنضج يجعل البدايات المتأخرة أفضل لحد بعيد، التعاون جمع بين الثنائى وشخصية ثالثة ليس على نفس القدر من الشهرة لكنه مثالى وشخصية سينمائية تعيش على أرض الواقع عاش 42 عاما من حياته يمارس ما يحبه كعمل ثم تحول حدث قصير المدة جدًا إذا ما قورن بسنوات خبرته لسبب فى أن يصبح متفردا، الأول كلينت إيستوود والثانى توم هانكس والثالث هو تشيلسى سولينبرجر، أضلاع المثلث الذى لا يحتاج فيلم Sully سواهم ليصنعوه. الفيلم كعادة إيستوود يركز على شخصية تمثل النموذج الأمريكى السوبر، وكالعادة يصنع شخصية مثالية خالية من العيوب لدرجة الخيال وبشكل مقبول فى العمل الفنى، هذه هى ملكته الأساسية التى يتفرد بها دونًا عن الجميع، ربما يكون فقد بوصلته فى فيلم American Sniper على مستوى العالم على الرغم من نجاحه محليًا، لكنه هذه المرة صنع بمنتهى المنطقية الشخصية المثالية وخدم جميع جوانب مشروعه السينمائى على المستوى الإنسانى والقومى، وما فشل فى إنجازه منذ عامين حققه بسهولة هذا العام. توم هانكس على العكس منه ينتصر مشروعه للحريات عمومًا انطلاقًا من "الحلم الأمريكى" نستطيع القول: إنه منفتح أكثر على الثقافات والعرقيات الأخرى فى العالم، لذلك هو صاحب انتشار أوسع من كلينت أضف لذلك قدراته كممثل سنجد أننا أمام ظاهرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، الضلع الأخير هو سولى الكابتن طيار الذى صنع المعجزة والذى يمثل السوبر هيرو الأمريكى الواقعى، الشخص الذى يمكن تسويقه على أنه نتاج الحلم الأمريكى، محترف وخبير ويحلم طوال الوقت ويطور نفسه على قدر أحلامه حتى فى مرحلة متقدمة من عمره، وبالطبع المدينة التى تعد هى الأخرى نتاج الحلم الأمريكى نيويورك مدينة القبح والجمال تراها فى أفلام وودى آلن كئيبة وضاغطة على سكانها وعلى العكس فى فيلم كلينت تسع الجميع وتحافظ على حياتهم وآدميتهم. الفيلم يعتمد على قصة حقيقية مثلها مثل معظم أفلام كلينت الأخيرة، يوثق لحدث يراه الكثيرون معجزة، لم يختر المخرج أن يصدر هذا فى البداية ولم يختر شكل التوثيق ولم يختر أن يتعرف المشاهدون على شخصيات الفيلم بشكل كامل، ولم يبدأ بالحدث المعجزة وحتى لم يوسطه فى الفيلم، اختار كلينت أن يعب على نفسه الأمور لأقصى درجة، وضع بداية مملة وبطيئة الثوانى وغامضة، لم تمنح المشاهد متعة الإشباع من الحدث وهو الهبوط بالطائرة اضطراريًا على سطح نهر هادسون، وأضف لذلك أنه شكك الجميع فى شخصية البطل القومى وبنى المشاهد الأولية للشخصية لتبدو وكأنها لشخص متوتر مضطرب يعانى من هلاوس، عند هذا الحد رؤية كلينت قد تبدو غريبة وتختلف عما يقدمه خاصة أنه لم يستخدم الشخصيات الأخرى لتتفاعل مع سولى بشكل يمنح أريحية معرفة المشاهد كيف يبدو سولى، قرر تهميشهم تمامًا حتى زوجته لدرجة الظن أنه يعانى من مشاكل أسرية. (التالى يكشف بعض أحداث الفيلم) الوضع الصعب الذى عايشه المشاهد فى أكثر من ثلث الفيلم الأول بكل البطء ووطئ الانتظار، هو نفسه ما عايشه سولى الذى ينتظر بدوره نتيجة التحقيقات، والهلاوس التى كانت تبدو كذلك فى البداية ليست سوى حسابات سولى لكل خطوة قام بها التى كانت ستؤدى وكيف ستكون حجم الكارثة، شيئًا فشيئًا يتحول الشخص من الشخص المهزوز المضطرب فى نظر المشاهدين نتيجة البناء الذى اعتمده كلينت ليضخم أحاسيس سولى الداخلية عندهم، إلى شخص متزن ورب لأسرة متماسكة وقائد وخبير بمعنىآخر نموذج