أثير موضوع اللاستشراق مجددا في صحيفة " المصري اليوم " في زاوية الأستاذ ( حاتم فودة ) وهي زاوية نشطة متجددة تضع يدها دائما على نبض الحياة المصرية راحنا وامتداداً ، ويعنيني - في هذا المقام - ما ذكره عن كتاب " حضارة العرب " للمستشرق الفرنسي جوستاف لوبون ، وترجمته إلى العربية ، وما ذكر من أنه كتاب منصف أو معتدل ، أو مجانب للشطط . غير أن الأستاذ حاتم فودة حدد مسائل تخص جانبا من حياة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ورأى أن المستشرق جوستاف لوبون جاوز العدل والصدق ، ووجه نقدا لبعض سلوكيات الرسول ( ص ) وأقواله ، ورأى أن هذا يجرد الكتاب من صفة العدل والحياد العلمي ، وهذه قضية تستحق المناقشة ، وبخاصة أنها - على الرغم من قدمها - لا تزال تطرح نفسها بين الحين والآخر . الأصل في شخصية الرسول (ص) أنه معصوم ، أي منزه عن أي انحراف متعمد أو خطأ مقصود . هذا أساس من معتقد المسلم ، ومفهوم أن المستشرق الفرنسي ليس مسلما ، ولا نطالبه بهذا ، ومن ثم فإنه يستند إلى معايير إنسانية لا تميز شخص الرسول (ص) لأنه لا يعتقد في رسالته ، وأنها إلهام سماوي بل هي - في رأيه ومعتقده - عمل إنساني عبقري مشهود له بعظمة التأثير دون أن يُشهَد له بأنه الهام من السماء . وهذا التصور يجعلنا نحن المسلمين أقرب إلى فهم غير المسلمين حين يكتبون عن الإسلام ، وعن نبي الإسلام ، وليس يحق لنا - بحكم معتقداتنا - أن نوافقهم أو نؤمن بأقوالهم ، وإنما يكفي أن نعلق عليها ، ونتجاوزها ، أو نناقشها كما فعل محمد فريد وجدي ، ويفعل كل من يجد في نفسه القدرة على أداء هذا الدور الواجب دون أن يصل إلى تجريح الآخر واتهام عقله ، فهو يحكم بتجربته الإنسانية وبعده الحضاري الغربي ( المجتمعي الراهن ) وليس بحكم معتقداتنا ذات الجذور الدينية / التاريخية . لقد طرح حاتم فودة تساؤلا يتهم فيه المستشرق الفرنسي بالتناقض ، إذا أشار إلى أن الإسلام لم ينتشر بالسيف ، وهذه حقيقة ، وفي مكان آخر أشار إلى أن أبا بكر - الخليفة الأول - حين تبين له أن العنصر البدوي محارب قلق بطبعه ، وينبغي توجيهه إلى الفتوحات الخارجية حتى لا يتآكل داخليا . لست أرى بين القولين تناقضا فحروب الفتوحات الإسلامية حروب وقائية طبيعية ، وإذا لم يبدأها العرب ستبدأها الدول المتاخمة لهم ،و تدهمهم في ديارهم ، فالسيف هنا يستخدم لغته الطبيعية ، وهي صراع النفوذ ، وإقامة الدول . أما نشر العقيدة فأمر مختلف إذ لم يعرف عن العرب وعن المسلمين عامة أنهم أكرهوا شعبا أو شخصا على اعتناق دينهم ، وإنما كان أهالي البلاد المفتوحة يميلون إلى مجاراة أخلاق المسلمين ، وأنساق حياتهم ، والتزامهم الأدبي الاجتماعي ، ومن ثم تكون الرغبة إلى الدخول في زمرتهم لهذه الأسباب أو غيرها أيضا فيحدث على المستوى الفردي الذي لا يلبث أن يتحول إلى نوع من التدفق الاختياري الطوعي ، وهذه إحدى هبات الخالق سبحانه وتعالى لدينه المرتضى