مساء الخميس 31 مايو 1934، استمع المصريون إلي صوت أحمد سالم أول مذيع للإذاعة المصرية يقول: "ألو.. "ألو.. هنا الإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية"، ثم كانت البداية بتلاوة قرآنية بصوت القارئ الشيخ محمد رفعت ليكون بذلك أول من تلا القرآن الكريم عبر ميكروفون الإذاعة المصرية، ثم يعود صوت المذيع الشاب أحمد سالم ليعلن عن أول فاصل غنائي بصوت أم كلثوم "هنا القاهرة.. سيداتي وسادتي أولي سهرات الإذاعة المصرية في أول يوم من عمرها تحييها الآنسة أم كلثوم". وتخللت ساعات الإرسال التي امتدت من السادسة مساءً، وحتي الحادية عشرة فواصل موسيقية وزجلية وقصيدة شعر ومونولوج فكاهي ثم كان الختام بفاصل موسيقي لمحمد عبدالوهاب مع التخت الخاص به. ومنذ اليوم الأول حرصت الإذاعة المصرية علي تواجد نجوم ذوي شهرة ومكانة رفيعة بين الجمهور حتي تنال بذلك ثقة واحترام المستمعين فكان من بين نجومها أم كلثوم وصالح عبد الحي ومحمد عبدالوهاب وزكريا أحمد والسنباطي وكتبت شهادات ميلاد نجوم كبار مثل فريد الأطرش الذي كانت بدايته مع الإذاعة كعازف عود. وكان نشر الثقافة والتسلية هو الهدف الأول والمعلن للإذاعة المصرية، لذا كان يبث في بادئ الأمر من خلالها الأغاني بصوت الفنانين فلم يكن هناك سوى تسجيل على شرائط أو اسطوانات ولكن كان المطرب يذهب بنفسه للراديو ليغنى الأغنية، وكبار نجوم زمن الفن الجميل بدأوا من خلال الإذاعة نرصد أبرز مواقفهم. ذكر الكاتب محفوظ عبد الرحمن أنه عقب ثورة يوليو 1952 تم منع إذاعة أغاني أم كلثوم من الاذاعة نهائيا باعتبارها "مطربة العهد البائد"، وتم اعتبار كوكب الشرق "أم كلثوم" ضد الثورة بسبب حصولها علي قلاده صاحبه العصمة وغنائها للملك ووصل القرار إلى جمال عبد الناصر شخصيا، الذي قام بإلغاء هذا القرار. استطاع إسماعيل يس أن ينجح في فن المونولوج، وظل عشر سنوات من عام 1935- 1945 متألقا في هذا المجال حتى أصبح يلقى المونولوج في" الإذاعة" نظير أربعة جنيهات عن المونولوج الواحد شاملا أجر التأليف والتلحين، والذي كان يقوم بتأليفه دائماً توأمه الفني أبو السعود الإبياري، فكانت الإذاعة "وش خير" عليه. جاء الفنان محمد رشدي، إلى القاهرة ليشق طريقه في عالم الفن، وكان مولعا بالموسيقار محمد عبد الوهاب، ومن حسن حظه انه تعرف على العامل الخاص بمكتب موسيقار الأجيال، فطلب "رشدي" أن يحضر إلى مكتبه ويتجول فيه إلى مكتب "عبد الوهاب"ه، فوافق العامل، وكل هذا بعيدا عن "عبد الوهاب"، فوجد من بين سلة مهملاته كلمات أغنية يقول مطلعها "يا للي أنت في بالي والعمر قضيته أغنيلك"، فطلب من بلدياته أن يأخذ هذه الأوراق، فسمح له بعدما أخبره أنه ليس لها قيمة، لأن عبد الوهاب ألقاها في الزبالة، قام رشدي بتلحين الكلمات، وتقدم بها لامتحان الإذاعة، وكانت اللجنة وقتها بها عبد الوهاب شخصيًا، وعندما بدأ رشدي حينها في الغناء طار صواب عبد الوهاب، وكاد أن يتهمه بالسرقة، وسأله كيف وصلت لك هذه الكلمات، فحكى له رشدي ما حدث، فضحك عبد الوهاب بشدة، ونجح رشدي في الاختبار، وتم تسجيله مطربًا بالإذاعة. أول صوت غنائي عن نصر أكتوبر، هي الفنانة الجزائرية وردة، وكان ذلك عبر الإذاعة المصرية، ولا تريد وردة أن يمر اليوم الثاني للنصر دون أن تكون قد انطلقت بأغنية وطنية، عبر أثير الإذاعة المصرية، ولم يكن أمامها سوي أن تصر هي وبليغ حمدي وعبد الرحيم ثلاثي أغنية "حلوة بلادي" علي مطلب واحد وهو دخول مبنى الإذاعة، مهما كانت الظروف حتي ولو أدي الأمر إلي مقابلة كبار المسئولين بالإذاعة الذين عملوا بالأمر، وطلبوا من مسئول الغناء والموسيقي وجدي الحكيم النزول إليهم وإبلاغهم بالتعليمات الواضحة ونزل إليهم بالفعل، وحدثت مشادة عنيفة بينهم رغم صلته الوثيقة بهم، الأمر الذي جعلهم يطلبون منه التوجه لرئيس الإذاعة محمد محمود شعبان "بابا شارو". وبعد فترة انتظار قاربت نحو الساعة لانشغاله بمتابعة أخبار المعركة ليبلغهم بعدم وجود ميزانية لتسجيل أي أغنيات وأن الميزانية كلها مخصصة لهذا الحدث، وفي ضوء هذه الظروف همس بليغ في أذن وردة وعبد الرحيم، وكانت نتيجة هذا الهمس أن طلب بليغ من رئيس الإذاعة إعطاءه ورقة بيضاء كتب عليها إقرارا بخط يده وقع عليه الثلاثة بأنهم متنازلون عن أجورهم الأمر الذي أثلج صدر بابا شارو وطلب من وجدي الحكيم الاتصال بالهندسة الإذاعية وفتح استديو46 للتسجيل، وهنا ظهرت الفرحة علي وجوه الثلاثة ليجدوا الاستديو جاهز لهذه المهمة وهنا طلب من وردة الاتصال بالموسيقار أحمد فؤاد حسن رئيس الفرقة الماسية والذي تنازل عن أجره أيضا، وتجمعت كل أطراف الأغنية في الثانية ظهر اليوم الثاني للنصر الأحد7 أكتوبر لتجهيز العمل.