للبطل الأمريكى الواقعى، هذه التحولات الدقيقة والأداء التعبيرى والحركى لم يكن له إلا توم هانكس، المطلوب كان تقديم أداء يمنح نوعا محددا من التوتر نوعا محددا من الاضطراب، ملامح وتعابير يوحى بأن صاحبهما يعانى لكنها ليست هلاوس على الرغم من أنها تبدو كذلك، وأهمية ذلك هو توفير انتقال سلس للصورة الذهنية الخاصة بالشخصية والتى كونها كلينت منذ البداية وحولها حذريًا فى النصف الثانى من الفيلم. التقديم والتأخير عنصران لعب عليهما المخرج فى بناء الأحداث الدرامية، أخر الحدث الرئيسى حتى نهاية الفيلم وقدم النتائج لبدايته، وخلق تضاربا فى المشاعر عند المشاهد الذى يعرف القصة الحقيقية وربما شاهد أفلاما وثائقية عنها أو قرأ كتاب كابتن سولى المستوحى منه الفيلم ويحكى كل ما يتعلق بالواقعة بقلم صاحبها، كلينت هو أنه مسح كل ما تعرفه عن الواقعة وأجبر الجميع على البدء من الصفر لنعرف أكثر عن سولى كإنسان ويرسم صورة مثالية للشخصية بدأت من الشك ووصلت لليقين فى نهاية الأحداث، وإرضاءً لنزعته القومية والوطنية الواضحة فى أعماله نقل البطولة من سولى لمدينة نيويورك بأكملها، فإذا كان سولى قد اتخذ قرارا رآه صائبًا فالمدينة أيضًا تعاملت مع الحدث بشكل سريع واحترافى تحركت الجهات المعنية بشكل سريع للإنقاذ ولم يفت عليه بالطبع الإشارة لحادث برجى التجارة العالميين من خلال جملة عابرة نطقها بمرارة ممثل نقابة الطيارين مفادها أن حوادث الطائرات تحمل واقعا أسوأ مما كانت عليه بعد 11 سبتمبر، بهذه الجملة البسيطة حول كلينت كل ما بعدها إلى إسقاط سياسى صرف وطريقته فى إظهار المدينة بهذا الشكل يدعمها اجتماعيًا وسياسيًا بإظهارها أصبحت أكثر قدرة على مواجهة المشاكل والحوادث، تدرب أفرادها جيدًا بعد ثمانى سنوات من الحدث المرير فى حلق كل أمريكى، لولا هذه الجملة تحديدًا لكان التركيز على إنقاذ الطائرة ومشاهد منها التحرك السريع لدوائر الإنقاذ فى الشرطة والمطافئ وحتى فى شركة العبارات سيبدو بلا أى معنى ويحمل الفيلم أكثر من طاقته التى من المفترض أن تركز وتقف عند حدود جلسة الشهادة العلنية لسولى وطياره المساعد. شخصيات الفيلم مثلها مثل الحدث الرئيسى الذى جزءه كلينت، فى البداية استخدم ندرة ظهورهم لتكثيف حالة الغموض حول سولى ولم يستخدمهم لتحريك أى حدث مجرد متعاملين ببلاده مع الأحداث وكأنهم تماثيل، مسئولة الفندق التى احتضنت الطيار الذى أنقذ الموقف تضج بالحياة عن زوجته (لورا لينى) وطياره المساعد (آرون إيكهارت) وعلى الرغم من أن الحالتين تضعفان الفيلم وبناءه ويلقيان الحمل على عاتق توم هانك بصفته صاحب شخصية سولى والسيناريو الذى يتوجب عليه أن يملا هذا الفراغ، لكن كل هذا يتحول لنقطة قوة مع مرور الأحداث، يستخدم الزوجة فى رسم المستقبل المهدد لسولى بفقدانهم كل ما يملكونه، ودلل على صحة قرار سولى بالهبوط على سطح النهر بعد التعامل الاحترافى لكابتنه المساعد مع الأزمة. الفيلم على بساطته إلا أنه لا يوجد عنصر واحد من عناصره يصلح للتعامل معه ببساطة، تنفيذ الخدع البصرية فى الفيلم سواء لمشهد الهبوط الاضطرارى أو خيالات سولى بسيط لكنه بلا شوائب أو عدم منطقية، الجمل البسيطة التى تمثل تحولات جذرية فى الشخصيات وطبيعة تفسير وتأويل المشاهد بكادراتها التى اختارها كلينت بعناية مع الإضاءة والظلال ليكثف الشعور بالحالة النفسية أو تحييدها فى البدايات المليئة بالغموض.