صدر حديثًا عن المركز القومي للترجمة، النسخة العربية من كتاب (ظهور تركيا الحديثة) لبرنارد لويس، ترجمة قاسم عبده قاسم وسامية محمد. موضوع هذا الكتاب يكمن في ظهور تركيا الحديثة من أنقاض تركيا القديمة وذلك بعد فحص تمهيدي لمصادر الحياة التركية وطبيعتها، ويقع الكتاب في تسلسل زمني، ليس باعتباره تاريخًا سرديًا بسيطًا عن تركيا، وإنما بالأحرى محاولة لتتبع مراحل التغيير الرئيسية وتحديدها.. وقد تم تحديد مدى الدراسة بداية من عام 1950، عندما أقصى حزب أتاتورك عن السلطة في انتخابات حرة، كان الحزب نفسه قد نظمها، ودخلت البلاد مرحلة جديدة من تاريخها، وفي الجزء الثاني من الكتاب ندرس أربعة جوانب من التغيير. بحسب المؤلف، بدأت الثورة التركية، بالمعنى الشكلي، بالإطاحة القوية للنظام السياسي القديم وإنشاء نظام سياسي جديد في عام 1908. غير أنها، بمعنى آخر، ظلت مستمرة على مدى ما يقرب من قرنين من الزمان فقد بدأت عندما تعرض الأتراك لسلسلة من الهزائم، فاضطروا إلى الاعتماد على الأسلحة الأوروبية ودعوة المستشارين الأوروبيين، ومن ثم القبول، بكل الأفكار الجديدة والمؤسسات التي تشكل أساس الدولة الحديثة والجيش الحديث، وكانت الإصلاحات الأولى التي قام بها الحكام المستبدون، الذين أرادوا فقط تدريب وتجهيز أفضل الجيوش، وقد أدى ارتفاع تكلفة التحديث العسكري إلى فرض الضرائب الباهظة وبروز أقسى الحكومات. ومع هذه التغييرات، ونتاج ما أثمره من استبداد، لم يكن من الممكن أن يمر من دون منازع في عصر كانت فيه أوروبا هي النموذج والمحتذى للتنوير، والتي قدمت مجموعة كبيرة من الأيدلوجيات العلمانية للثورة، حيث أثرت الليبرالية والوطنية والأفكار الثورية على الطلاب الأتراك والطلاب العسكريين والدبلوماسيين والملحقين العسكريين، وحينما وجدت هذه الأفكار طريقها إلى تركيا، كانت قد منحت زخما جديدًا واتجاهات جديدة إلى الضباط والمسؤولين الشباب، وأدت إلى حركات دستورية وشعبية متتالية في 1976، 1908 و1920. وكان التغيير الأساسي في تركيا وانتقالها من إمبراطورية إسلامية إلى دولة تركية، من البيروقراطية الإقطاعية إلى الاقتصاد الرأسمالي الحديث، قد تم إنجازه على مدى فترة طويلة وبفضل موجات متعاقبة من المصلحين. تتضمن الجوانب الأربعة التي ركز عليها الكتاب بشأن التغيير في تركيا: تحول الإحساس الجماعي بالهوية والولاء فيما بين الأتراك، وتحول نظرية الحكم وممارستها، وتحول الدين والحياة الثقافية التي كان يحكمها، وتحول النظام الاقتصادي والسياسي، وفي الفصل الأخير نجد هناك محاولة لوضع بعض الاستنتاجات العامة عن طبيعة الثورة التركية وتقدير إنجازاتها.